أمير الرياض يستقبل مدير التعليم    "سلمان للإغاثة" يوقع اتفاقية تعاون لدعم علاج سوء التغذية في اليمن    شاموسكا يعلن عدم رضاه عن أداء فريقه أمام الخليج    الشباب يزيد أوجاع أبها بخماسية قاسية ويتقدم للمركز التاسع    أمير القصيم يقلّد مدير الدفاع المدني رتبة لواء.. ويتسلم تقرير مهرجان ورد عنيزة    سحب أكثر من خمسة ملايين متر مكعب من مياه الأمطار في الشرقية    أمراء ومسؤولون يعزون آل السعدي في فقيدتهم    سعود بن جلوي يطلع على استراتيجية فنون جدة    توصية لإنشاء منظومات رسمية وشعبية تعتني بالتراث    المفتي العام ونائبه يتسلّمان تقرير فرع عسير    رسميًا.. نادي الاتحاد يطلب تأجيل مواجهته أمام الهلال في كأس الملك    إنطلاق مؤتمر التطورات والابتكارات في المختبرات.. الثلاثاء    خطة لتطوير اللياقة البدنية للقوات المسلحة    السجن 5 سنوات وغرامة 150 ألفاً لمتحرش    طرح "تذاكر" مباراة الهلال والعين    الهلال يجري تدريبات استرجاعية ومناورة فنّية في العين ويعود إلى الرياض    "الجدعان": النفط والغاز أساس الطاقة العالمية    4.9 مليون غرامات شركات الطيران ب3 أشهر    خادم الحرمين يتلقى رسالة خطية من ملك البحرين    هيئة المسرح والفنون الأدائية تعلن عن تفاصيل أوبرا «زرقاء اليمامة» التي تجوب العالم    زلزال بقوة 5.6 يهز مقاطعة توكات بشمال تركيا    الرويلي ورئيس أركان الدفاع الإيطالي يبحثان علاقات التعاون الدفاعي والعسكري    شلل جزئي في دبي واستئناف الرحلات ببطء في مطارها    نائب أمير الرياض يقدم تعازيه ومواساته في وفاة عبدالله ابن جريس    شركة تطوير المربع الجديد تبرز التزامها بالابتكار والاستدامة في مؤتمر AACE بالرياض    النفط يستقر وسط عقوبات أميركية وانحسار التوتر بالشرق الأوسط    الجمعية السعودية لطب الأورام الإشعاعي تطلق مؤتمرها لمناقشة التطورات العلاجية    أمير الشرقية يرعى حفل افتتاح معرض برنامج آمن للتوعية بالأمن السيبراني الأحد القادم    ألمانيا تعتقل شخصين يخططان لاستهداف قواعد أمريكية    «جدة التاريخية»: اكتشاف خندق دفاعي وسور تحصين يعود تاريخهما إلى عدة قرون    سعودي ضمن المحكمين لجوائز الويبو العالمية للمنظمة العالمية للملكية الفكرية    المملكة تستعرض ممكنات الاستثمار السياحي في المؤتمر العالمي للضيافة في برلين    إحباط تهريب أكثر من مليون حبة كبتاجون مُخبأة في إرسالية "فلفل وجوافة"    رونالدو ينتصر في قضيته ضد "يوفنتوس"    إندونيسيا تصدر تحذيرًا من تسونامي    وصفات قرنفل سحرية تساعد بإنقاص الوزن    الأرصاد: ارتفاع الموج متر ونصف بالبحر الأحمر    ملتقى الأعمال السعودي الإسباني يعزز التطوير العقاري    "فنّ العمارة" شاهد على التطوُّر الحضاري بالباحة    الضويان تُجسّد مسيرة المرأة السعودية ب"بينالي البندقية"    وزارة الداخلية تعلن بداية من اليوم الخميس تطبيق تخفيض سداد غرامات المخالفات المرورية المتراكمة بنسبة 50%    الأمطار تزيد من خطر دخول المستشفى بسبب الربو بنسبة 11%    «نيوم» تستعرض فرص الاستثمار أمام 500 من قادة الأعمال    آل الشيخ: العلاقات السعودية - الأردنية متقدمة في شتى المجالات    أمير الباحة: القيادة حريصة على تنفيذ مشروعات ترفع مستوى الخدمات    تحت رعاية خادم الحرمين.. المملكة تستضيف اجتماعات مجموعة البنك الإسلامي    5 فوائد مذهلة لبذور البطيخ    أسرة الهجري تحتفل بعقد قران مبارك    محافظ جدة يشيد بالخطط الأمنية    السديس يكرم مدير عام "الإخبارية"    خادم الحرمين يرعى مسابقة الملك عبدالعزيز الدولية لحفظ القرآن الكريم    مدرب النصر "كاسترو" يتعرّض لوعكة صحية تغيّبه عن الإشراف على الفريق    شقة الزوجية !    أمريكا أكثر حيرة من ذي قبل !    تآخي مقاصد الشريعة مع الواقع !    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على محمد بن معمر    سمو أمير منطقة الباحة يلتقى المسؤولين والأهالي خلال جلسته الأسبوعية    جهود القيادة سهّلت للمعتمرين أداء مناسكهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أخيراً... العرب يعودون إلى التاريخ
