بالخبرة والملاحظة، أجزم أن لدينا أرقاماً قياسية، لم تسجلها لا الدول المتقدمة، ولا النامية، ولا حتى النائمة التي لم تستيقظ إلا والشارع يموج بالغضب. قياساً لعدد السكان نحن أصحاب العدد الأكبر للبقالات، صغيرها وكبيرها، مركزيها و«هايبرها»، فعندما تبدأ ملامح بضعة مساكن أو استراحات أو محلات في الظهور، أول ما يظهر في الحي بعد «صنادق» العقار، هو البقالة، تليها مغسلة الملابس، ثم المطعم من أي نوع، فالصيدلية، ثم تتوالى النشاطات، وأعتقد أننا أصحاب الرقم القياسي فيها جميعاً بالنسبة لعدد السكان. اذاً المعادلة التي «ابلشت» أولادنا في مقررات الرياضيات والكيمياء (لا أعرف لماذا لا تشكل مشكلة للغير)، أو الوضع الذي اختلف مشرعو الموارد البشرية في تقدير إجازته المناسبة للمرأة العاملة، هو أننا نشعر بالجوع دائماً، وثيابنا نظيفة، في الظاهر على الأقل لان الميكروبات لا تراها العين المجردة، ثم نحن نجوع مرة أخرى، وكثيرو التطبب بالأدوية، والتجمل بأدوات النظافة والعناية والتجميل. هل قال احد شيئاً عن الاستهلاك؟ لا إننا بعيدون كل البعد عن هذه التهمة التي تحيكها ضدنا الشعوب المنتجة، كل ما في الأمر أننا نجد من واجبنا دعم الاقتصاديات الفقيرة، فيتبرع واحدنا بفتح بقالة لمجموعة أصدقاء أو أشقاء متضامنين في العمل بها تقريباً على مدار الساعة، يبحثون عن رزقهم فيها، ويحصل هو على اجر شهري. أرأيتم كيف يظلم المراقبون و«المحلحلون» قطاعات التجزئة بأنها لا توظف السعوديين، فكل بقالة تعني راتباً شهرياً لمواطن، والأمر السلبي الوحيد أن بعض المواطنين هداهم الله لديهم أكثر من بقالة، فيجمع بين أكثر من راتب ب«الحلال»، ولم تقف النساء في وجهه رغم انه معدد واضح للعيان. الحل ببساطة أن يمنع المواطن من فتح أكثر من بقالة واحدة، وعلى ارتال العاطلين البحث عن بقالة جديدة تتبنى توفير الدخل الشهري لهم في مقابل أسمائهم، فهذا على الأقل أفضل من تبني بعض المؤسسات لهم للاستفادة منهم كرقم في سجلات التأمينات الاجتماعية وقوائم السعودة، فالأخيرة لا تمنح إلا بضع مئات شهرياً، والأولى قد تصل إلى راتب اثنين «سيكيورتية» من النوع الذي لا يخصم عليه ويعمل 8 ساعات فقط، وهو نوع نادر معرض للانقراض بسبب أعمال الصيد الجائرة لعقود الأمن والسلامة. تجولت في بلدان عدة، وكثير منكم فعل، يدهشني كيف يعيش الناس هناك ببقالة واحدة في الشارع أو الحي الصغير، وكيف لا توجد المطاعم إلا في مناطق معينة، وكيف أن الصيدليات عملة نادرة، هل هم بخلاء إلى هذه الدرجة، وكيف يرفه واحدهم عن طفله بكيس من الحلويات رخيصة الثمن، بغيضة المنظر، كل مكوناتها الألوان الصناعية وأردأ أنواع السكر على الأرض. المعادلة أن بقالات أقل تعني صيدليات أقل، مروراً بكل ما بينهما. [email protected]