34 صفقة استثمارية 53.5 مليار ريال مليار ريال في ختام منتدى حائل للاستثمار    لمسة وفاء.. الشيخ محمد بن عبدالله آل علي    استقرار أسعار النفط    وزير الحرس الوطني يرعى تخريج الدفعة السادسة من برنامج القيادة والأركان والدفعة الأولى من برنامج الدراسات العسكرية المتقدمة ويدشّن برنامج الحرب    الشؤون الإسلامية تُكمل استعداداتها في منافذ الشرقية لاستقبال الحجاج    ترقية محافظ الفرشة إلى المرتبة الثانية عشر    بالميراس يوضح حقيقة ضم رونالدو في كأس العالم للأندية    الهلال يُعلن نقل تمبكتي إلى المستشفي    عاصمة المستقبل    المملكة 2050.. حين أصبح الحلم واقعاً    «إسرائيل» تخطط لاحتلال وتقطيع قطاع غزة إلى ثلاثة أقسام    ترامب يقول إنه "حزين" إزاء الإعلان عن تشخيص إصابة بايدن بالسرطان    تصعيد في قصف معسكرات النازحين.. الجيش السوداني يسيطر على منطقة «عطرون»    " الموارد": تجربة" أنورت" لتعزيز تجربة ضيوف الرحمن    غرامة 16 ألف ريال لكل متر.. ضبط مواطن لتخزينه حطبًا محليًا    الأمير سعود بن مشعل يستقبل مجلس إدارة ولاعبي الأهلي    ترأسا اجتماع "مجلس التنسيق" وناقشا أوضاع المنطقة.. وزير الخارجية ونظيره التركي يبحثان تعزيز التعاون    الفيفا يحدد موعد المباراة الفاصلة بين لوس أنجلوس وأمريكا.. من يحجز المقعد الأخير لمونديال الأندية؟    محمد.. هل أنت تنام ليلاً ؟    آل بابكر وخضر يحتفلون بزواج علي    إعلاميون ومثقفون يعزون أسرة السباعي في فقيدهم أسامة    الهند.. رفض شراء السجائر لرجل غريب فقتله    أسواق    هيئة الموسيقى توثق الإبداعات السعودية    مبادرات "عام الحرف" ترسو في مشروع سولتير بالرياض    مجلس إدارة مؤسسة «البلاد» يقر الميزانية العمومية    وجبة مجانية تنهي حياة عصابة بأكملها    الحرب على الفلورايد تحرز تقدما    أسهمت في خدمة ضيوف الرحمن.. الداخلية: مليون حاج عدد مستفيدي مبادرة طريق مكة    عبدالجواد يدشن كتابه "جودة الرعاية الصحية"    صيام الماء .. تجربة مذهلة ولكن ليست للجميع    أطباء يعيدون كتابة الحمض النووي لإنقاذ رضيع    اختتام بطولة غرب المملكة للملاكمة والركل بمشاركة 197 لاعباً ولاعبة وحضور آسيوي بارز    حفل جائزة فهد بن سلطان للتفوق العلمي والتميز.. الأربعاء    سعود بن نايف يهنئ الفائزين في «آيسف 2025»    أمير الجوف يُعزي أسرة الجلال    نائب أمير الشرقية يطّلع على برامج «المسؤولية الاجتماعية»    جوازات منفذ جديدة عرعر تستقبل حجاج العراق    الشؤون الإسلامية تختتم الدورة التأصيلية الأولى في سريلانكا    6000 حاج يتلقون الرعاية الصحية بالجوف    تحالف متجدد    «البيضاء».. تنوّع بيولوجي يعزّز السياحة    نائب أمير عسير يستقبل القنصل الجزائري    نجوم الرياض وهوكي جدة يتوجان في بطولتي الهوكي للنساء والرجال بالمنطقة الغربية    تتويج الأخدود ببطولة المملكة تحت 15 عاماً "الدرجة الأولى"    الحجي متحدثاً رسمياً للنادي الأهلي    قصائد فيصل بن تركي المغناة تتصدر الأكثر مشاهدة    مشائخ وأعيان وأهالي «الجرابية الكنانية» يهنئون أمير جازان ونائبه بالثقة الملكية    مراقبة التنوع الأحيائي بساحل البحر الأحمر    رئيس جمعية «مرفأ» الصفحي يهنئ أمير جازان