الAI يقلص العمل ليومين أسبوعيا    367 موظفا جديدا يوميا بالقطاع الصحي    أمانة جازان تدشن ملتقى "سكنى وتمكين"    موجات مغناطيسية سر حرارة هالة الشمس    أسهم الذكاء الاصطناعي تواصل الصعود    ليفربول يواصل الانهيار وصلاح ينهي صيامه التهديفي    النصر يتخطى الحزم بثنائية ويواصل صدارته لدوري روشن السعودي للمحترفين    %90 من وكالات النكاح بلا ورق ولا حضور    شرطة الرياض: تم -في حينه- مباشرة واقعة اعتداء على قائد مركبة ومرافقه في أحد الأحياء    المخرج والبوستر ثنائي ينعش مبيعات السينما السعودية    النوم مرآة للصحة النفسية    اكتشاف يغير فهمنا للأحلام    المملكة وفرنسا ترسخان التعاون الثقافي    بسبب الهجوم الروسي.. وزيرة ألمانية تحتمي بملجأ في كييف    الرئيس الأميركي ينطلق في جولة آسيوية يلتقي خلالها شي جينبينغ    نظامنا الغذائي يقتل الأرض... اللحوم الحمراء أساس أزمة المناخ    القبض على 3 يمنيين في جازان لتهريبهم (80) كجم "قات"    التعادل الإيجابي يحسم مواجهة الشباب وضمك في دوري روشن للمحترفين    رفع الجاهزية الوطنية لحماية الموائل الطبيعية    تصعيد متجدد على الحدود اللبنانية    تعادل القادسية والأخدود سلبيًا في دوري روشن للمحترفين    رصد مذنب «ليمون» في سماء القصيم    المسحل يلتقي بعثة الأخضر تحت (16) عامًا قبل المشاركة في بطولة غرب آسيا    وزير شؤون الدفاع المدني والطوارئ الروسي يصل إلى الرياض    من الهلال إلى بنزيما: كم أنت كريم    رئيس موريتانيا يزور المسجد النبوي    ضبط 23 شخصا ساعدوا المخالفين    "تعليم جازان": تطبيق الدوام الشتوي في جميع المدارس بدءًا من يوم غدٍ الأحد    حرم سفير المملكة لدى فرنسا تقيم ندوة نسائية للتوعية بسرطان الثدي    «هيئة العناية بالحرمين» : 116 دقيقة مدة زمن العمرة خلال شهر ربيع الثاني    وفد غرفة جازان يزور شركة قوانغتشو يونكو للمعدات الذكية في الصين ويبحث توطين التصنيع الذكي في المملكة    تركي الفيصل يرعى مؤتمرًا دوليًا يناقش صحة الإنسان في الفضاء    ضبط 741 مخالفاً لممارستهم «الكدادة» دون ترخيص    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على هيفاء بنت تركي بن سعود الكبير آل سعود    صفرنا الذي اخترعناه أم صفرنا الذي اخترناه    مشاهير الإعلام الجديد وثقافة التفاهة    دوائر لمكافحة «الهياط الفاسد»    افتتاح النسخة الثالثة من مؤتمر جدة للصيدلة بمشاركة نخبة من الخبراء والممارسين    القطاع الزراعي يحقق قفزات نوعية ويسهم ب31.5 مليار دولار في الناتج المحلي    اتفاقيات وإطلاقات ملياريه في ملتقى "بيبان 2025"    الباحث السعودي د.الفريجي يفوز بالمركز الأول في جائزة الشارقة للأدب المكتبي    تجمع تبوك يصحح خطأً جراحيًا لمريض أجرى عملية تكميم خارج المملكة    احتفالية إعلامية مميزة لفريق "صدى جازان" وتكريم شركاء العطاء    «إرادة الدمام» يدشّن فعاليات اليوم العالمي للصحة النفسية بمشاركة واسعة في الخبر    جامعة الإمام عبدالرحمن توقع مذكرة تفاهم مع جمعية "اعتدال" لحفظ النعمة    دراسة: العمل في فترة النوبات الليلية قد يؤدي إلى الإصابة بالقولون