قلبت «ثورة النيل» الأحوال في مصر رأساً على عقب. مشهد الآلاف من ضباط وأفراد الشرطة في تظاهراتهم أمس أمام مقر وزارة الداخلية لم يكن عادياً. بدت وكأنها تظاهرة حرّكها مكتب إرشاد جماعة «الإخوان المسلمين» احتجاجاً على انتخابات زُوّرت أو لاستنكار اعتقال مئات من قيادات الجماعة وكوادرها. هتافات «الإخوان» والمحتجين قبل 25 كانون الثاني (يناير) بات يرددها الآن ضباط الشرطة أنفسهم. «أمن الدولة باطل»، هتاف لطالما رفعه المحتجون ضد هذا الجهاز الأمني المسؤول بالأساس عن قمع معارضي النظام وتأمين استمرار الحكم، والذي هو صورة مستحدثة من «البوليس السياسي» الذي أُنشئ في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر لحماية الثورة من أعدائها. وكان جهاز أمن الدولة هو الحاكم بأمره في عهد الرئيس المتنحي حسني مبارك، حيث لم يكن أحد يتجرّأ على تحدي قراراته، حتى في المؤسسات الحكومية. كان هدفه ملاحقة المعارضين أينما وجدوا، في أعمالهم ومنازلهم وحتى خارج البلاد. سُمي أفراده «زوّار الفجر». يكسرون الأبواب والناس نيام ويقتادون من يشاؤون إلى معتقل أوجده قانون الطوارئ الذي لازم سنوات حكم مبارك. وهكذا كان مفهوماً هتاف المعارضة والثوار ضد جهاز مباحث أمن الدولة في ظل مهمته هذه. لكن أن يهتف ضباط الشرطة أن «أمن الدولة خرّبوا الدولة» بدا لافتاً. فشباب الضباط الذين انضموا أمس إلى تظاهرات أمناء الشرطة (وهي رتبة دنيا في جهاز الشرطة) يرون أن مباحث أمن الدولة هو الجهاز المسؤول الأول والأخير عما آلت إليه الأوضاع في مصر. وأكّد ضباط في قوات الأمن المركزي ل «الحياة» أنهم تلقوا «معلومات مضللة» عن تظاهرات يومي 25 و 28 كانون الثاني (يناير) الماضيين من جهاز أمن الدولة، مضيفاً: «أبلغونا أن عدد المتظاهرين في يوم 25 كانون الثاني (يناير) لن يتجاوز ألفي شخص وفوجئنا بعشرات الآلاف، وفي يوم 28 كانون الثاني (يناير) كان تقديرهم أن مئة ألف سيتظاهرون على الأكثر لنجد الملايين في مواجهتنا». وتظاهرة «شباب الشرطة» التي انطلقت من ميدان التحرير (قلب الثورة النابض) في اتجاه وزارة الداخلية أمس أخذت منحى مختلفاً عن تظاهرات أفراد الشرطة خلال اليومين الماضيين لجهة الحشد الكبير ومحاولة استرضاء الجماهير عبر الهتاف «جيش شرطة شعب - إيد واحدة»، على غرار هتاف الثوار «الجيش والشعب إيد واحدة». وقد سعى الضباط المحتجون إلى ضم الجماهير إلى صفوفهم وتبرئة ساحتهم برفع لافتات ل «شهداء الشرطة» خلال الثورة دُوّنت فيها أسماء وصور ورتب الضباط الذين لقوا حتفهم خلال الثورة. ولام بعض الضباط المحتجين وسائل الإعلام، لأنها سلّطت الضوء على «شهداء الثوار ونسوا شهداء الشرطة». لكن جماهير غاضبة اصطفت على جانبي الطريق حاملة لافتات كتب عليها «حتى لو سامحناكم لن يغفر لكم التاريخ». وقال بعضهم للضباط المحتجين إن الضباط الذين قُتلوا سقطوا «أثناء قمعهم الثوار». استوقف هذا الرد ضابطين شابين تناقشا مع شاب رفع لافتة تحمل هذا المعنى، فأكدا له أن ضباطاً كثراً قُتلوا أثناء محاولتهم منع هروب السجناء وآخرين قتلهم غاضبون في مقار أعمالهم بعدما انسحبت الشرطة من الشوارع وحدث فراغ في القيادة. قالا له: «ليس ذنبك ... فلا أحد يتحدث عن تضحيات رجال الشرطة ... حتى قادتها!».