وزير الدفاع يستعرض العلاقات الثنائية مع "كوليبالي"    محافظ الطائف يناقش إطلاق الملتقى العالمي الأول للورد والنباتات العطرية    حتى لا نفقد درراً !    رؤية المملكة 2030 في عامها الثامن    "القروض الخضراء" لتمويل المشروعات صديقة البيئة    "تاسي" أخضر و7 صفقات خاصة ب318 مليونا    تمويل محطتَيْ طاقة ب 11.4 مليار ريال    القيم تتصدع في غزة    انطلاق تمرين "الموج الأحمر 7" بالأسطول الغربي    موسكو تدرج زيلينسكي في قائمة المطلوبين    إبعاد "حكام نخبة أوروبا" عن روشن؟.. القاسم يردّ    ليفربول يواجه توتنهام في لقاء الفرصة الأخيرة    في الجوهرة.. الأهلي يبحث عن فوز غائب أمام الهلال منذ 2020    الأهلي يعلن تفاصيل إصابة هيثم عسيري    الصمعاني: مرحلة جديدة من تطوير قضاء التنفيذ    "بوَعْينا نصل آمنين".. فعّالية للالتزام بأنظمة المرور    رحيل «البدر» الفاجع.. «ما بقى لي قلب»    المعمر، وحمدان، وأبو السمح، والخياط !    ملحمة ثقافية    (البدرُ غاب)    الدورة 15 لمؤتمر القمة الإسلامي: "ندعوا دول العالم إلى ضرورة التحرك لوقف جريمة الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني"    الهلال ينهي تحضيراته لمؤجلة الأهلي من الجولة 28 في دوري روشن    محمد عبده سافر قبل"11"يوم .. وتماثل للشفاء حسب التقارير الطبية    تعليم الطائف يطلق حملة إعلامية ‬⁩ لتعريف المجتمع المحلي بالاختبارات الوطنية ⁧‫"نافس‬⁩ "    منافسات الجولة ال31.. تنطق غداً بثلاث مواجهات    18535 مواطنا ومواطنة ينضمون للقطاع الخاص في أبريل    آل معمر يشكرون خادم الحرمين الشريفين وولي العهد    معارك السودان تستمر    وزراء الموارد والبلديات والتعليم يؤكدون في مؤتمر "السلامة المهنية" أهمية التكامل لتطبيق معايير السلامة بين العاملين    هيئة الشورى تعقد اجتماعها الثاني    إنفاذاً لتوجيهات خادم الحرمين وولي العهد.. وصول التوأم السيامي الفلبيني «أكيزا وعائشة» إلى الرياض    قيادي في فتح: حماس تتفاوض لتأمين قياداتها    قربان: قطاع الحياة الفطرية يوفر فرصًا استثمارية ضخمة في السياحة البيئية    المملكة تستضيف اجتماعيّ المجلس التنفيذي والمؤتمر العام ل"الألكسو"    "الأرصاد" ينبه من هطول أمطار على منطقة الرياض    فرص واعدة لصُناع الأفلام في المملكة    حادث يودي بحياة قائد مركبة اصطدم ببوابة البيت الأبيض    نائب أمير الشرقية يستقبل مدير عام هيئة التراث بالمنطقة    ميسي يسجل ثلاثة أرقام قياسية جديدة في الدوري الأمريكي    كاسترو يكشف موقف تاليسكا وغريب من مواجهة الهلال    20 ألف مستفيد من خدمات مستشفى الأسياح    ( مسيرة أرفى ) تعلن عن إنطلاق فعاليات شهر التصلب المتعدد    توقعات بهطول أمطار رعدية خفيفة على معظم مناطق المملكة    تنمية جازان تفعل برنامجًا ترفيهيًا في جزر فرسان    "ميدياثون الحج والعمرة" يختتم أعماله    اللحوم والبقوليات تسبب "النقرس"    القبيلة.. وتعدد الهويات الوطنية    السعودية.. دور حيوي وتفكير إستراتيجي    بأمر خادم الحرمين.. تعيين 261 عضواً بمرتبة مُلازم تحقيق في النيابة العامة    «المظالم» يخفض مدد التقاضي و«التنفيذ» تتوعد المماطلين    رعى حفل التخرج الجامعي.. أمير الرياض يدشن مشروعات تنموية في شقراء    تحت رعاية ولي العهد.. وزير الدفاع يفتتح مرافق كلية الملك فيصل ويشهد حفل التخرج    يجنبهم التعرض ل «التنمر».. مختصون: التدخل المبكر ينقذ «قصار القامة»    النملة والهدهد    لا توجد حسابات لأئمة الحرمين في مواقع التواصل... ولا صحة لما ينشر فيها    "الفقه الإسلامي" يُثمّن بيان كبار العلماء بشأن "الحج"    كيفية «حلب» الحبيب !    