أول محمية ملكية سعودية تنضم لبرنامج MAB الدولي    المملكة تستضيف الدورة ال 27 لهيئة الغابات والمراعي في الشرق الأدنى    المملكة تروِّج لاستضافتها المؤتمر العام ال21 لمنظمة UNIDO    بيت الشاورما يفتتح فرعه الجديد ب"خريص" ويواصل مسيرة نجاح تتجاوز 25 عامًا    51 شهيدًا اليوم مع تواصل العدوان الإسرائيلي على غزة    فعاليات قرية جازان التراثية تشعل الواجهة الجنوبية احتفاءً باليوم الوطني السعودي ال95    جمعية إحسان لحفظ النعمة تنفذ برنامج "عزنا بوطنا" للأطفال احتفاءً باليوم الوطني ال95    عطيف يحصل على وسام الملك عبدالعزيز    الملحقية الثقافية بماليزيا تحتفي باليوم الوطني السعودي ال٩٥    ملتقى علمي في سيئول يناقش الترجمة والذكاء الاصطناعي    الداخلية : ضبط (18421) مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    القيادة تهنئ رئيس تركمانستان بذكرى استقلال بلاده    مستشفى الملك فهد الجامعي يحقق إنجازًا بزراعة عظم ومفصل المرفق وترميم الأربطة المحيطة    أمطار رعدية غزيرة على عسير وفرصة للسيول بعدة مناطق    د. العسكر: عيادات غير مرخصة تستغل "الخلايا الجذعية" بادعاءات علاجية خطيرة    في صمت النفس غربة الواقع وتمرد العقل    رسالة سعودية إلى العالم    مهنة التسول    المزاح والضغوط النفسية    لوران بلان يُبرر خسارة الاتحاد في الكلاسيكو    ترتيب دوري روشن بعد فوز النصر على الاتحاد    محافظ طريب يرعى احتفال مركز الصبيخة باليوم الوطني 95    وزير الخارجية يوقع اتفاقيات تعاون مع منغوليا وقبرص والبوسنة    مؤشرات الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع    مزاد نادي الصقور السعودي.. مبيعات تتجاوز 41 مليون ريال في 5 أعوام    الأخضر السعودي تحت 20 يرفع استعداده لمواجهة كولومبيا ضمن كأس العالم    إطلاق "التحالف الطارئ للاستدامة المالية للسلطة الفلسطينية"    نجوم الفنون القتالية يتحدثون عن استعداداتهم في المؤتمر الصحافي ل«دوري المقاتلين المحترفين» في الرياض    رونالدو يصل إلى الهدف رقم 946 ويقترب من الألفية    "الشؤون الإسلامية" تُقيم خطبة الجمعة في مسجد السلام في تشيلي    إيران لا تعتزم الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي    ارتفاع أسعار النفط إثر هجمات شنتها أوكرانيا على البنية التحتية للطاقة في روسيا    محافظ قلوة يرعى احتفال أهالي المحافظة باليوم الوطني ال 95    الاتفاق يستفيق على حساب ضمك    ضبط شخص بجازان لترويجه أقراصًا خاضعة لتنظيم التداول الطبي    عسير تقتدي… وفاءٌ يتجدد وعطاءٌ يتجسّد    دولتي عظيمة    عقود الطمأنينة في رياض سلمان    وزارة الرياضة تختتم مشاركتها في فعاليات معرض "إكسبو اليابان 2025"    أكثر من 53 مليون زائر للحرمين الشريفين خلال شهر ربيع الأول    المواطن أولا في مسيرة وطن العطاء    حوار بين المبادئ والمصالح    إمام المسجد الحرام: حب الوطن نعمة وواجب شرعي يستوجب الشكر والدفاع    إمام المسجد النبوي: الغفلة تصدّ عن ذكر الله وتضيّع الأعمار    الإفتاء بعسير يحتفي باليوم الوطني ال95    مسك ونيوم تتعاونا لتعزيز قدرات القيادات الوطنية.    نادي ذوي الإعاقة بعسير يحتفل باليوم الوطني ال95 بمشاركة واسعة من الجهات المجتمعية    غرفة الشرقية تحتفي باليوم الوطني ال 95 بعروض وفقرات فلكلورية وأهازيج وطنية    فتح الرياض    مظاهر البهجة ترتسم على وجوه الأطفال    في وداع العزيز أبي عبدالعزيز    دراسة حديثة : الأكل الليلي المتأخر قد يربك الهرمونات... ويهدد الصحة!    19 فعالية في مدارس التعليم تعزز الولاء والانتماء وتحفز على الإبداع    وزير الخارجية: لا يكفي إصدار البيانات ما لم تتحول إلى عمل حقيقي يغير واقع الاحتلال وعدوانه    تصعيد متبادل بالمسيرات والهجمات.. والكرملين: لا بديل عن استمرار الحرب في أوكرانيا    الرئيس الأمريكي وقادة دول عربية وإسلامية في بيان مشترك: إنهاء الحرب خطوة نحو السلام    كوب «ميلك شيك» يضعف تدفق الدم للدماغ    الرياض تستضيف مؤتمر العلاج ب«الجذعية»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسلام والخطاب الحداثوي ... رؤية غربية
نشر في الحياة يوم 07 - 05 - 2011

منذ أن تلقى الإسلام صدمته الأولى مع حملة نابليون على مصر عام 1798 طرحت الأدبيات العربية إشكاليات تاريخية، ومن بينها «لماذا تقدم الغرب وتأخر المسلمون؟» وعلى امتداد أكثر من قرنين، بقي التساؤل الذي رفعه شكيب ارسلان، ومَن بعده، رهن الأطر النظرية، الداعية للمواءمة بين الإسلام والحداثة، فلم نشهد تحولات نوعية في المجال العربي والإسلامي، على مستوى السياسة والاجتماع والدين؛ وكنتيجة لتعثر عملية الإصلاح المنشودة، روّجت بعض الرؤى الغربية، لخلاصة مفادها أن الإسلام غير قادر على مواكبة الحداثة، بسبب ماهويته.
