رفع الوعي المجتمعي حول الصدفية والتهاب الجلد التأتبي    دشن مرحلة التشغيل الفعلي لمشروع النقل العام.. أمير تبوك: القيادة الرشيدة حريصة على تعزيز جودة الحياة واحتياجات المجتمع    الخريف زار "إيرباص هيليكوبترز" بفرنسا.. السعودية تعزز توطين صناعة الطيران    الأعلى في فبراير منذ تسعة أشهر.. 30 مليار ريال فائض الميزان التجاري    الذهب يرتفع لأعلى مستوى.. والأسهم العالمية تنخفض    موقع حائل الاستراتيجي ميزة نسبية يجذب الاستثمار    مسيرات "الدعم السريع" تصل بورتسودان وكسلا.. حرب السودان.. تطورات متلاحقة وتصعيد مقلق    ميليشيا الحوثي تدفع البلاد نحو مزيد من التصعيد .. ضربات إسرائيلية متتالية تعطّل مطار صنعاء    في حال استمرار دعم الغرب لأوكرانيا ب"باتريوت".. موسكو تحذر من تراجع فرص السلام    غزة.. المجازر تتصاعد والمجاعة تقترب    الهند وباكستان تصعّدان وتتبادلان قصفاً على الحدود    في ختام الجولة ال 30 من دوري روشن.. كلاسيكو يجمع النصر والاتحاد.. ومهمة قصيمية للهلال والأهلي    في إياب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا.. سان جيرمان يأمل بضم آرسنال لضحاياه الإنجليز    في ختام الجولة 32 من دوري" يلو".. النجمة للاقتراب من روشن.. والحزم يطارده    كبير آسيا    ولي العهد موجهًا "الجهات المعنية" خلال ترؤسه جلسة مجلس الوزراء: العمل بأعلى درجات الكفاءة والتميز لخدمة ضيوف الرحمن    التعليم عن بعد في متناول الجميع    تسري أحكام اللائحة على جميع الموظفين والعاملين.. إجازة "فحص المخدرات" بما يتناسب مع طبيعة العمل    أمانة جدة تضبط 9.6 أطنان من الغذاء الفاسد    المرور: الالتزام بقواعد السير لحياة أكثر أمانًا للجميع    «متلازمة داون».. تمكين ومشاركة مجتمعية    هل الموسيقى رؤية بالقلب وسماع بالعين ؟    أزمة منتصف العمر    اغتيال المعلّم بدم بارد    المرأة السعودية تشارك في خدمة المستفيدين من مبادرة طريق مكة    "صحي مكة" يقيم معرضاً توعويًا لخدمة الحجاج والمعتمرين    «طريق مكة» تجمع رفيقي الدرب بمطار «شاه» الدولي    الرياض تستضيف النسخة الأولى من منتدى حوار المدن العربية الأوروبية    إصابات الظهر والرقبة تتزايد.. والتحذير من الجلوس الطويل    «فيفا» يصدر الحزمة الأولى من باقات المونديال    «أخضر الصالات» يعسكر في الدمام    القادسية بطل المملكة للمصارعة الرومانية    تتويج فريق الأهلي ببطولة الدوري السعودي للمحترفين الإلكتروني eSPL    ..و مشاركتها في معرض تونس للكتاب    «سفراء» ترمب في هوليوود    "البحوث والتواصل" يشارك في المنتدى الصيني - العربي    تدريبات جوية صينية - مصرية    أمير الرياض يستقبل سفير إسبانيا    أمير الجوف يزور مركزي هديب والرفيعة    اقتصاد متجدد    فيصل بن مشعل: منجزات جامعة القصيم مصدر فخر واعتزاز    اتفاقيات بالعلا لتدعيم السياحة    68.41% من الموظفات الجامعيات حصلن على تدريب عملي    الحوثي يجر اليمن إلى صراع إقليمي مفتوح    القيادة.. رمانة الميزان لكلِّ خلل    ولي العهد.. عطاء يسابق المجد    بيت المال في العهد النبوي والخلافة الإسلامية    بحضور وزير الرياضة .. جدة تحتفي بالأهلي بطل كأس النخبة الآسيوية 2025    منح البلديات صلاحية بيع الوحدات السكنية لغير مستفيدي الدعم السكني    المدينة تحتضن الحجاج بخدمات متكاملة وأجواء روحانية    الداخلية: غرامة 100 ألف ريال لنقل حاملي تأشيرة الزيارة إلى مكة ومصادرة وسيلة النقل المستخدمة    فريق طبي في مستشفى عفيف العام ينجح في إجراء تدخل جراحي دقيق    رشيد حميد راعي هلا وألفين تحية    الصحة النفسية في العمل    حكاية أطفال الأنابيب «3»    وزير الدفاع يلتقي رئيس مجلس الوزراء اليمني    ممنوع اصطحاب الأطفال    أمير منطقة تبوك يرعى حفل تخريج طلاب وطالبات جامعة فهد بن سلطان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علي حرب... في النقد الجذري للظاهرة الجهادية