بيان صادر عن هيئة كبار العلماء بشأن عدم جواز الذهاب للحج دون تصريح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"خمسون عاماً من الفن العربي المعاصر من أجل فلسطين". لوحات تستعيد اغصان الزيتون والبنادق والأسلاك الشائكة
نشر في الحياة يوم 29 - 05 - 1998

"خمسون عاماً من الفن العربي المعاصر من أجل فلسطين" هو عنوان المعرض الذي نظمه صالح بركات في غاليري "أجيال" في ذكرى النكبة متضمناً أكثر من أربعين لوحة ومحفورة لمجموعة من الفنانين العرب الرواد والمخضرمين - في لبنان وسورية والعراق وفلسطين ومصر والسودان. تعيد الأعمال الى الأذهان مراحل متأزمة من تاريخ القضية الفلسطينية كالنكبة والهجرة وثورة أطفال الحجارة. وقد أفرزت تلك المراحل الحافلة بالصراعات والتحولات المأسوية، ما يُسمى بالفن الملتزم الذي سرعان ما وجد له انعكاسات مباشرة وغير مباشرة في توجهات الفنانين التشكيليين العرب وفي أساليبهم.
المعرض ليس وثائقياً في المعنى الشموليّ، بل هو أقرب الى العمل التجميعي الذي يختار ويقطف من انتاجات الفنانين التي تعود الى مجموعات خاصة، بعض الإشارات المضيئة والمحطات التاريخية واللوحات النادرة التي لم تُكشف من قبل، فضلاً عن أعمال تسترجع ذاكرة ليست ببعيدة عن بيروت التي عرفت أوجهاً من الصراع والأحداث والحروب حتى العام 1982. وفي ظل هذه الاسترجاعية المنتقاة مما هو متوافر، ثمة أعمال فنية لا تمثل نفسها فحسب كقيمة تشكيلية صرفة بل أهميتها انها نُفِّذَت ظرفياً لمناسبات أو لذكريات مؤلمة، كاهداءات وربما كتحيات تمجد البطولة وتصوِّر الوجوه التي غابت ناطقة بالحياة. وكأن الخوف من النسيان يحفز الى أسلوب تسجيلي موغل في الحزن، غارق في الحكاية صاخب وفذ واعتراضي، يحفر في الذاكرة قدر ما يؤثر فيها. فلوحة "تحية الى غسان كنفاني" التي رسمتها الفنانة التجريدية سامية الحلبي إثر اغتياله بأسلوب واقعي شاعري، تُظهر بشفافية الطباشير الملونة، وجه كنفاني متفتحاً وسط حقل من شقائق النعمان ومحاطاً بوجوه الفدائيين. بينما عالج فريد حداد ضياع أحلام العودة، بلمسات حرة عصبية وألوان نارية مبعثرة على هيئة بندقية وشرارة، كتحية لكمال ناصر الذي قتل في بيروت العام 1973. ومن مجموعة أناشيد الجسد، محفورة رائعة لضياء العزاوي إثر مجازر صبرا وشاتيلا بعنوان "نحن لا نُرى إلا جثثاً" حيث الأرجل المبتورة تكمل طريقها والوجوه المذعورة ما زالت تحلم والكرسي مثل عصفور ينقلب على أرض مضطربة. والى العام 1966 يرجع تاريخ لوة "الصلاة للأرض" التي رسمها فاتح المدرِّس باللونين الأحمر والأسود، لاستغاثة امرأة، يداها تلوحان في الأفق. ومن مرحلة الرسوم التي كان يرسلها حسن جوني من مدريد لمجلة "الحرية" لوحة تجريدية من العام 1969 لعناق الأم والطفل وخلفهما بقايا الأرض المحروقة.
