المملكة تعزز الاستثمار في القطاع غير الربحي لتحقيق الفائدة الاجتماعية وفق رؤية 2030    اللواء المربع يقف على سير العمل بجوازات منفذ الوديعة    رعى تخريج دفعتين من "القيادة والأركان" و"الدراسات العسكرية" .. وزير الحرس الوطني يدشن «برنامج الحرب»    أمير المدينة: مهتمون بمتابعة المشاريع ورصد التحديات لمعالجتها    2367 ريالاً إنفاق الفرد على التأمين    يفتتح مكتباً لشركة تابعة في باريس.. «السيادي السعودي» يرسخ شراكاته الاستثمارية العالمية    طريق أملج الوجه يحتاج وقفة    أدانت بشدة تصعيد الاحتلال وتوسعه شمال وجنوب غزة.. السعودية تحذر من استمرار الانتهاكات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني    "الرئاسي" يتحرّك لاحتواء التصعيد.. عصيان مدني واسع في طرابلس    عون يؤكد أهمية تأمين عودة النازحين لبلادهم بشكل آمن.. بيروت تعيد رسم خطوط التواصل مع دمشق    في انطلاق الجولة ال 33 قبل الأخيرة من دوري روشن.. الاتحاد في ضيافة الشباب.. والقادسية يواجه العروبة    وزير الخارجية ونظيرته النمساوية يبحثان المستجدات الإقليمية والدولية    النصر يكشف عن شعاره الجديد.. ويستعيد رونالدو    سالم يواصل ارتداء شعار الزعيم حتى 2027    طرفا نهائي كأس اليد يتحددان اليوم    مدرب منتخب هولندا: نادم على تصريحاتي بشأن الدوري السعودي    أشادوا بالخدمات المقدمة عبر "الوديعة".. حجاج يمنيون: المملكة حريصة على راحة ضيوف الرحمن    "الداخلية" تدعو للإبلاغ عن من ينقل مخالفي أنظمة الحج    حرس الحدود ينقذ (10) مقيمين " من غدر البحر"    بعد 12 يوماً.. الصيف يدق على الأبواب    الدكتور قزاز: توظيف الدراسات واستخدام "التفاعلية" مع تطوير المحتوى وقياس التأثير يحقق النجاح لإعلام الحج    ضوء صغير    الاستثمار في العقول    كورال روح الشرق يختتم بينالي الفنون الإسلامية 2025    حكاية طفل الأنابيب (5)    الاعتراف رسمياً بالسكري من النوع الخامس    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع طفيف    سيراليون تسجل زيادة في إصابات جدري القردة بنسبة 71% خلال أسبوع    سعود بن نايف يطلق برنامج "تطوع الشرقية"    برعاية نائب أمير الرياض.. بحث مستجدات مجالات الميتاجينوم والميكروبيوم    وكيل وزارة التعليم: في "آيسف" أبهرنا العالم    تجاوز مستفيدي مبادرة طريق مكة «مليون حاج»    الشؤون الإسلامية تُكمل استعداداتها في منافذ الشرقية لاستقبال الحجاج    وزير الحرس الوطني يرعى حفل خريجي كلية الملك عبدالله للقيادة والأركان    تفعيل اقتصاد المناطق    نائب أمير الشرقية يطّلع على تقرير "نور"    أمير تبوك يستقبل نادي نيوم ويبارك لهم تتويجهم بلقب دوري يلو والصعود الى دوري روشن    جمعية مالك للخدمات الإنسانية بالمحالة في زيارة ل "بر أبها"    الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يؤكِّد على تسخير كافة الوسائل التقنية ووسائل الذكاء الاصطناعي في تقديم خدمات الرئاسة العامة في حج هذا العام    الداخلية تصدر قرارات إدارية بحق 12 وافدا و8 مواطنين لنقلهم 60 مخالفا لا يحملون تصاريح لأداء الحج    المملكة.. إخراج سورية من عزلتها    «الدعم» تقصف مخيم نازحين وتوقع 14 قتيلاً بدارفور    حرس الحدود ينقذ 10 مصريين بعد جنوح واسطتهم البحرية    إيران: شروط واشنطن ستُفشل المحادثات النووية    تواصل سعودي نمساوي    الخارجية الفلسطينية تطالب بتحرك دولي عاجل لوقف العدوان الإسرائيلي    نائب ترمب: الولايات المتحدة قد تنسحب من حرب أوكرانيا    "الصحة