ونائبه على الثقة الملكية    تعليم الطائف يستعرض خطة التحول في منظومة إدارات التعليم مع أكثر من 1700 مدرسة    بوتين: هدفنا من حرب أوكرانيا هو السلام    أمير منطقة تبوك يرعى حفل جائزة سموه للتفوق العلمي والتميز في عامها ال 38 الاربعاء المقبل القادم    مستشفى أحد رفيدة يُنظّم عدداً من الفعاليات التوعوية    اعتدال: أكثر من 1.2 مليون رابطٍ للتحايل على آليات رصد المحتوى المتطرّف    "قمة بغداد" ترفض تهجير سكان غزة.. الجبير: رفع العقوبات عن سوريا فرصة للتعافي والتنمية    بتوجيهات من القيادة.. وصول التوءم السيامي الفلبيني إلى الرياض    تاسي يغلق مرتفعا للأسبوع الثالث    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شابتها أساطير واغلاط تاريخية . وقائع فتح الاندلس وقضية إحراق طارق بن زياد لسفنه
نشر في الحياة يوم 24 - 01 - 1998

اعتبر الكثير من المؤرخين فتح الاندلس اسطورة حربية، اذ لم يكن يتوقع ان يحرز كل من موسى بن نصير وطارق بن زياد نصرا سريعا وحاسما تفتح على اثره هذه البلاد. وقد ساعدت في اتمام ذلك الفتح عوامل عدة، منها المساندة القوية من جانب يليان حاكم سبتة الاسباني الذي شجع المسلمين على الفتح.
ارسل طارق بن زياد الى قائده موسى بن نصير في القيروان يقترح عليه فتح الاندلس. وعلى رغم تلهف الاخير لانجاز هذا الفتح، الا انه كان مترددا لخطورة الجهاد في بلاد يفصلها عن المغرب البحر. وارسل ابن نصير يستأذن الخليفة الاموي الوليد بن عبدالملك الذي أمره ان يخوض هذه البلاد بالسرايا حتى يختبرها. وعمل موسى بنصيحة الخليفة، فأرسل احد ابرز قواده طريف بن مالك المعافري على رأس سرية استطلاعية الى الاندلس، فعبرت البحر الى الموقع الذي يعرف اليوم بمدينة طريف، وشنت هجمات عدة ناجحة، وكان ذلك في شهر رمضان سنة 91 هجرية.
إثر ذلك قرر موسى بن نصير فتح الاندلس فأعد جيشا لهذا الغرض بقيادة طارق بن زياد حاكم طنجة، وهو بربري من نفزة. وهذا الجيش كان مكونا من سبعة آلاف مقاتل من البربر باستثناء ثلاثمئة من العرب، وهذه كانت المرة الاولى في تاريخ الفتوح الاسلامية يتولى جيش غالبيته من غير العرب فتح قطر من الاقطار الكبرى كالاندلس. ويدل هذا على ان بربر المغرب قد اسلموا، وحسن اسلامهم، فضلا عن معرفتهم الجيدة بأرض الاندلس.
كان قرار فتح الاندلس مناسبا للغاية، اذ ان لذريق ملك القوط الحاكمين للاندلس، كان مشغولا اذ ذاك بإخماد ثورة قام بها البشكنس في الشمال. وكان سكان الاندلس ساخطين على حكم لذريق الجائر، فوقفوا موقفا لامبالياً من الغزو الاسلامي.
عبر طارق بن زياد على سفن يليان حاكم سبتة وحليف المسلمين وكذلك على السفن الاسلامية الى جبل كالبي الذي صار يعرف منذ ذلك الحين بجبل طارق. وانتقل جيش المسلمين فوجا تلو الآخر، ولم يشعر سكان الاندلس بذلك لاعتقادهم بان السفن تحمل السلع التجارية بين الشاطئين.
اقام طارق بن زياد قاعدة حربية له على الشاطىء المقابل لسبتة وتعرف اليوم باسم الجزيرة الخضراء، وخاض عددا من المعارك الصغيرة، الى ان وصل الى وادي لكة، حيث بحيرة خاندا التي يصب فيها نهر يرباط. وهناك حشد لذريق قواته وكان قدم مسرعاً من الشمال واسترضى ابناء الملك السابق، الذين تحالفوا سراً مع طارق ضد لذريق.