حاول برنارد لويس اجتزاء مراحل تاريخية لإظهار ممانعة الإسلام للحداثة، مستنداً الى تجربته السياسية، وقد كرر هذه الفرضية في كتابه «الإسلام في أزمة» حين اعتبر أن المسلمين يفتقرون إلى النقد التاريخي للنصوص الدينية، كما حصل في المسيحية الأوروبية والأميركية. وخلص لويس الى «وجود لاهوت عقلاني أيام المأمون والمعتزلة»، لكنه ضمر ومات منذ زمن طويل، وانتصر عليه التيار المتشدد منذ سبعمئة سنة على الأقل، ويقصد التيار المتمثل بالمذهب الحنبلي.
الاتجاه التي تقدم به بطريرك الاستشراق حول استعصاء الإسلام على مواكبة الحداثة بسبب الفهم الانغلاقي للدين، دقيق في بعض جوانبه، إلاّ أنه في وجهة النظر التي بلورها، لا يموضع الحدث ضمن المدة الطويلة لتاريخ الإسلام، وهو ينتمي كما يلفت هاشم صالح إلى المنهجية التقليدية في علم التاريخ لا إلى المنهجية الحديثة المتمثلة بمدرسة الحوليات الفرنسية. وتأكيداً على فرضية تعارض الإسلام مع الحداثة، أشار لويس الى التاريخ السياسي للإسلام، الذي كان أوتوقراطياً بالكامل، باستثناء الخلافة الأولى، حين كانت الفردانية الفوضوية للقبيلة العربية ما زالت فاعلة. ووصف لويس هذا التاريخ بالأوتوقراطية، لا التاريخ الاستبدادي، فالحكم ارتبط بالقانون الديني «وكان هذا القانون مقبولاً كحاكم عادل يحفظ سلطة القانون الديني (الشريعة) التي تحفظه بدوره. لكنه كان متسلطاً، وظالماً في الغالب وطغيانياً أحياناً. لقد غلبت على الفكر السياسي للإسلام أقوال مأثورة عن أن الظلم أفضل من الفوضى وينبغي إطاعة الحاكم».
اللافت في آراء برنارد لويس ربطه التجربة السياسية الإسلامية بالدين نفسه، وهو من ناحية أخرى، وفي مطالعته للعمل التحرري العربي إبان الاستعمار الأوروبي، قال: «إن المسلمين ارتكبوا أخطاء عندما اختاروا طريق الاستقلال، في ظل حكام سيئين بدلاً من البقاء تحت سلطة الحكام الكولونياليين الأوروبيين الجيدين». لم ير لويس كما يلفت توفيق المديني في نضال الشعوب العربية والإسلامية من أجل نيل الاستقلال السياسي فعلاً سياسياً وطنياً، بل عداوة للثقافة الغربية، «الإسلام الضعيف منذ قرنين، يبحث دائماً عن دعائم لمقاتلة عدوه المتمثل بالديمقراطية الغربية».
لكن بعض التحولات طرأت على منهجية لويس دشنها في مقال حمل عنوان «الحرية والعدالة في الشرق الأوسط الحديث»، نشر في مجلة «فورين آفيرز» الأميركية عام 2005، وخرج بجملة نتائج أبرزها يتمثل بتأرجح النسق السياسي الإسلامي، بين تقليدين، يعودان الى عجز الإسلام، هما من جهة التقليد الثوري الاجتماعي ضد الاستبداد، والتقليد المؤسسي القائم على مبدأ طاعة وليّ الأمر. ويرفض لويس مصادرة الجذور الثقافية للاستبداد الشرق أوسطي، أي ربطه بالخلفية الإسلامية، فيعتبرها ظاهرة حديثة مرتبطة باللحظة المعاصرة.
