طلبة المملكة يحصدون 9 جوائز خاصة في "آيسف 2025"    سلاح الجو الأوكراني: حادثة لمقاتلة إف-16    استمرار تأثير الرياح المثيرة للغبار على معظم مناطق المملكة    الذهب يتجه لتسجيل أسوأ أداء أسبوعي في 6 أشهر    تراجع مؤشرات الأسهم اليابانية    بلدي+ .. أول تطبيق للخرائط المحلية وإعادة تعريف تجربة التنقل في مدن المملكة        "الصحة" تُصدر الحقيبة الصحية التوعوية ب 8 لغات لموسم حج 1446ه    برشلونة بطلاً للدوري الإسباني للمرة 28 في تاريخه    أسبوع الرياض الدولي للصناعة 2025 يناقش استراتيجيات التوطين ومستقبل المصانع الذكية    "هيئة تقويم التعليم والتدريب" تطبق الاختبارات الوطنية "نافس"    ضبط مصري نقل 4 مقيمين لا يحملون تصريح حج ومحاولة إيصالهم إلى مكة    انخفاض أسعار النفط بأكثر من 2 بالمئة عند التسوية    انطلاق "عرض سلافا الثلجي" في الرياض    الرياض تعيد تشكيل مستقبل العالم    الاتحاد السعودي يختتم برنامجه الرياضي في مخيم الزعتري بالأردن    لجنة التراخيص : 13 نادياً في روشن يحصلون على الرخصة المحلية والآسيوية    لوران بلان يُعلن موقفه من الاستمرار مع الاتحاد    استقبال ولي العهد للأبطال.. تشريف وتحفيز من مُلهم لشباب الوطن    موعد مباراة الاتحاد القادمة بعد الفوز بلقب الدوري السعودي    الرواية والتاريخ    رفع العقوبات الأميركية يزيد من تعافي سورية    محافظ صبيا يؤدي صلاة الميت على شيخ الباحر سابقًا    القادسية يتغلب على الوحدة بثلاثية في دوري روشن للمحترفين    وحدة التَّوعية الفكريَّة تنظِّم ملتقى تعزيز الوعي الفكري والانتماء الوطني    مُحافظ الطائف يستقبل مدير فرع هيئة التراث بالمحافظة    نائب أمير الرياض يطّلع على برامج وخطط جائزة حريملاء    أمير منطقة تبوك يرعى حفل تخريج الدفعة ال 19 من طلاب وطالبات جامعة تبوك    بترومين راعٍ رئيسي لفريق نيسان فورمولا إي في سباق طوكيو إي - بري    الزخم السعودي في أعلى تجلياته    تجمع جازان الصحي يدشن عيادة البصريات في مراكز الرعاية الأولية    التحالف الإسلامي يختتم برنامجا تدريبيا في مجال محاربة تمويل الإرهاب    "الداخلية": تأشيرات الزيارة بجميع أنواعها ومسمياتها لا تخوّل حاملها أداء فريضة الحج    نجاح عملية فصل التوأم الملتصق الإريتري "أسماء وسمية" بعد عملية جراحية دقيقة استغرقت 15 ساعة ونصفًا    الإنسانية السعودية في الحج: مبادرة "طريق مكة" نموذج رائد    افتتح فعاليات «ملتقى التحول الرقمي» .. أمير الشرقية: التحول الرقمي ضرورة لمواكبة المتغيرات العالمية    مبادرات وخطة عمل..اتحاد الغرف ومجلس الأعمال: زيادة التعاون (السعودي – الأمريكي) في التجارة والاستثمار    تحذيرات فلسطينية من كارثة مائية وصحية.. «أونروا» تتهم الاحتلال باستخدام الغذاء كسلاح في غزة    أفراح الزواوي والتونسي بعقد قران عبدالرحمن    "بينالي الفنون" يدعم صناعة الأفلام التناظرية    الملا يكرم العنود وحصة والصحفي في "رواية وفيلم"    كفيف.. فني تصليح أجهزة كهربائية    إغلاق موقع عشوائي لذبح الدجاج في بوادي جدة    وقف إطلاق النار يدخل حيز التنفيذ.. طرابلس تتنفس بعد مواجهات عنيفة    بصمة على علبة سجائر تحل لغز جريمة قتل    الأغذية المعالجة بوابة للإصابة بالشلل الرعاش    «الغذاء والدواء»: ضبط 1621 منشأة مخالفة خلال شهر    الحدود الشمالية.. تنوع جغرافي وفرص سياحية واعدة    عظيم الشرق الذي لا ينام    رفع كسوة الكعبة المشرفة استعدادًا لموسم الحج    رؤيةٌ واثقةُ الخطوةِ    لا حج إلا بتصريح    عماد التقدم    الهيئة الملكية لمحافظة العلا وصندوق النمر العربي يعلنان عن اتفاقية تعاون مع مؤسسة سميثسونيان لحماية النمر العربي    مُحافظ الطائف يشهد استعداد صحة الطائف لاستقبال موسم الحج    نائب أمير منطقة تبوك يشهد حفل تخريج متدربي ومتدربات التقني بالمنطقة    ولي العهد والرئيس الأمريكي والرئيس السوري يعقدون لقاءً حول مستقبل الأوضاع في سوريا    الكوادر النسائية السعودية.. كفاءات في خدمة ضيوف الرحمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كائنات سبهان آدم في مهب الكوابيس