وكان طارق طلب عوناً من موسى بن نصير فأرسل اليه جيشاً مكونا من خمسة آلاف مجاهد بقيادة طريف بن مالك.
والتقى الطرفان في يوم الاحد الثامن والعشرين من رمضان سنة اثنين وتسعين هجرية الموافق عام احد عشر وسبعمئة ميلادية، اي بعد ثلاثة وثمانين يوما من نزول المسلمين الاندلس.
جعل طارق بحيرة خاندا التي تمتد لكيلومترات عدة خلفه واستند جناحه الآخر الى المرتفعات الجبلية، وكان عدد القوط يفوق عدد المسلمين بكثير. واستمرت المعركة حتى الاحد الخامس من شوال سنة اثنين وتسعين هجرية.
وقبل ان تبدأ المعركة خطب طارق في جيشه بالبربرية خطبته المشهورة التي هذّبها المؤرخون فصاغوها في لغة عربية فصيحة حين قال فيها: "ايها الناس! اين المفر؟ البحر من ورائكم والعدو امامكم وليس لكم والله الا الصدق والصبر، واعلموا انكم في هذه الجزيرة اضيع من الايتام في مأدبة اللئام وقد استقبلكم عدوكم بجيشه وأسلحته وقواته موفورة وانتم لا وزر لكم الا سيوفكم ولا اقوات لكم الا ما تستخلصونه من ايدي عدوكم، وان امتدت بكم الايام على افتقاركم ولم تنجزوا لكم امرا، ذهب ريحكم فادفعوا عن انفسكم خذلان هذه العاقبة بمناجزة هذا الطاغية... الخ".
أحدثت هذه الخطبة لبساً شديداً بين المؤرخين حتى ان بعضهم شك في نسبتها الى طارق. غير ان قواد المسلمين كثيرا ما خطبوا في جنودهم قبل المعارك لرفع معنوياتهم، وهذا امر كانت تتطلبه معركة وادي لكة في ظل عدم تكافؤ قوتي القوط والمسلمين. اما عن لغة الخطبة فلا شك في انها القيت بلغة البربر ثم عربها المؤرخون. واللبس الآخر هو اعتقاد المؤرخين بأن طارقاً أحرق سفنه، وهو امر شاع لدى المؤرخين المتأخرين عن عصر فتح الاندلس، وهو ما يضعف هذا الخبر اذ ان المعاصرة شرط اساسي لقبول الخبر من عدمه. وارتكز بعض المؤرخين في هذه الحادثة على قول طارق "والبحر من ورائكم" في خطبته، وهو ما يعني ان طارق احرق سفنه ولم يعد هناك مفر غير القتال اذ لا امل في العودة الى شاطىء المغرب. ونسي هؤلاء طوبوغرافية ارض المعركة، اذ كانت بحيرة خاندا هي التي خلف جيش المسلمين، والعرب اعتادوا ان يطلقوا على المجرى المائي الواسع مصطلح البحر، وهذا شاع على سبيل المثال في مصر. فالمؤرخون والجغرافيون لا يقولون نهر النيل بل بحر النيل، وما زالت لفظة بحر النيل هي الشائعة بين عوام المصريين، فجنود طارق في حال عدم ثباتهم كانوا سيغرقون في بحيرة خاندا.
وهذا اللبس هو الذي جعل الدكتور عبدالحليم عويس استاذ التاريخ المغربي والاندلسي يغرق في تحليل قضية احراق طارق لسفنه في دراسة له عن القضية من دون ان يدرس تفاصيل الفتح ويربط بين الجغرافيا والتاريخ وخطبة طارق.
لم يكن طارق يستطيع احراق السفن لان جزءاً منها كان ملكاً لحلفاء المسلمين من الاسبان، والباقي ملكاً عاماً للمسلمين، ولا يجوز شرعاً احراق هذه السفن. وسوف يدل تتابع وقائع الفتح على استخدام هذه السفن مرات عدة في نقل بقية جيوش المسلمين، فضلاً عن استخدامها كهمزة وصل بين القائد العام لجيوش المسلمين في المغرب وقائد جيش الفتح في الاندلس. وهذا دليل واضح على عدم اقدام طارق على احراق السفن.