وكمن يستعين بالحلم على احتمال مرارة الواقع، هكذا تتعاطى جمانة الحسيني مع سقوط زهرة المدائن العام 1967، بلوعة الحنين الى جمالية عمائرها وقبابها ونوافذها وزخارفها كسجادة شرقية بيضاء مطعمة بألوان الذهب وكأن منظر مدينة القدس لم يبرح مكانه في العيون كما في المخيلة والوجدان. والى التقاليد الشعبية والفولكلورية تنتمي فطرية ابراهيم غنام، الذي رسم منظراً قروياً بالقرب من بحيرة طبريا بإحساس من لا يصدق ضياع الأر، فيعود ليؤكد وجودها مجازياً عبر أدوات الرسم والتصوير. ولطالما استعان توفيق عبدالعال برمز دون كيشوت في رصده موضوع الفارس والحصان في الأرض اليباب.
ويمثل عبدالوهاب أبو السعود نموذجاً من الرعيل الفني الأول الذي واكب احداث فلسطين ونكبة العام 1948، فقد عاش متنقلاً بين سورية ولبنان وفلسطين، والى كونه رساماً فقد خاض غمار المسرح مع جورج أبيض في مصر. أما لوحته في المعرض فهي "دخول عمر بن الخطاب الى بيت المقدس" العام 1949 وهي تنتمي الى سلسلة مواضيع تاريخية يستعيد فيها بنبرة استشراقية الأمجاد العربية أيام الفتوحات الإسلامية، ويعتبر مصطفى فروخ أول فنان، لبناني يسجل بجرأة لا مثيل لها مواقفه الانتقادية حيال ضياع فلسطين، عبر رسوم كاريكاتورية مُرفقة بتعليقات لاذعة، ليست الا صرخة ضمير تتعاطف مع اليقظة العربية التي تختصرها عبارة "أمة لن تموت". وكان فروخ يوزعها كمنشورات سرية أو ينشرها في الصحف اللبنانية والعربية، وهو أول من رسم المظاهر الأولى للتشرد وعكس مظاهر البؤس في المخيمات الفلسطينية، بروية مأسوية تدل عليها لوحة زيتية تصور امرأة وحيدة تنتظر كحرس على باب المخيم، خلفها غربان سود تحلق في سماء موحشة، أما لوحة "حصان الثورة العربية"، فهي من أشهر أعماله أواخر الأربعينات، رسمها ثلاث مرات متتالية بأوضاع متباينة وعالجها بتقنيات مختلفة، جعلت ذلك الحصان رمزاً وشعاراً للمرحلة، لا سيما وأن اللوحة تحمل مؤثرات نهضوية - باروكية في تجسيد وثبة الحصان وتأهُّب الفارس، ضمن ألوان نارية مع تدرجاتها الطيفية ما بين المقدمة والخلفية.