نشر في الحياة يوم 23 - 03 - 2011

أطلق شكيب إرسلان في القرن الماضي سؤاله الشهير: لماذا تقدم الغرب وتخلّف المسلمون؟ ولم يأته الجواب إلا من تونس بوعزيزي ومن ميدان التحرير في مصر: الشعب يريد تغيير النظام. قبلهما ظلت الأجوبة في منأى عن بنية النظام، بل هي حامت حوله. محمد علي باشا دخل من باب الاقتصاد وظل هو الباشا، وعبدالناصر دخل إلى السياسة من بابها الخلفي، فحافظ على النظام واكتفى بتغيير السلطة. ذلك أن باب الدخول إلى الحضارة الحديثة، بل إلى التاريخ هو باب الثورة السياسية، لا أية ثورة أخرى ثقافية على طريقة ماوتسي تونغ أو اقتصادية على طريقة لينين. إنها طريقة الثورة الفرنسية بالذات التي ألغت نظام الوراثة وسنت القانون الوضعي الذي أسس للفصل بين السلطات ولتداول السلطة.
قبل الثورة الفرنسية كانت البلدان المنخفضة وإسبانيا وبريطانيا سباقة في ثوراتها الاقتصادية، لكن المجد لم يكتب لغير الثورة الفرنسية لأنها هي التي حققت في السياسية ما يحمي تطوراً هائلاً في الثقافة والاقتصاد كان قد بدأ قبل قرون، حين استلمت أوروبا راية الحضارة من العرب، في ما يشبه سباق البدل بين الحضارات، بعد أن كان العرب قد استلموها قبل ذلك من الفرس والبيزنطيين واليونانيين.
حضارة العرب كانت تطويراً للحضارة أو الحضارات التي سبقتها مباشرة، وكان أهم ما تميزت به أنها جعلت الحاكم حاكماً باسم الله أو ممثلاً لله على الأرض، بعد أن كان الحاكم في الحضارات التي سبقتها، كما في الفرعونية الأولى مثلاً، الله أو يشبهه أو يوازيه. أوروبا أحدثت نقلة جديدة حين جعلت الحاكم ممثلاً للشعب، واستحضرت الديموقراطية بعد أن رفعتها من مساواة بين علية القوم (اليونان القديمة) إلى مساواة بين جميع المواطنين.
باسم هذه الحضارة انطلقت أوروبا إلى العالم، وكانت المنطقة العربية أول من نعم بهذا الاحتكاك حين قدم نابليون إلى مصر. غير أنها أتت مع التباساتها الناجمة من كونها ذات وجهين، وجه الحضارة ووجه الاستعمار، ولم نكن وحدنا من أوقعه الالتباس في الحيرة، غير أننا كنا الأكثر حزماً فرفضنا العرض من اللحظة الأولى، بينما قبله آخرون، مكرهين، كما في الصين، أو طوعاً كما في اليابان.
إنها الحضارة الرأسمالية التي قدمت نفسها على أنها حضارة العلم والصناعة والديموقراطية، وتوالى الرفض العربي لها من أول الأصوليات الدينية إلى آخر الأصوليات العلمانية، ورحنا نطلق عليها كل الأسماء إلا اسمها الحقيقي: حضارة غربية، حضارة مادية، حضارة مسيحية، الخ... وجعلناها عدواً وصوبنا عليها ورميناها بتهمة الاعتداء على الأصالة والتاريخ، وقاومناها بكل ما أوتينا من تعصب أعمى للجهل والأمية وكل أعراض التخلف، وحاولنا أن نرد عليها بالانغلاق على النفس، بل إننا ابتكرنا في مواجهتها كل ما تفتق عنه العقل من صنوف الاستبداد، قديمه وحديثه، من أقبية التعذيب والسحل والقتل والنفي والسجن والمخابرات وأجهزة الأمن، الخ، الخ... وظل الثابت في كل هذه الصنوف هو التوريث السياسي. من هنا كان الجواب المصري - التونسي الذي يتردد صداه في كل أرجاء الأمة: الشعب يريد تغيير النظام.