انتهت معركة وادي لكة بين المسلمين والقوط بانتصار حاسم للمسلمين. ولم ينتزع طارق النصر بسهولة اذ انه فقد عددا كبيرا من رجاله يقرب من ثلاثة آلاف مقاتل، ولم يبق من جنوده سوى تسعة آلاف، تتقدمهم جماعة العبيد السود التي ابلت في هذه الموقعة بلاء حسنا. اما القوط فقد ذكر الرازي ان المسلمين "قتلوا منهم خلقا عظيما".
احدث انتصار طارق دويا هائلا وتدفق المتطوعون من المغرب لمؤازرته. واستغل هو هذا الانتصار قبل ان تتجمع فلول القوط مرة اخرى وتقوى شوكتهم، فزحف الى شذونة وحاصرها حتى فتحها عنوة، ثم عطف على قرمونه، ثم اتجه الى اشبيلية فصالحه اهلها على الجزية. ومن هناك زحف الى استجه وكانت تؤلف المركز الاول للمقاومة، اذ كانت فلول القوط تجمعت هناك، فقاتلوا المسلمين قتالا شديدا حتى كثر القتل والجرح بين المسلمين، وتحصنوا داخل مدينتهم، بينما تحصن القوط في استجه، الى ان ظفر طارق بصاحبها، فأرغمه على الصلح، وفرض عليه الجزية. وتلى ذلك دخول طارق طليطلة عاصمة القوط، وكان سكانها فروا منها، فاحتلها من دون مقاومة، وغنم منها غنائم عظيمة افاض المؤرخون في وصفها، وطارد طارق الفارين في فج يعرف اليوم بفج طارق.
وبعد ان بذل طارق جهدا مضنيا، عبر موسى بن نصير في شهر رمضان سنة 93 هجرية الى الاندلس بجيش كبير معظمه من العرب، وسمي هذا الجيش بطالعة موسى.
سار موسى في طريق غربي لم يسلكه طارق من قبل، واستولى على مدن لم يفتحها طارق مثل قرمونة وماردة، ثم التقى بطارق عند العاصمة طليطلة. ومن هناك تابع القائدان عمليات الفتح حتى بلغا جبال البرت في اقصى شمال اسبانيا وذلك سنة 95 هجرية.
ذكر المؤرخون ان موسى عنّف طارق بن زياد عند لقائهما بطليطلة، غير ان ذلك محض اختلاق. إذ أن السبب الذي اعتمدوا عليه هو السرعة التي دفع بها طارق قواته في عمليات الفتح، ونسوا ان متطلبات المعارك هي التي دفعت طارق الى ذلك. ثم ان طارق وقف بالفتح عند طليطلة ولم يواصله الى حين التقى الاثنان في طليطلة، وذلك لاستنفاد طارق قوته وزيادة حاجته الى تأمين فتوحاته حتى يصله الدعم. اما عن السبب الآخر الذي يقال ان موسى عنف طارق من اجله، فهو حسد موسى ان يحوز طارق شرف هذا الفتح، وقد نسوا ان موسى هو القائد العام واليه ينسب النجاح، ونسوا الرسائل المتبادلة بين القائدين خلال مراحل الفتح، وكان من الممكن لموسى ان يعزل طارق في أية لحظة ويولي قائدا اخر. ويدعم هذا كله ان تحركات جيوش المسلمين في اسبانيا كانت ذات خطة موضوعية ومدبرة باحكام، وهي كما رأينا تشبه حركة "الكماشة" في المصطلح الحربي الحديث: طارق يسير من طريق، وموسى من طريق آخر مقابل، وتنتهي حركة الالتفاف بالتقاء القائدين عند العاصمة القوطية.
أُستدعي موسى وطارق الى العاصمة الاموية في العام 95 هجرية وذهبا بغنائم الاندلس الى دمشق، حيث التقيا الوليد بن عبدالملك الذي توفي عقب اللقاء. فلما تولى سليمان بن عبدالملك استبقى موسى في دمشق، بعد ان رأى ان همته انتهت، وانه يجب ان يولي قائداً آخر على المغرب. وتضطرب الروايات التاريخية ويسودها غموض حول نهاية حياة طارق بن زياد، وهو ما يتطلب مزيدا من البحث. غير انه من المرجح ان المصادر الاولى للفتح الاسلامي للأندلس احرقت مع ما احرق من كتب المسلمين بعد استيلاء ممالك شمال اسبانيا النصرانية على الاندلس، وهو ما ترك فجوات في تاريخ هذه البلاد ما زالت بحاجة الى مزيد من البحث والتقصي والتحري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.