نشر في الحياة يوم 21 - 05 - 2009

الفنان التشكيلي السوري سبهان آدم من ابرز فناني ما بعد الحداثة في العالم العربي، استطاع ان يخترق جدار المتاحف والغاليريات العالمية، كنموذج خارق للعولمة بعدما تحول ظاهرة عصره بامتياز. له معارض كثيرة في مختلف انحاء العالم. تصدرت اعماله أغلفة مجلات عريقة متخصصة بالتشكيل. حقق شهرة واسعة بعدما دخلت اعماله مزادت كريستيز ودبي وسوذبي عام 2007، وارتفعت اسهمه في البورصة العالمية. أقام 37 معرضاً فردياً (دمشق وبيروت وجنيف والقاهرة وتونس ومدريد وبروكسل روما ولندن ونيويورك وباريس وعمان). استضافته باريس في خمسة معارض متتالية بين عامي 2005 و2007. له عشرات المواقع على الإنترنت التي تساهم في التعريف عن تجربته ونتاجه. صدر له أخيراً كتاب فني ضخم (310 صفحات من القطع الكبير في طباعة انيقة) يسلط الضوء على أفضل الأعمال المنتقاة من نتاجه التشكيلي فضلاً عن مختارات من اللوحات التي دخلت ضمن المقتنيات المتحفية. قدم لبداياته الشاعر أدونيس، فضلاً عن نصوص وقّعها كل من كريستيان نوربرغن، وليديا هارامبرغ، ومحمد الناصري، وحوارات وسيرة ذاتية كتبها جيلبير بوجيه.
ولعل جزءاً كبيراً من شهرة سبهان قامت على الاجتهادات الأدبية والمحمولات الشعرية والمقامات التعبيرية والمعضلات الوجودية التي اعطيت لكائناته المستسلمة لعبثيتها القدرية. فهي تبدو بين الآدمية والبهيمية كائنات ممسوخه محيرة مذعورة وملغزة لكأنها على اعتاب الليل أو في نار الجحيم.
وجوه دميمة وأجساد من دون أطراف آدمية، تعيش أقصى حالات العزلة والفزع غارقة في السواد. وهي لفرط ذعرها ربما، تستعير مخالب لتنبت في الرأس، مثلما تتناسخ الأعين في الوجه الواحد، تنظر بدعة وغفلة، كما لو أنّها في قفص غير مرئي أو أنّها في مختبر للتشريح أو للتعذيب تعاني من دمار روحي وجسدي. إذ يضعها على خلفية سوداء من خلائط الرمل والزفت، ليزيد وحشتها وعدميتها في لطخات لونية ارتجالية ونزقة تضاعف حدة التوتر لهذه المخلوقات الهجينة المنتزعة من العدم. ثمة مرجعيات تشكيلية لأعمال هذا الفنان، يقال بانها آتية من حكايات الجدات عن كائنات خرافية مجهولة المصدر، غير أنها تلتقي عميقاً مع تشظيات ما بعد الحداثة. ورغم إصرار الفنان على عدم الاعتراف بأية أبوة فنية لكننا سنجد صلة رحم تربط نتاجه بأعمال فرانسيس بيكون وإيغون شيلي في ما يسمّى جمالية القبح، في طريقة بناء عمارة النص البصري للإنسان بمعوقاته وتحويراته وعذاباته وذكرياته.
ولد سبهان آدم في مدينة الحسكة (شمال شرقي سورية العام 1972) من عائلة فقيرة مؤلفة من 11 ولداً والدته عراقية من الموصل وقد أثّرت على بدايته في الفن، من بعدها عرف رائحة الأرض أرض الحب والموت، لكنه لم يجد في مدينته سوى وجوه منغمسة بحزن غامض. منذ طفولته امتلك نظرة عميقة وطموحاً يتحرق لحياة لم يردها منقسمة بين جدارن صامتة وعيون تحدق بالمجهول. فأخذ يعبث بألوان الطّيف متمنياً أن يكون طليقاً كالسحاب الحر في الفضاء. لذا لم يلتحق قط بأكاديمية لدراسة الفن، بل سعى إلى تحقيق ذاته من خلال قراءته للشعر الحديث ثم استبدل الورق بالقماش والألوان باحثاً عن روحه التائهة.
لعبةالصدفة
لعبت الصدفة دورها في حياة سبهان آدم. نبذه المحترف السوري في دمشق لخروجه عن المواصفات. فما كان منه إلا ان واجه هذه التحديات بمزيد من التمرد على منتقديه من الفنانين الذين وصفهم بالحثالة من «حراس الفن السخيف»، وهو البدوي المتقشف والمتعالي واللاذع في آن واحد. لقي فنه تشجيعاً من رئيس المؤلفين والمترجمين في وزارة الثقافة السورية أنطوان مقدسي، فكان معرضه في المركز الثقافي الفرنسي في دمشق، نقطة تحول مهمة في حياته التي ما لبثت ان تطورت في محيط لا يمكن ان يوصف إلا بالعدائية. استطاع بعدها خلال عشر سنوات ان يصنف الأول وأن يحقق بسرعة قياسية ما عجز عن انجازه كبار الفنانين الذين سبقوه.