العالمية": نواجه عجزا بنحو 1.7 مليار دولار خلال العامين المقبلين    محافظ أبو عريش يرأس لجنة السلامة المرورية الفرعية    مجموعة فقيه للرعاية الصحية تحصل على اعتماد JCI للمؤسسات كأول مجموعة صحية خاصة في المملكة    حلول واقعية لمعالجة التحديات المعاصرة التربوية    لمسة وفاء.. الشيخ محمد بن عبدالله آل علي    الشؤون الإسلامية تختتم الدورة التأصيلية الأولى في سريلانكا    نائب أمير عسير يستقبل القنصل الجزائري    9.5% تراجعا في تمويل واردات القطاع الخاص    قصائد فيصل بن تركي المغناة تتصدر الأكثر مشاهدة    النفط يتعافى مع مؤشرات بتراجع التوترات الجيوسياسية    رئيس جمعية «مرفأ» الصفحي يهنئ أمير جازان ونائبه على الثقة الملكية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من اليقين الرأسمالي الى الشك في حدود العقل والنقد
نشر في الحياة يوم 03 - 01 - 1998

قال الكاتب المسرحي فاسلاف هافل الذي صار رئيساً لجمهورية تشيكيا بعد انهيار النظام الشيوعي الذي قاومه: "قبل قرن ونصف القرن كان شبح الشيوعية يخيِّم على اوروبا - اما الآن فان شبح مرحلة ما بعد الشيوعية هو الذي يخيم على اوروبا". يقتطف هافل - كما لا يخفى على فطنة القارئ - من الصفحة الأولى في "البيان الشيوعي" الذي نشره كارل ماركس وفريدريك انغلز عام 1848 داعين عمال العالم ليتوحدوا ومتنبئين بحتمية زوال النظام الرأسمالي لتحل محله الاشتراكية. كان ذلك البيان الشرارة الفكرية التي افضت الى انتصار الشيوعية في روسيا والصين واوروبا الشرقية ثم اخفاقها المريع عند التطبيق العملي وانهيار قلبها النابض الاتحاد السوفياتي الذي كان تجسيداً للخطر أو الشبح المرعب للرأسمالية. بيد ان اخفاق الشيوعية وزوال شبحها لم يفض الى اعادة ترتيب تعادل في رسوخها مستوى النصر التاريخي الذي احرزته الرأسمالية. وهذا هو ما يشغل بال فاسلاف هافيل، فالخطر لم يعد من الشيوعية بل من نتائج زوالها.
ومن الذين شغلتهم هذه المفارقة الاستاذ الجامعي وخبير ادارة الاعمال في عدد من الشركات الدولية تشارلس هاندي. ادرك هاندي من تجربته الشخصية الواسعة ان مرحلة ما بعد انهيار الشيوعية لم تؤد الى تزايد الاقتناع بمزايا الرأسمالية المنتصرة بل فرزت الكثير من الشك في جوهر الرأسمالية كما تطبق وتمارس الآن. فهو يؤمن الآن بخطأ ما درسه في الولايات المتحدة التي سافر اليها بعد تخرجه بتفوق في اكسفورد من ان هدف الشركات في النظام الرأسمالي هو: "تحقيق اقصى ربح لكل سهم". فالربح لا ينبغي ان يكون الهدف الوحيد كما لا ينبغي ان يكون غاية في حد ذاته. يذكرنا هاندي بأن آدم سميث لم يكتب عن "ثروة الامم" ومزايا النظام الرأسمالي فحسب بل كتب في "نظرية العواطف الاخلاقية" ان "التعاطف" - اي "منح الاخرين الاعتبار المناسب" هو اساس المجتمع المتحضر. ثم يستنتج هاندي ان الدول الرأسمالية الكبرى اخذت نصف افكار آدم سميث واهملت النصف الآخر، فوضعت تحقيق الارباح فوق مصلحة المجتمع والمواطنين. يكتب هذا الايرلندي/ البريطاني - الذي يعتبر من ابلغ الملتزمين بالدفاع عن الرأسمالية - عن رحلته من "اليقين" الاعمى بالرسمالية الى الشك المتزايد في منهج تطبيقها ثم الدعوة الى اصلاحها. ويقتطف كلمات قالها ميخائيل غورباتشوف آخر رئيس سوفياتي لرونالد ريغان: "لدينا سلاح سري. سنتوقف عن معاداتكم!"، ويخلص الى ان ما قاله غورباتشوف كدعابة صار حقيقة واقعة وغير متوقعة اذ لم تعد روسيا خطراً على الغرب. لكن الغرب ارتبك عند زوال الخطر ولم يكن مهيأ بخطط مدروسة، فاحتار رغم انفراده منتشياً بالساحة.
