يوميات الغياب

1 - صَباحُ ذِهَابكِ غَيمٌ غريبٌ
صَباحُ ذِهَابكِ غَيمٌ
تلبَّدَ فوقَ سريري
وَبكَّرَ في مَرَضي
وَانتَشَرْ
صَباحُ ذِهابكِ يأخذُني منْ هُدوئي
وَيَتركُني
دُونما مُسْتَقَرْ
يُكَسِّرُني كَالزُجَاجِ،
فَمِنْ أَينَ هذا الضبَابُ الخفيفُ،
تخلَّلَني، وَتَوزّعَ بينَ الشَجَرْ
ضَبَابٌ عَلى البَابِ وَالكَلماتِ الأَخيرةِ،
بَعدَ قليلٍ،
تَمرِّينَ رَاكبَةً،
ثُمَ أَصعدُ قُربَكِ، نمشي
إِلى نُقطةٍ للودَاعِ هُناكَ،
وَنَأخذُ إفطارَنا
قبلَ أَنْ يَنزعَ الوقتُ منّي يَديكِ،
وَقبلَ تغيبين مَصْحوُبةً بِسِوايَ،
إلى بَلَدِ المؤُتمرْ
ضَبَابٌ خَفيفٌ
يُغَلِّفُ هَذا السَفَرْ!
لندن 15/11/1997
2 - في هاتفك الأول
في هَاتفِكِ الأوَّلِ،
رَطَّبْتِ جَفَافي
وَرَشَشْتِ الأسْلاكَ بِمِسكِ كَلامِك،
حَتى انتَعَشتْ روحي
وَارْتَعَشَتْ أَطرافي
قُلتُ إذنْ،
هذا الحُبُّ يُواصِلُني حيَّاً
وأُواصِلُ فيه طَوافي
مَا هَمَّ إذا كُنتِ هُناكَ،
وَكُنتُ هنا
مَا دَامَ يُعانقُ صَفْصَافُكِ صَفْصَافي
وَرَشَفْتُ مِياهَ الينبوعِ، إلى أَنْ
رَقَّ المنفَى
وَغَمرتُكِ في البُعدِ بِأَلطَافي.
لندن 25/11/1997
3 - هذا الأَحد
هذا الأَحَدُ اكتَمَلَ الأُسبوعُ الأوّلُ لِغيابِكِ،
أَجلسُ في المقهَى، قُدَّامي فِنجانُ القهوةِ،
كُوبُ الماءِ، الأَوراقُ، المنْفَضَةُ، كِتابٌ في
الأَحلامِ. أَرى قلبي فوقَ الطاولةِ يُهمْهِمُ
شيئاً غيرَ الخَفَقانِ، أرى حُرَفَاءَ عَديدينَ
هُنا فوقَ مقاعِدهمْ أزواجاً أزواجاً مُبتهجينَ
فأَغبطُهمْ بحنانٍ وأَراني وحدي، سأحاول انْ
أجمعَ ما يتبعثرُ منْ أشلاءِ الصُورةِ في
كَلماتٍ، كي أَدرأَ عنّي الوَحْشَةَ، أنتبهُ إلى
تغيير الوقتِ، وقبلَ قليلٍ أَخَّرْتُ الساعةَ واحدةً
يا اللهُ، إذنْ
وقتُ غيابكِ زادَ،
ووقتي في قبْوِ الوحدةِ زادَ،
أَلا يَقْصُرُ هذا البُعدُ، لأُفضي لشُؤوني:
أنْ أَقرأ مثلاً، أَو أكتب نصّاً آخرَ في
الإبنِ، وآتي ما يَتَبقّى منْ دَوْراتٍ لي،
دونَ نشيدِ الفُقدانْ!
لندن 26/11/1997