بعيداً من الأسطرة التي تحاك حول حياته ومساره، استطاع سبهان ان يستوعب الموروث الجمالي - الحداثي وأن يعمل على تفكيكه وتجاوزه في مرحلة «انسانية ما بعد تجارب فاتح المدرّس ومروان قصّاب باشي». فأوصل تجربته المتداخلة والسديمية إلى ذروة الهذيان والفوضى. فهو يعمل وفق فهمٍ متوتر للأشياء واستحضار الممكن من ذاكرته الحافلة بالرؤى والأشكال والتكوينات التي تعلن عن هويتها بكثير من الألم والانكفاء. لذا فإن شخصياته تتقمص أدواراً تتباين بين الرجل - المسخ، والصعلوك الذي يرتدي معطف الملوك، والرجل - المهرج في ملابس السيرك. وعلى رغم محدودية قائمة ألوانه إلا أن التعارض بين اللون الأسود للكائن والقاع الذهبي للخلفية، من شأنه أن يضفي مظهراً ساخراً مضاداً للأيقونية الصوَرية المطبوعة بالقداسة في التقاليد الفنية. ثمة مزج بين الحقيقة والألم والغضب والسخرية، تتراءى في تكاوين رجل يتدثر بغموض نظرته العميقة وهو مرفوع احياناً على طبقٍ، كقربان أو أضحوكة في حال من النزف يثير الشفقة.
السخرية والمرارة
شعائر وطقوس تبدو للوهلة الأولى تعسفية أتلفها اللعب والسخرية التكهنية والمرارة القصوى. يظهر الرجل في أعماله واقفاً دوماً على رجلٍ واحدة في مناخ مسرحي عبثي يضج بالحركة والتعابير. فالفنان يبتكر شخوصه بتلقائية فطرية وتقنية تلوينية خشنة لا تعتني كثيراً بالتفاصيل، بل تدخل في حمّى عضلية تقوم بنسخ اللوحة ذاتها مراراً وتكراراً بتغييرات طفيفة في اللون. في أحيانٍ يلجأ إلى نمنمة جزء بسيط من الكتلة بألوان زاهية وفطرية، قد تخفف من ثقل السواد الذي يجثم على مساحة اللوحة وسطوحها. كما يغامر بلطخات ضخمة من الذهبي والفضي على نحو خاص، ما يمنح اللوحة فسحة تعبيرية، تقلل من شأن التشخيصيّة العالية لهذه الأعمال العبثية التي تقود سبهان آدم إلى مناطق مربكة وعصيّة على التفسير، قد تحتاج إلى تفسيرات ارتجالية موازية لهذياناته اللونية التي هي مزيج من خلائط تركيبية يخترعها بنفسه ويختبرها بعنف لوني وكابوسي. وإذا بهما يتناوبان مسار الخطوط العريضة التي تؤطر ملامح كائناته المفزوعة والخائفة إلى الأبد. يؤكد سبهان «أن تكويناته البشرية السابحة في فضاء معتم لها علاقة مباشرة بالاختناق والضجيج اللذين يغلفان روحه أينما التفت».
في سلسلة لوحاته المعنونة «الرجال الطيور»، تحلّق شخوصه الحيوانية في فضاء كتيم ومعتم، لكنّه لمزيد من الوحشية يربطها بخيوط تتدلّى من سقف اللوحة ويتركها معلّقة بين الأرض والسماء كما لو أنها مصابة بلعنة أبدية. وفي «قلادات»، يستلهم من الدائرة أسئلة الكون في طواف ميثيولوجي حول معنى الحياة في دورتها الأزلية من دون أن يتخلى عن فطريته في تفسير مكوّنات خطوطه وألوانه المتقشّفة التي تتوارى وتخفت أمام فزع نظرة الكائن في عمق اللوحة.
يعيش سبهان آدم عند حدود الصحراء السورية، وفي ذلك المنفى الاختياري يستدعي كائناته السحرية وسط عويل الصحراء ورمالها، يتلاعب بمصائرها كي يسحقها بخشونته البدوية، فيترك كائناته في الحيرة، مثبّتة إلى جدار ذهني لا تتزحزح عنه. بدءاً بهذه الصورة الثابتة، يعمل هذا الفنان الذي يقف على حدة بين أقرانه وأبناء جيله، على إدارة ظهره لكلّ المواصفات التشكيلية.
شخصية صراعية، هو سبهان آدم على رغم غروره وادعائه وتعاليه فهو منغمس عميقاً في الألم. ميزته أن اعماله تخاطب ذائقة معولمة تجد في مسوخه صورة مثلى للقمع الذي يعانيه الإنسان المعاصر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.