تشهد مناطق روج آفا كردستان - شمال سورية التي نأت بنفسها منذ البدء عن التورط في الحرب الأهلية الطائفية واختارت تطوير نموذج تعايش بين مختلف مكونات الشمال من كرد وعرب وسريان وأرمن، وصولاً إلى إعلانها نظامها الفيديرالي، تشهد ما يمكن وصفه ثورة تلفزيونية فضائية تعكس واقع التعايش والتكامل بين شعوب الشمال السوري ومكوناته. وتبث من هناك مجموعة فضائيات ناهيك عن التلفزيونات المحلية، فضلاً عن قناة «روناهي» التي هي أول فضائية كردية سورية انطلقت قبل أعوام، وتناغماً مع التطورات الواعدة التي تحققها تجربة فيديرالية الشمال السوري في مختلف مضامير البناء المجتمعي، كرّت سبحة الفضائيات. فمثلاً هناك فضائيات: «قامشلو» و «منبج» و «روج آفا»، وجلها ناطقة باللغات الرسمية الثلاث (الكردية والعربية والسريانية) في المنطقة الفيديرالية بما يراعي التنوع القومي والديني وبما يوفر خيارات ومساحات تفاعل وتلاقح بين هذه المكونات المتعايشة وسط التفسخ البنيوي الذي يضرب العلاقات المجتمعية في بقية أرجاء الوطن السوري. ولعل الخطوة الأهم في هذا التكاثر التلفزيوني الفضائي كالفطر شمال سورية إطلاق فضائية إخبارية متخصصة ناطقة باللغة العربية أخيراً باسم قناة «اليوم». وعلى رغم إيجابية ما يحدث لجهة اتساع هامش الاختيار والمفاضلة لدى المتلقين، لكن العبرة طبعاً ليست في الكثرة والكم ولا في تعدد الأسماء والقنوات إنما هي في الكيفية والنوعية. وعلى رغم أن بعض هذه القنوات مازال في طور البث التجريبي، لكن بعضها الآخر دخل مرحلة الانطلاق. وعلى رغم كون التجربة بمجملها جديدة وتفتقر إلى الخبرة والمراس بطبيعة الحال، لكن الواقع التلفزيوني والإعلامي عموماً ليس بالمستوى المطلوب، ويبقى متخلفاً عن مجاراة ومواكبة التطورات التي تراكمها تجربة روج آفا كردستان- شمال سورية في مختلف المجالات. فالثورة التي دخلت طور المأسسة هناك عابقة بآلاف الملاحم والوقائع والقصص والحكايا الصالحة لتحويلها إلى سلاسل درامية وأفلام سينمائية ومواد وبرامج ووثائقيات دسمة تؤرشف هذه التجربة الغنية وتوثقها وتطرحها لعموم الجمهور السوري والعربي ككل... فمن مشهد انتزاع نسوة منبج والرقة للحجاب المفروض عليهن إلى مشهد تلك المرأة المسنة العربية التي ما أن حررت مدينتها على يد قوات سورية الديموقراطية حتى بادرت إلى إشعال سيجارتها والنفخ فيها بنهم وبكل حرية من دون خوف من المنع الداعشي للتدخين، ذاك المنع الذي لا علاقة له بالاعتبارات الصحية بمقدار ارتباطه بالتعسف والتنميط فضلاً عن المقاتلات الكرديات وغير الكرديات في صفوف وحدات حماية المرأة ممن غدون ظاهرة عالمية في حربهن على الإرهاب.