مع اقتراب شهر كانون الثاني (يناير) من نهايته، تصبح محافظة حفر الباطن مقصداً لسعوديين قادمين من كل المناطق، يجوبون صحاريها لساعات وفي أيديهم عصي، بحثاً عن فطر ينبت من الأرض، يدفعون مئات الريالات للحصول على حبات منه، أنه «الفقع» أو «بنت الرعد». تحتل المحافظة موقعاً مميزاً في الجزء الشمالي الشرقي من السعودية، على تقاطع أربعة طرق دولية، أبرزها الرياض والكويت، والشمال الدولي، الذي يربط دول الخليج مع بلاد الشام. وتمتدّ مساحتها على أكثر من 144 كيلومتراً مربعاً، وتفصل بينها وبين العاصمة السعودية الرياض مسافة 600 كيلومتر. وتُعد المحافظة أحد أهم الوجهات السياحية في المنطقة الشرقية. ويعتقد أن حفر الباطن أخذت اسمها حين أمر والي البصرة آنذاك الصحابي عبد الله بن قيس المعروف بأبي موسى الأشعري، بحفر الآبار فيها، على الطريق الصحراوي الذي يسلكه الحجاج ما بين العراق والجزيرة العربية، في وقت عانت المنطقة فيه من قلة المياه. وبعد المرور بأسماء عدة، منها حفر أبي موسى الأشعري، وحفر بني العنبر، وغيرها، عرفت المنطقة اليوم بحفر الباطن نسبة إلى وادي الباطن، الذي يشكل امتداداً لوادي الرمة المنحدر من مشارف المدينةالمنورة، ويندثر تحت رمال نثور الثويرات في الدهناء، شرق القصيم. وتشهد «الحفر» أو «عاصمة الربيع»، هطولاً مطرياً خلال فصل الربيع عموماً، يمكن وصف طقسه بالمعتدل، أما الشتاء فقارس البرودة، وفي الصيف يكون الطقس حاراً وجافاً، وقد تصل درجة الحرارة فيها إلى 55 درجة مئوية، وتهبّ علها عواصف محمّلة بالرمال. ومع رحيل الشتاء، يصبح الخروج إلى البر في مقدمة الجدول اليومي للأسر في حفر الباطن، إذ تكتسي صحارى الحفر باللون الأخضر، وتزينها زخات المطر، وعندما تطل الشمس ينعكس صفاؤها على المياه التي يتزاحم على أطرافها السياح، وينتشر الأهالي بين البراري بحثاً عن نبات «الكمأ» أو «الفقع» الذي يعرف ب«نبات الرعد» أو «بنت الرعد»، ويعيش الرعاة أسعد أيامهم، وأغنامهم ترعى من الكلأ، وترتوي من مياه الأمطار. أهالي المنطقة وضيوفهم من مناطق المملكة الأخرى والدول الخليجية، من مختلف الأعمار يستمتعون بالأجواء الجميلة، مع حكايات الربيع الشيقة، ورائحة الأرض المبللة التي يعشقها أهالي البادية، وهم يسابقون الزمن لقضاء أطول فترة متاحة قبل اشتداد حرارة الشمس، إذ يشعل المتنزهون الحطب ويعدون أطيب أنواع اللحوم للشواء. وتشهد سوق «الفقع» في حفر الباطن إقبالاً كثيفاً من كل بلدان الخليج، وهو ما جعل الأسعار تتفاوت بشكل جلي، فالفقع البلدي الأبيض المسمى «الزبيدي» تراوح أسعاره بين 300 و700 ريال للعبوة صغيرة الحجم، فيما تباع العبوة الكبيرة ب3 آلاف و500 ريال، ويستخدم غالباً للإهداء، لأنه أجمل منظراً، وتأتي حبته كبيرة في الغالب ولونه أبيض. أما الفقع الأحمر المعروف ب«الخلاس» فأسعاره تراوح بين 350 و800 للعبوة الصغيرة، والكبير منه يلامس سقف 4 آلاف ريال، وهو أفضل طعماً وأغنى بالمواد الغذائية التي يحتاج إليها الجسم، لكن من ناحية الشكل ليس بجمال «الزبيدي». ويبدأ موسم التقاط الفقع عادة أواخر شهر كانون الثاني (يناير)، ويستمر حتى نهاية شباط (فبراير)، ويمتد أحياناً إلى آذار (مارس) مع اشتراط نزول أمطار رعدية في «نوء الوسم». ويصنف الفقع من الفطريات فهو بري موسمي ينمو في الصحراء بعد سقوط الأمطار بعمق من خمسة إلى 15 سنتيمتراً تحت الأرض، ويراوح وزن الكمأة من 30 إلى 300 غرام ويصل حجم الحبة في حالات نادرة إلى كيلوغرامات عدة، ويعتبر من ألذ وأغلى أنواع الفطر الصحراوي، وتنمو الكمأة على شكل درنة البطاطا في الصحارى.