العصبي    ناصر الدوسري يوضح أسباب تألقه مع إنزاغي    نائب أمير نجران يُدشِّن الأسبوع العالمي لمكافحة العدوى    آل الشيخ: معرفة أسماء الله الحسنى تزيد الإيمان وتملأ القلب طمأنينة    السديس: أمتنا أحوج ما تكون لهدايات القرآن في زمن الفتن    الديوان الملكي: وفاة صاحبة السمو الأميرة هيفاء بنت تركي بن محمد بن سعود الكبير آل سعود    أمير منطقة جازان ونائبه يلتقيان أهالي فرسان    أمير منطقة تبوك يواسي أسرة القايم    الأمين العام للأمم المتحدة يأمل أن تلتزم بالرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية    إسرائيل تحدد هوية رهينتين تسلمت جثتيهما    القيادة تعزي أمير الكويت في وفاة علي الصباح    أمر ملكي بتعيين الفوزان مفتياً عاماً للمملكة    أكد رسوخ الوفاء والمبادرات الإنسانية.. محافظ الأحساء يكرم مواطناً تبرع بكليته لوالده    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحضارة الغربية الآخذة من الأندلس علوماً وفنوناً وترجمات
نشر في الحياة يوم 25 - 10 - 1998


الكتاب: فضل الأندلس
على ثقافة العرب
المؤلف: خوان فيرنيت
الناشر: دار إشبيلية دمشق 1998
المترجم: نهاد رضا
يأتي هذا الكتاب ضمن سلسلة تُخطط الهيئة الاستشارية لدار إشبيلية لإصدارها تحت عنوان "الكتاب الأندلسي"، بحيث تنشر النصوص الأندلسيّة القديمة مُحققة علمياً والكتب المؤلفة حديثاً في الشؤون الأندلسية، وتلك التي ألّفها المستشرقون حول الأندلس.
ومؤلِّف الكتاب البروفسور خوان فيرنيت متخصِّص بتاريخ العلوم العربية - الإسبانية الأندلسيّة" نشر نحو ثلاثين كتاباً، منها ترجمتين لمعاني القرآن الكريم الى الإسبانية 1952 و1963، وحكايات "ألف ليلة وليلة" 1964. ولعلّ أبرز مؤلّفاته - "الثقافة الإسبانية - العربية الأندلسية في الشرق والغرب" 1978 الكتاب الذي نعرضه هنا. وقد تُرجم الى الألمانية والفرنسية.
أمّا فصول الكتاب، فإنها تغطي الموضوع تغطية واسعة بأسلوب سلس، يستند الى الحجة والمنطق والحقائق الموثقة. ويلمس القارىء جديّة العمل والجهد الأكاديمي الكبير الذي بذله المؤلِّف في البحث والتنقيب والمقارنات والتوثيق.
جعل المؤلِّف الفصل الأول مقدمةً تاريخية حول ولادة الإسلام، وظهور الإمارة العربية في الأندلس، ودور ملوك الطوائف، ومن ثم ميلاد الثقافة العربية هناك. وفي الفصل الثاني ركّز الحديث على مذهب علم التنجيم العربي، وإسهام العلماء والأطباء العرب في ميدان الطب والجراحة والمعالجات السريرية.
في الفصل الثالث توقّفَ الكاتب عند مسألة غاية في الأهمية بالنسبة الى قضية التلاقح المعرفي والحوار بين الأمم والثقافات" ونقصد بها "تقنية الترجمة". حيث أشار الى نصوص قام العرب بترجمتها الى العربية من مصادرها الأساسية: السنسكريتيّة والفهلوية والسريانية واليونانية، وكذلك اللاتينية بدرجة أقل في الفلك والطبّ والكيمياء والفيزياء والفلسفة وغيرها. كما قدّم نبذة عن الترجمة من العربية الى اللاتينية، والتي تعود الى مؤلفين عاشوا ما بين 750 - 1050م 132 - 442ه، وكان مصدرها غالباً اسباني. وقد لقي بعضها رواجاً شعبياً كبيراً، أوجب تكرار طبعها مرّات عديدة.