ما اورده تشارلس هاندي في كتابه "ما وراء اليقين" جدير بوقفة تأمل. فهو لا يأتي من اليسار المتحجر الذي لا يزال يحلم بعودة "الاتحاد السوفياتي العظيم"، ولا من اعداء الغرب والدول الغربية، بل من خبير حكيم يحب الرأسمالية ويدافع عنها. ولا ريب ان وجود الاتحاد السوفياتي والكتلة الشيوعية دفع الدول الغربية الرأسمالية الى اتخاذ سياسات داخلية وخارجية كثيرة "كترياق" يدرأ الخطر المحدق ويصد العدوى. ومن ذلك التسامح ازاء النقابات العمالية واسلوب التعامل مع دول العالم الثالث في القروض والاعانات والاحساس بخطورة البطالة وكبح جماح الاحتكارات. فلما زال التحدي الماثل والبديل المواجه بدأ الشعور يتزايد بأن "كل شيء يجوز".
وهذا ما يدفع امثال تشارلس هاندي الى دق اجراس الخطر. فهو يدعو في مقابلة اجرتها معه مجلة الادارة "بيبول مانجمنت" في تشرين الأول اكتوبر الماضي الى تغيير خط السير والتوجه نحو "رأسمالية مهذبة". ويجاهر بأنه قلق من الآثار الجانبية السيئة و"العواقب غير المقصودة لرأسمالية السوق الحر". ويتساءل مشفقاً وحزيناً: "هل يرضينا ان يتزايد ثراء بلد مثل الولايات المتحدة في الوقت الذي يزداد فيه ثلث سكانه فقراً؟ وينادي بأن تصير الرأسمالية رحيمة ويتحدث بحماسة عن مشروع ابتكره يؤخذ في اطاره مديرو الشركات الكبرى الى المسارح لمشاهدة العروض ثم يلتقون لمناقشة القضايا الاجتماعية والنفسية التي تعالجها المسرحيات. ويقول ان المشروعات النظيرة لهذا مثل تشجيع مديري الشركات على مطالعة الشعر والاهتمام بالفنون والابداع ضرورية لأنها تضفي بُعداً قد يترك اثره في القرارات الادارية العليا التي تؤثر على مصائر الناس.
فهو يريد ان يرى كما اكد في مقابلة تلفزيونية اجرتها معه قناة ال "بي. بي. سي الثانية في 14/9/1997 رأسمالية "ذات ضمير" يحس ومسؤولية اجتماعية. ويضرب مثلا بشركة ربطت اعمالها "بالاستثمار في المجتمع" الذي تعمل فيه في جنوب افريقيا، فوثقت عراها "بصندوق نيلسون مانديلا لرعاية الاطفال"، الأمر الذي ازال الحواجز بينها وبين المواطنين الذين ادركوا ان لهم نصيباً في نجاح الشركة لأنها تأخذ وتعطى.
ان الشد والجذب في مؤتمر كيوتو بين جناحي الرأسمالية المنتصرة اوروبا والولايات المتحدة أكبر دليل على اهمية ارتفاع اصوات عاقلة مثل صوت تشارلس هاندي، لا سيما وان انهيار الشيوعية لم يعقبه - في الغالب الاعم - تحسن في احوال الناس بل تفشت الجريمة المنظمة والبطالة والفقر المدقع في روسيا واوروبا الشرقية في ظل ما اطلق عليه الاقتصادي البولندي/ النمسوي آدم زفاس "الرأسمالية المتخلفة".
اخرج انهيار الشيوعية للانسانية شبحاً يخيم على المرحلة الانتقالية التي يمر بها العالم الآن. والسؤال هو: انتقالية في اي اتجاه؟ يسعى امثال تشارلس هاندي الى تعريف الاتجاه بأنه تصويب للانحراف وانشاء لرأسمالية ذات وجه جميل: تستهجن البطالة وتضع الضوابط امام البورصات وتعنى بحماية البيئة وتكون رفيقة - في لحظة انتصارها - بالدول الفقيرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.