توقّع قانونيون أن يؤدي تفعيل المحاكم التجارية، الذي أقرّه وزير العدل رئيس المجلس الأعلى للقضاء الدكتور محمد العيسى، إلى القضاء على الخلافات القائمة بين أعضاء هيئة التحقيق والادعاء العام، ومكاتب الفصل في منازعات الأوراق التجارية التابعة لوزارة التجارة. فيما علمت «الحياة» أن عدداً من «المدعين» يمتنعون عن حضور الجلسات في مكاتب الفصل، لأنهم «يمثلون أمام جهة أقل منهم وظيفياً»، إلا أن هيئة التحقيق والادعاء العام بالمنطقة الشرقية، نفت وجود «خلافات»، مؤكدة «محدودية» القضايا التي تمثلها الهيئة أمام هذه المكاتب. وأبلغت مصادر في هيئة التحقيق والادعاء العام «الحياة»، أن «الدعوى العامة في قضايا مخالفات نظام «الأوراق التجارية»، مثل الشيك والكمبيالة والسند لأمر، تُرفع من هيئة التحقيق والادعاء العام وتُنظر من لجنة اسمها «مكتب الفصل في منازعات الأوراق التجارية»، ومقارها أفرع وزارة التجارة والصناعة في مدن المملكة الرئيسة». إلا أن المصادر أشارت إلى «إشكال» يتمثل في أن «منصب المدعي العام» أرفع من منصب موظفي مكاتب الفصل في منازعات الأوراق التجارية وهذا خلاف المعهود عالمياً، إذ جرت العادة أن يرفع المدعي العام دعواه أمام جهة أرفع منه وهي القضاء، ما تسبب في خلاف حاد بين هاتين الجهتين، أدى إلى امتناع بعض المدعين العامين عن حضور المرافعات في هذه المكاتب، لأن موظفي مكاتب الفصل في منازعات الأوراق التجارية هم موظفون عاديون يشغلون مراتب على سلم وزارة الخدمة المدنية. فيما وظيفة المدعي العام من الوظائف المُستثناة، التي يتم التعيين فيها بقرار سامٍ يصدر من الملك شخصياً». بدوره، أوضح رئيس هيئة التحقيق والادعاء العام السابق خضران الزهراني ل «الحياة»، أن «الخلاف في هذه المسألة شكلي»، مضيفاً: «إن المشكلة الرئيسة قانونية وتكمن في هذه اللجان وصفتها الرسمية، فهي تعتبر لجان تسويات وفض منازعات وليست لجاناً قضائية، وهذه نقطة الخلاف بينها وبين الهيئة. فإذا حُلّتْ هذه المشكلة تُحلّ بقية الخلافات الشكلية والأمور الداخلية». وأشار الزهراني إلى أن الخلاف مع اللجان يتمثل في «تشكيلها وقانونيتها ووضعها، وهل هي لإصدار أحكام أم لجان تسوية مثل مسماها ونظامها»، مستدركاً أن «الحاصل في الواقع أنها تُصدر أحكاماً، وهذه نقطة الخلاف الأساسية». ولفت إلى أن «اعتماد وفتح المحاكم التجارية يطور القضاء ويحلُّ هذه الإشكالات». من جهته، قال المحامي المستشار القانوني أحمد السديري في تصريح إلى «الحياة»: «إن القضاء السعودي اضطر في السابق لاعتماد مكاتب الفصل لتسوية الخلافات حول الأوراق التجارية، من خلال تعيين أعضاء لهم صفة قانونية، لأنه لم يكن هناك قضاة متخصصون في القضايا التجارية، ولم يتوافر إلا حديثاً بجهود من وزارة العدل»، وذكر أن معهد القضاء العالي «لا يُدرّس القوانين التجارية إلى الآن». وأشار السديري إلى أن أعضاء هذه اللجان «مختصون في قوانين وأنظمة وزارة التجارة، وتقع عليهم مسؤولية فض المنازعات وتسوية الخلافات، إلا أن لهم في الواقع صفة شبه قضائية»، لافتاً إلى أنه «باعتماد المحاكم التجارية وافتتاحها ستفض جميع النزاعات حول هذه اللجان والخلافات إن وجدت، بين الهيئة ومدعيها، وبين موظفي هذه المكاتب». يذكر أن مكاتب الفصل في المنازعات التجارية هي الجهة المناط بها تسوية المنازعات المتعلقة بالأوراق التجارية: السندات لأمر والشيكات والكمبيالات. وتتلخص اختصاصات مكاتب ولجان الأوراق التجارية في «تطبيق العقوبات المنصوص عليها في أنظمة الأوراق التجارية والوكالات التجارية والمعايير والمقاييس والمقاطعات». واعتمد رئيس المجلس الأعلى للقضاء وزير العدل الدكتور محمد العيسى، موعد تفعيل المحاكم التجارية ومباشرتها مهماتها في التاسع من ربيع الأول العام المقبل. وجاء القرار بعد ترقّب من الأوساط العدلية دام نحو سبعة أعوام، لاسيما بعد صدور نظام القضاء الذي يحدد مهمات المحاكم كافة في عام 1428ه، إضافة إلى نظام المرافعات الشرعية الذي أُقرّ أخيراً. وأوضح تعميم قضائي وجّهه العيسى إلى المحاكم كافة، أن المحاكم التجارية ستباشر اختصاصاتها، وكذلك الدوائر التجارية، وفقاً للمادة 35 من نظام المرافعات الشرعية في ربيع الأول العام المقبل. وأشار التعميم إلى أن يوم مباشرة النظام سيشهد فصل الدوائر التجارية التابعة لديوان المظالم بقضاتها ومعاونيهم ووظائفهم إلى المحاكم التجارية، وستباشر هذه الدوائر اختصاصاتها في المحاكم التجارية. وتختص المحاكم التجارية - وفقاً لنص المادة 35 من نظام المرافعات الشرعية - بالنظر في جميع المنازعات الأصلية والتبعية التي تحدث بين التجار، والدعاوى التي تقام على التاجر بسبب أعماله التجارية الأصلية والتبعية، والمنازعات التي تحدث بين الشركاء في الشركات، وجميع الدعاوى والمخالفات المتعلقة بالأنظمة التجارية (من دون إخلال باختصاص ديوان المظالم)، ودعاوى الإفلاس والحجر على المفلسين ورفعه عنهم، والمنازعات التجارية الأخرى. وستنتشر المحاكم التجارية في مختلف محافظات ومناطق المملكة، وتتضمن تشكيلة كل محكمة تجارية من دوائر متخصصة، ويخصص لكل دائرة قاضٍ أو أكثر (وفق ما يحدده المجلس الأعلى للقضاء).