نشر في الحياة يوم 24 - 03 - 2018

ما زالت الظاهرة الجهادية محور السجالات الدائرة، سواء على المستوى العربي أو في العالم الغربي، منذ أن تعولم النشاط الإرهابي وبدأ يدشن هجماته في أوروبا والولايات المتحدة، وفي غير مكان من العالم. فما هي هذه الظاهرة؟ ما هي أصولها وبواعثها ومراميها الأيديولوجية؟ وكيف السبيل إلى دحرها والخلاص من شرورها وآفاتها؟
أسئلة مربكة تصدّى لها علي حرب في «الجهاد وآخرته، ما بعد الأسلمة» (الدار العربية للعلوم ناشرون - بيروت 2018)، فرأى أن الظاهرة الجهادية هي ظاهرة جذرية راديكالية تقوم على الجبّ والبتر والاستئصال. أما أساسها الأيديولوجي فيكمن في المؤسسة الدينية باعتبارها مؤسسة ثقافية تنتج التطرف والعنف. بهذا المعنى، ليس الجهاديون من شذاذ الآفاق، وإنما هم تخرّجوا في مدارس الحركات السلفية والأحزاب الإسلامية، ولهم مشروعهم الأيديولوجي والسياسي الرامي إلى إقامة دولة الخلافة وتطبيق الشريعة مهما كان الثمن دماً ودماراً. وهكذا، نحن إزاء مشاريع وبرامج قد أطاحت بالمكتسبات الحضارية للمجتمعات العربية، بقدر ما دمرت جسور التواصل بين الناس. ومن قبيل المكابرة في رأي حرب، نفي الطابع الإسلامي عن النشاط الجهادي الإرهابي، أخذاً بمقولة «أوليفيه روا» الذائعة: ليست المسألة هي «راديكالية الإسلام» بل أسلمة الحركات الراديكالية. فالجهادي الذي يحاول «روا» أن ينزع عنه الصفة الإسلامية ليخلع عليه الصفة الكونية، إنما هو صنيعة المعتقد الإسلامي لإقامة دولة الخلافة وتطبيق الشريعة، تحت شعار: الإسلام هو الحل.
لذا، فالمشكلة تكمن في محاولات أسلمة الحياة الجارية منذ عقود، واستحالة المصالحة بين الإسلام والحداثة، والعلة في ذلك ليست من جانب الغرب بل في عقول السلفيين الذين يريدون إصلاح المجتمعات العربية باعتماد نهج السلف نفسه. لكن لا شيء يعود كما كان عليه، إلا على نحو عقيم ومدمّر، كما هي عودة الدين على المسرح المعاصر، فهذا مآل كل عودة الى الوراء، بدعوى المماهاة التامة مع الأصول، من غير تحويل خلّاق أو تطوير بنّاء.
في هذا السياق الأيديولوجي المأزوم، يدرج علي حرب المثقفين في خانة صنّاع الإرهاب، مع الطغاة وأصحاب الدعوات التكفيرية والمنظمات الجهادية الإرهابية، فهؤلاء قد يساهمون في صناعة الظاهرة الإرهابية بأفكارهم أو بطريقتهم في التفكير. أما مصدر الإرهاب على مستوى الفكر، فهو اعتقاد المرء أنه يمتلك الحقيقة المطلقة والنهائية. من يفكر على هذا النحو، يتعامل مع أفكاره على نحو أصولي أحادي، ويترجم ذلك بمنطق الإقصاء أو المحو والاستئصال. هذا ما وقع فيه الأكثرون من أفلاطون الى «الان باديو»، فقد فكروا بصورة طوباوية مثالية لا صلة لها بالواقع الحي والمعيش. عليه، إن محاربة الإرهاب يجب أن تتم على المستوى الفكري، لأن العمل الإرهابي هو في أساسه ترجمة لعقيدة، لنمط من التفكير. وهنا بالذات مسؤولية المثقفين الذين لم يتعاملوا مع أفكارهم بعقل ليبرالي مفتوح، بوصفها إمكانات للعمل البنّاء على سبيل التداول والتبادل، بل إن أصحاب الأيديولوجيات الثورية من المثقفين لم يتورعوا عن تبرير العنف الرمزي والجسدي ضد من يعارضهم.