يتيح لنا جرد الترجمات اللاتينية بحسب ما قدّمه المؤلِّف، أن نتلمّس الاتجاهات الثقافية في ذلك العصر. إذ تأتي في المقدمة العلوم البحتة الرياضيات، وعلم الفلك، ونسبتها 47 في المئة، تليها الفلسفة 21 في المئة، والطب 20 في المئة" والعلوم الخفيّة أي الضرب بالرمل والسيمياء... إلخ 4 في المئة" وبنسبة أدنى موضوعات الدين والفيزياء. ولم يُبْدِ المترجمون اللاتينيّون اهتماماً بالمصنّفات الفقهية - اللغوية والأدبية. في حين أنّ اليهود - الذين اكتشفوا التشابه بين لغتهم واللغة العربية - أكبّوا على ترجمة كتب النحو والمعاجم - مثلما فعل ابن يعيش - ممّا أتاح لهم أن يصنفوا، بإطراد، صبغة خاصة على ترجماتهم. أما النصوص الدينية المترجمة فقد عوّل عليها كلٌّ من المسلمين والمسيحيين واليهود، في تعزيز معتقداتهم وتسويغها، ممّا جعلهم يترجمونها غالباً بصورة غير دقيقة، وفق متطلبات الأوضاع والمجادلات الدينية والطائفية.
وقد كرّس المؤلف ستّة فصول من الرابع الى التاسع للتفصيل بشأن العلوم الأندلسيّة، التي سيطرت على الحياة الفكرية - الثقافية والميادين العلمية المختلفة، بدءاً من القرن العاشر للميلاد وانتهاء بالقرن الثالث عشر وما يليه. حيث قدّم جرداً بالغ الدقّة والحيادية والموثوقية للمؤلِّفين والمصّنفات والأبحاث العلمية، التي قام بها علماء الأندلس في ظلّ الحضارة العربية - الإسلامية المزدهرة في فروع الرياضيات والفلك والفيزياء والتقانة والملاحة والنبات والفلاحة والطبّ وأدواته والكيمياء وتطبيقاتها.
من ناحية أخرى خصّص الكاتب الفصلين الأخيرين العاشر والحادي عشر لفنون الأندلسيّين وآدابهم المختلفة. حيث تشكّل هذه المعطيات الغزيرة إضافة مهمة لما عرفناه، من قبل، حول تأثير الفنون والآداب الأندلسية في الحياة الأوروبية لقرون طويلة. وذلك إمّا بصورة مباشرة، وإمّا عن طريق المستعربين. فمثلاً ظهرت مجموعة كبيرة من العناصر التي استعملها المعماريون القرطبيون في الكنائس المشيّدة في ليون، وفي الأديرة الكلونيّة، وفي الزخرفات ذات التلوين المتناوب، والقباب المحلاّة بالعروق والتقاطعات، التي انتشرت في أرجاء الغرب كلّه تقريباً عن طريق فنّاني الأندلس.
وكان المسيحيون ينقلون العناصر التزينية المعتمدة بطرازها على الأبجدية العربية والمستخدمة من جانب المسلمين، من دون إدراك دلالاتها، وظهرت من ثم نقوش بأحرف عربيّة وعلامات إسلامية، اصطلح على تسميتها بductus، انتشرت في أوروبا وامتدت الى تخوم الصين. ومن الطريف - كما يروي المؤلِّف - أنه وجدت تزيينات تجمع بين خطوط وكلمات عربية إسلامية ورسوم ذات دلالات مسيحية، كاللوحة الجدارية التي تضمّ بآن معاً شهادة "لا إله إلا الله، محمد رسول الله" وصورة تمثّل رأس مريم العذراء.