ومن المخيمات تبدأ حكايات الأحزان العميقة للاجئين. فنرى في لوحة نادرة لغسان كنفاني الشكل البدائي لمخيم رسمه بالفواش شاغراً لا يتردد فيه الا أصداء اصوات تضيق بها الشوارع وتتلون بها الجدران والسطوح الواطئة. وثمة لوحة أخرى لاسماعيل شموط عن موجات الألم التي تفيض على جدران المخيم، وتملأ الجو وتنسكب حيث ينتهي كل رواحٍ وغدوٍ الى حساء دامع، ونلمسُ بعمق، جذور تلك التعبيرية النظيفة المشغولة باتقان لمفردات الموضوع وكيفية معالجتها تقنياً - من حيث القماشة اللونية وطريقة توزيع الإضاءات ضمن مناخات ضبابية رومانسية الى حد ما - ومن أبرز لوحات شموط في تلك المرحلة من أواسط الستينات "شهيد من بلادي" و"طفلان في حزيران"، حيث يطل الإنسان كرمز للانسانية المعذية أو كحالة درامية فريدة.
ثمة اتجاهات في المدارس الواقعية والتعبيرية والرمزية عَكَسَ المعرض بعضاً منها كانت تتبدى مع نهوض جيل الستينات الذي جسّد تحولات جديدة في فن المقاومة مع تصاعد أهمية العمل الفدائي. فمن الواقعية التي تستعيد الأمكنة وآثار الأبرة والخيطان في تطريز الأثواب الفلسطينية ضمن مواضيع فولكلورية شعبية، الى لغة تعبيرية أكثر انحيازاً للانفعالات المباشرة في تصوير الألم والموت والصراخ المكتوم للأطفال أعمال حميد العطار وتمام الأكحل ومحمد الشاعر.... في المقابل يمكن قراءة أساليب تتجاوز المناسبات والمواضيع الى لغة في التعاطي مع الأشكال على هيئة جماعات معزولة محاطة بكائنات وعناصر ميثولوجية في أعمال مصطفى الحلاج. وانتقالاً الى محفورات منى السعودي وطريقتها في أسلبة موضووع وحدة المصير، واختزاله عبر حركة عناق اثنين من المقاتلين التي تظهر شبحياً على هيئة طائر يضم اليه جناحيه، وهندسياً مع نصف دائرة وخط مستقيم، كما تتردد في رسومها رموز غصن الزيتون والهلاك وحركة الأصابع المطبقة والخطة الفلسطينية، كرسائل بصرية لا تلبث ان تصيب معانيها المباشرة في الذاكرة والقلب. والى تلك الرمزية تنتمي رسوم نذير اسماعيل بالحبر الصيني للقدس ولمجد الأرض السليبة كشجرة مصلوبة أنبتت أغصانها بنادق المقاومة.
وبين اليأس والرفض والقلق تبرز أعمال عارف الريس التي تنتمي الى مرحلة تعبيرية - رمزية هي خصبة وغزيرة، وساخرة وايمائية في آن، وأطلق عليها الريس عنوان "رؤوس واقدام" ظهرت عقب الاعلان عن قيام منظمة التحرير الفلسطينية العام 1964 والدعوة للكفاح المسلح لاسترداد الأرض العام 1965 ومعايشة تلك المرحلة من الثورة والأحلام والانتماء كانت قد أفرزت رموزاً وتعابير وأشكالاً هندسية ذات حدود قاطعة كأنها تستحدث علاقات جديدة تربط الحياة بمسائل الفن في مرحلة الحداثة التشكيلية، فالمقاومة كطريق للخلاص في أعمال الريس، ما لبثت ان وجدت اسقاطاتها المحلية أثناء جولات الحرب اللبنانية عبر المأساة الجماعية في لوحات جميل ملاعب حيث آلات الحرب الثقيلة تطل كآلات تعذيب وحشية.
في الذكرى الخمسين لنكبة فلسطين. أكثر ما يبقى في البال من شهادات الفنانين، رموز الحمامة الجريحة وغصن الزيتون والأسلاك الشائكة وفوهة البندقية وشجرة الليمون. رموز من أجل الإنسان والأرض والحرية، سكنت حكاياتها الحزينة ولم تزل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.