حبور في فرنسا بعد الاعتراف العالمي بمطبخها وفنونه. كتبت صحيفة «لو باريزيان» «العالم يحب وجباتنا». والصحيفة هي بلا ريب الأكثر مبالغة، لكنها لم تكن وحيدة في التفاخر بالاعتراف الدولي الذي ناله «طعام الفرنسيين». أي فن «الأكل الجيد» و «الشراب الجيد» الذي يعتقد الرئيس السابق (لجامعة) السوربون والطباخ المكرس جون- روبير بيت انه يشكل جزءاً من الهوية الفرنسية. في الأيام هذه، ينفخ الديك (رمز الفرنسيين) صدره. يحدث هذا لأن منظمة الأممالمتحدة للثقافة والعلوم «اليونسكو»، أدرجت المطبخ الفرنسي في السادس عشر من تشرين الثاني (نوفمبر) على لائحة الإرث العالمي غير المادي. هذا أمر طبيعي. وما من أحد تقريباً في إسبانيا علّق على القرار هذا، لقد كنا في غاية الانهماك في الاحتفال بالاعتراف «بالكاستيل» (الأبراج البشرية التي يبنيها أبناء مقاطعة كاتالونيا بأجسادهم) و (موسيقى ورقص) «الفلامنكو» وبغناء «سيبيل دي مايوركيه» (الترتيل الكنسي الذي يؤديه الأطفال في كنائس مايوركا عشية عيد الميلاد). اهتممنا أكثر بشؤوننا. لكن ما هو الأكثر إنسانية؟ لا بد أن يكون الأرمن قد احتفلوا بإدراج مسلاتهم المنحوتة في لائحة اليونسكو وأن يكون البلجيكيون أحيوا إدراج كرنفال ألوست والصينيون بإدراج الوخز بالإبر وكؤوس الهواء الساخن (التي تلصق على الظهر لعلاج بعض الأمراض) والإيرانيون بموسيقى الباخشيس في خراسان وبسجاد قاشان... وهكذا إلى أن يصل العدد إلى 46 ممارسة ثقافية سجلتها «اليونسكو» أخيراً، في اللائحة التمثيلية للإرث الإنساني غير المادي. هل سمعتم سابقاً عن أكثرية التقاليد هذه؟ الأرجح أنكم لم تسمعوا كما لم يسمع الفرنسيون. والأقرب إلى الواقع أنكم لن تسمعوا بها أبداً. والاعتراف بها من قبل اليونسكو، بغض النظر عن أهمية الاعتراف هذا، لن يؤدي إلى إضفاء الإشعاع على المستوى الدولي. ولن تزيد شهرة الفلامنكو او المطبخ الفرنسي. لائحة الإرث غير المادي هي بمثابة السجل العام للتنوع الثقافي العالمي، ولا تنطوي على أي تقييم محدد، باستثناء تعزيز الفخر القومي. وترغم الحقيقة تلك، الدول التي قدمت ترشيحاتها، على ضمان الحفاظ على الممارسات الثقافية المدرجة في اللائحة. لا ينبغي أن تنسينا نشوة الانتصار، تواضع الامتياز. وقد أوضحت مسؤولة قسم الإرث الثقافي غير المادي في اليونسكو سيسيل دوفيل ان «اللائحة التمثيلية لا تهدف إلى مكافأة أفضل الظواهر الثقافية في العالم. فالأمر الوحيد الذي نأخذه في الاعتبار هو الأهمية الذاتية لهذه أو تلك من الممارسات بالنسبة إلى المجتمع التي يحافظ عليها حية». وأسفت دوفيل «للاستخدام السياسي لغايات قومية» للائحة في بعض البلدان، من دون أن تقدم أمثلة. وإيراد «الكاستيل» والفلامنكو وغناء سيبيل في قائمة الإرث غير المادي، خبر ممتاز، أخذاً في الاعتبار أن الممارسات الثقافية هذه ما زالت حية على رغم مرور الزمن وأنها تكافئ التفاني والحب اللذين يظهرهما القائمون على الإرث الثقافي. لكن المبالغة لا تصح. فمستقبل النشاطات تلك منوط بالأيدي ذاتها. أيدينا، نحن المهتمين بها. أما في الخارج فما من أحد ينظر إلينا. * مراسل، عن «لافانغارديا» الإسبانية، 25/11/2010، إعداد حسام عيتاني