وقد وجد في الأندلس، شعرٌ ونثر قصصي تتفاوت شحنتهما الملحميّة، لذلك ينبغي لنا أن نفترض أن المستعربين كانوا على دراية بها، مثلما كان البيزنطيون والعرب والأتراك في الشرق، وحيث كانت كل أمّة منهم تطلِّعُ على ما ينتجه خيال الأمم الأخرى من هذا الأدب. اضافة الى التأثيرات المتبادلة في الشعر الصوفي واصطلاحاته وصوره وتشبيهاته المعروفة. وثمة نقطة أخرى تتصل بالمناقشات الجارية حول الأصل العربي لشعر "التروبادور" وأوزانه، والآراء التي أطلقها في هذا المجال الأب خوان أندريس وخواكين بلا وكيرولامو تيرابوتشي وغيرهم. وقد نقل المؤلف مجموعة من الأشعار الغنائية الإسبانية مقارناً إيّاها بمنتخبات عربيّة من الموشّحات. ومثل ذلك ما نجده في التيار الشعبي، الذي يمثّله ظهور أغاني الفيانثيكو في القرنين الثالث عشر والرابع عشر.
كما يعطي الكاتب أمثلة كثيرة تدلّ دلالة واضحة على تأثّر الأدب القصصي الأوروبي بنصوص عربيّة أو شرقية وصلت الى الغرب في القرون الوسطى عن طريق الأندلس. وأبرز حالة وأوضحها بهذا الشأن هي "الكوميديا الإلهية"، وهي أيضاً أهمّ حالة، نظراً لتأثير هذا العمل على الأدب العالمي.
ومن الجدير بالذكر أنه من نهايات القرن التاسع عشر، كان المستشرقون قد شرعوا يشيرون الى وجود أوجه شبه، بين عمل الشاعر دانتي ونصوص مختلفة هندية أو فارسية. ولكن أوّل من تناول المشكلة كلها جملة كان ميجيل أسين بلاثيوس، وذلك بكتاب خلّفَ أثراً كبيراً في عصره، وما زال حتى اليوم، نظراً لإثبات أطروحاته كلها تقريباً بالوثائق، أنموذجاً للطريقة التي ينبغي أن تتم بموجبها دراسات الأدب المقارن: "علم المَعاد الإسلامي في الكوميديا الإلهيّة". وقد برزت لاحقاً احتمالات قوية في أن يكون دانتي قد اطلع مباشرة على النصوص العربية" حيث تظهر وقائع كثيرة تدل على معرفته للغة العربية، وكذلك للغة العبرية، وهي حجج مُقنعة بحسب ما أوردها المؤلّف. ونرى في ذلك اضافة جديدة لمئات الدراسات والأبحاث المنشورة حول هذه المسألة.
وقد تناول المؤلف أمثلة مدهشة من التأثيرات العربية - الأندلسيّة على أجناس أدبية أوروبية مختلفة" بل أن طرقاً صوفية إسلامية معروفة كالطريقة الشاذلية وُجدت أصداؤها القوية في تيارات صوفية مسيحية، كجماعة "المتصوّفة الكرمليين". فأوجه الشبه قائمة بوضوح شديد بين القديس خوان دي لاكروث ]يوحنا الصليبي[ وابن عبّاد الرُّندي 733-792ه/ 1332-1394م. الذي قضى القسط الأكبر من حياته بالمغرب، حين قُيّض له أن يصبح واعظاً في الجامع الكبير بفاس. وقد بلغت نقاط التوافق بينهما حدّاً فائقاً، حتى لينتفي الاعتقاد بأنها ناشئة من مجرد توارد للخواطر أو ما شابه ذلك.
لم تكن هذه المراجعة سوى جولة سريعة جداً في أبرز معالم هذا السِّفْر العلمي الجليل، الذي يشكّل بالفعل مرجعاً فريداً لدراسة تاريخ العلاقات الثقافية العربيّة - الأوروبية عامّة، وتأثيرات الثقافة العربية - الأندلسية على الثقافة الأوروبية في القرون الوسطى خاصة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.