من تجربة محمد علي باشا التي لم تكتمل، إلى تجربة الحركة القومية العربية التي انهارت في مواجهة تحديات العصر، حاولنا أن نجيب عن ذلك السؤال التاريخي. أتى الجواب الأول من الأصوليات الإسلامية قبيل وصول نابليون وبعده، ومن السلطنة العثمانية التي اعتمدت سياسة الممانعة، حيث لم يكن التخلف العربي العثماني الإسلامي، في نظر أصحاب الجواب، سوى نتيجة جهل المسلمين بأصول دينهم، ما يعني أن الحل هو في العودة إلى الأصول. لكن الحل تجاهل كل أسس التقدم الغربي الرأسمالي المتكاملة، في الفكر كما في السياسة كما في الاقتصاد. السنوسية كانت أكثر التجارب الأصولية اكتمالاً، فاقتصرت على تغيرات طفيفة في إدارة النظام الاقتصادي السياسي الثقافي القائم، ولم تطمح إلى إحداث نقلة نوعية في أسس هذا النظام، ولا سيما في أساسه السياسي، تماماً مثلما حصل بعد قرنين في التجربة الاشتراكية التي ركزت اهتمامها على توزيع الثروة لا على إنتاجها.
لم تر الأصوليات القومية في الرأسمالية إلا وجهها البشع، الاستعمار، فحاربتها مثلما حاربتها الأصوليات الماركسية لاحقاً وحاولت أن تلغيها من التاريخ وتصنع، على أنقاضها، تاريخاً جديداً يبدأ بالاشتراكية. على أن هذا الرفض الأصولي القاطع، الديني والقومي والماركسي، لم يجمع على شيء إجماعه على رفض الوجه الإيجابي في الحضارة الرأسمالية، أي على رفض الديمقراطية.
ربما يكون ذلك في أساس هذه الظاهرة الفريدة في عالم القرنين العشرين والحادي والعشرين: استمرار أنظمة الحكم الوراثي، في العالم العربي وحده دون سواه من دول العالم، في كل السلطات المتعاقبة بعد مرحلة الخلفاء الراشدين، في دولة الخلافة أو في الدويلات المتفرعة عنها أو في أنظمة الأحزاب والجماعات والقبائل المعارضة حتى لو لم تكن حاكمة. ولم تأت الانقلابات العسكرية في دول الاستقلال إلا لتكرس الموقف ذاته المعادي للديموقراطية وتداول السلطة في العالم العربي، ولتشوّه معنى الثورة.
حوالى قرنين من الزمن إذاً، أي قرنين من معاندة التاريخ، بل من خروج العرب من التاريخ، إلى أن أتت باكورة أحداث كبيرة في تونس ومصر لتعلن نهاية عصر الانقلابات العسكرية والبيان الرقم واحد، ولتعيد الاعتبار الى فكرة الثورة بما هي تغيير جذري في بنية المجتمع والدولة، ولا سيما في بنية النظام السياسي، تغيير يفسح في المجال أمام الانتقال إلى مرحلة الديموقراطية وحكم الشعب، أي إلى بناء دولة القانون والمؤسسات والكفاءة وتكافؤ الفرص والعدالة والحرية والفصل بين السلطات، الخ...
جربت المنطقة العربية كل الأجوبة: الإسلام هو الحل، فكان تطبيقه في الجزائر حرباً أهلية وفي السودان تقسيم البلاد وفي إيران وأفغانستان كل صنوف إلغاء الرأي الآخر؛ الوحدة القومية هي الحل، فكانت تجربة الوحدة الطوعية بين مصر وسورية، وتجربة الإلحاق القسري للبنان بسورية أو للكويت بالعراق، حافلة بالمآسي، الاشتراكية هي الحل وقد انهارت التجربة في البلد الأم لتنهار بعده كل التجارب التي استلهمتها. والمشترك الأساسي في كل تلك الحلول هو مجافاة الديموقراطية ووضع بلدان العالم العربي أمام خيارين، الاستبداد أو الحروب الأهلية أو التقسيم. من العراق شرقاً حتى الجزائر، ومن لبنان شمالاً حتى اليمن: المصائر ذاتها: إما تأبيد أنظمة الحكم، حكم الطوائف والقبائل والتوريث وإما الحروب الأهلية، إلى أن جاءنا الجواب الشافي من مصر وتونس: الحل في الديموقراطية.
لم تصنع الثورة الفرنسية سلاماً أهلياً، بل وضعت أسسه. غير أن الحضارة الرأسمالية احتاجت إلى حربين عالميتين على الأقل لتقتنع بأن الديموقراطية ليست صناديق اقتراع فحسب، بل هي قبل ذلك تكافؤ فرص في تحصيل الثروة وفي تحصيل المعرفة، وهي عدالة لا تقوم إلا على الفصل بين السلطات وعلى تداول السلطة، الخ. كل ما نطمح إليه ألا يحتاج العالم العربي إلى ردح طويل من الزمن ولا إلى مآسي حروب أهلية ليقتنع بأن باب الدخول في التاريخ الحديث هو قيام الدولة الديموقراطية.
* كاتب لبناني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.