من بين الفرضيات التي حاولت إثبات مقاومة الإسلام للحداثة، الأطروحة التي تقدم بها الانتربولوجي إرنست غلنر. الإسلام عنده بخلاف الأديان العالمية الأخرى أثبت مقاومته للحداثة والعلمانية، وسبب ذلك عائد إلى الأسس الاجتماعية لثقافة القبائل، الثقافة الدنيا، التي تقوضت مع تمركز سلطة الدولة والتمدن وعمليات الحداثة المقترنة بهما. وعليه هل تجربة الحضارة الإسلامية تبرهن على ممانعة دينية للحداثة أقله بمعناها السياسي؟
قدم الراحل محمد أركون، مطالعة، تجيب في جزء منها عن السؤال المطروح. الإسلام التاريخي عنده شهد في القرون الأربعة الأولى للهجرة حركة ثقافية مهمة، استطاعت الخروج عن قيود فرضتها السلطة الدينية، بحيث عالج المعتزلة مسائل جوهرية وأساسية، وافتتحوا حقلاً جديداً من المعرفة أنتج موقفاً عقلانياً نقدياً. فهم طرحوا مسألة خلق القرآن واتخذوا مواقف يمكن نسبتها إلى الحداثة، ومن الناحية العملية فإن الفكر المعتزلي أصبح المذهب الرسمي للدولة في عهد الخليفة المأمون. وأكد أركون أن الإسلام بذاته، ليس مغلقاً على العلمانية، فالمجتمع الإسلامي عرف العلمانية قبل المعتزلة عندما استولى معاوية على السلطة السياسية، فتشكلت عن ذلك إيديولوجيا التدبير. بناءً على ما قاله صاحب مشروع نقد العقل الإسلامي، من الأجدى البحث عن العوامل البنيوية لتأخر المسلمين، والتي تندرج في التعثر الاقتصادي والسياسي وسيطرة البنى القبلية على مفاصل الدولة والمجتمع.
الإسلام بجوهره لا يتضمن مكوّنات تمنع عنه امتصاص الحداثة، والتفاوت الحضاري بين أوروبا والمجتمعات العربية/ الإسلامية لا يعود إلى تخلف الإسلام بجوهره أو تقدم المسيحية بجوهرها، من هنا ينبغي الابتعاد عن التفسيرات الإسقاطية التي تلصق بشعب ما خصائص أزلية.
إلى ذلك تدخل الأصولية الإسلامية في صلب المفاهيم المتداولة حول إشكالية الإسلام والحداثة، وفي هذا السياق يرى فريدمان بوتنر في دراسة تحت عنوان «الباعث الأصولي ومشروع الحداثة» أن الظاهرة الأصولية وتأثيراتها لا تنحصر بمنطقة دون أخرى، فهي منتشرة في كل بقاع العالم. ويجري بوتنر مقارنة بين التحديث والحداثة، وموقف الأصولية منها، «الأصوليون يرون في التحديث عملية تطورية ذات طابع قيمي محايد تؤدي إلى ارتفاع معدلات إنتاجية العمل البشري، في حين أن الحداثة كخطاب إيديولوجي ترتبط بتصورات قيمية محددة ومهددة في الوقت نفسه للتصورات الدينية لأنها تنسب إنجازات التحديث كلها إلى الإنسان؛ وعليه فإن الأصولية لا تتقاطع مع التحديث، بل تقاطعهما يكون مع الحداثة كخطاب إيديولوجي».
تكشف المقاربة التي صاغها بوتنر عن نظرة أوروبية جديدة، يمكن وضعها تحت مسمى أطروحات ما بعد الاستشراق، وعلى هذا يمكن إدراج أوليفيه روا ضمن هذه الخانة، ففي قراءته لتجربة الإسلام السياسي، ورفضه للحداثة، يتوصل الى النتيجة التالية «تبدو نهاية هذا القرن في نظر الرأي العام الغربي كأنها حقبة تهديد إسلامي وغالباً ما يرى الغربيون في بروز الإسلام على المسرح السياسي نوعاً من التقهقر والعودة إلى الأزمنة الغابرة، إذ كيف يمكن لمن يحيا في القرن العشرين أن يعود إلى القرون الوسطى؟ التاريخ علمنا أن البربرية كانت في قلب المدن، وأن ذلك لم يعن يوماً العودة إلى ما كان من قبل، ليست القرون الوسطى هي التي تعود من وراء الحداثة أو من تحتها، بل إن الحداثة نفسها هي التي تفرز أشكال الرفض الخاصة بها».
إن محاولات البحث عن مكوِّنات جوانية تمنع الإسلام عن تقبل الحداثة، لا تصمد أمام المراجعة العلمية، لعلاقة المسلمين أنفسهم، مع حداثة، خاصة بهم، تحديداً في مرحلة الإشعاع الحضاري، الذي اختبروه مع المعتزلة، ودعاة التيار العقلاني وفي طليعتهم ابن رشد. ولكن معضلة إسلام العصر، ترتكز على التسييس الحاد للدين، وعلى سطوة الاتجاهات الانغلاقية في استنطاق النص القرآني؛ وأزمة الإسلام ليست مع الحداثة، بل مع النسق القبلي المسيطر على مفاصل الدولة والمجتمع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.