أما المنهج الفعال الذي يقترحه المؤلف في مقاربة ظواهر الإرهاب والعنف والتطرف فيتمثل أولاً في التحليل الجذري الذي يهتم بالكشف عن الأساطير المؤسسة والأيديولوجيات المحركة، واستبعاد القراءات التي ترى الى ظاهرة الإرهاب الإسلامي بوصفها ردّ فعل. فالإرهاب هو فعل، بل مشروع ينبع من المعتقد الاصطفائي الذي يدّعي احتكار الحقيقة وأن ما عداه من العقائد والفلسفات باطل ومزيّف وفاسد. وثانياً في إعادة النظر في طريقتنا في التفكير والخروج من قصورنا العقلي باعتماد استراتيجية جديدة تقوم على تفكيك الخطر الديني الأصولي الذي بلغ نهاياته الكارثية ولم يعد يصلح كصيغة حضارية، وإجراء تحويل جذري يطال علاقة المسلم بهويته، بحيث يكف عن التعاطي معها كنمط للحياة والعمل الحضاري، بل كتراث حي، كواجب أخلاقي يعيد لمبدأ التقوى فاعليته. وثالثاً في استبعاد الأحكام التي تحضّ على إدانة الآخر والمختلف، بحيث تدار الشؤون، لا بمنطق الاستئثار والاستقواء والصدام، بل بمفردات الاعتراف والشراكة والتبادل. ما يقتضي تغيير طريقة التفكير وأساليبه، ويتطلب إعادة النظر في مفهوم الإنسان، لننتقل من طور الإنسان اللاهوتي الى ما بعده، الى الإنسان التواصلي أو الرقمي.
نجح الإسلام في بناء صيغة حضارية كانت شغالة لقرون طوال، لكنها تبدو اليوم متعثرة، فلقد آن الأوان لفتح أفق حضاري جديد، وإنتاج أفكار مبتكرة خارقة للشروط حول الإسلام والعالم.
خلاصة القول إن قارئ علي حرب سيعجب بشجاعته النقدية اللافتة وأطروحاته الجذرية إزاء أكثر إشكاليات الفكر العربي تعقيداً وخطورة. إلا أننا نسجل بعض ملاحظاتنا على هامش الكتاب:
أ - يبدو جلياً أن المؤلف منحاز الى خطاب النقد الثقافي الذي دشّنه في فكرنا المعاصر عبدالله العروي ومن بعده محمد عابد الجابري ومحمد أركون وهاشم صالح وسواهم، والذي يذهب الى أن العلَة، كل العلّة في الفكر، بينما نرى أن الإشكال اقتصادي اجتماعي سياسي أيديولوجي، لا يمكن الأخذ بجانب أحادي من جوانبه كعامل وحيد فاعل في حركة التاريخ.
ب - لا نوافق المؤلف في أن الإرهاب يتأسس على الفكر الديني الرافض للحداثة والنابذ للآخر والمختلف. فقد استوعبت الحضارة الإسلامية فلسفة الإغريق دونما إشكال واحتضنت المختلف الديني إلا في فترات الانحطاط، فعاش المسيحيون واليهود وسواهم في أمان، وصادق الخلفاء الأساقفة وفقاً للمؤرخ جرجي زيدان في «تاريخ التمدن الإسلامي».
ج - غلب على المؤلف الطرح المثالي الطوباوي، وهو ما أخذه على الفلاسفة إجمالاً، فكيف ستلج الى الإنسان العربي المنهك بالفقر والفساد والصراعات الاجتماعية والسياسية كل تلك الطروح الجذرية التي حفل بها كتابه؟
د - حمل المؤلف على المثقف العربي دونما تمييز، جاحداً تضحياته ومعاناته وإسهامه في التقدم والتغيير منذ عصر النهضة الى الآن، الأمر الذي أسس لمنحى جديد في التفكير مهد لنا وللمؤلف سبل النقد والنقض والتطلع الى المستقبل.
ه - لا نتفق مع المؤلف في أن الدين هو بطبيعته مؤسسة ثقافية تنتج العنف والتطرف وفي أن الجهادي هو صنيعة المعتقد الإسلامي. فالمشكلة في رأينا ليست في الدين الذي يحتمل تأويلات عديدة، بل في قراءتنا النص الديني وتأويلنا إياه. فمحمد عبده وعبدالرحمن الكواكبي وخير الدين التونسي وفرنسيس المرّاش وفرح أنطون قرأوا هذا النص قراءة تنويرية أغنت فكرنا العربي بقيم العدل والحرية والمساواة، فيما أفضت قراءة حسن البنّا وسيد قطب وسواهما من الجهاديين الى المأزق السياسي الذي نعاني منه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.