عقدت هيئة الأممالمتحدة قمةً استثنائية الأسبوع الماضي، لتقويم التزامات أعضائها تجاه مقررات «الألفية» الرامية إلى تقليص الفقر في العالم وخفض الفقراء إلى نصف أعدداهم بحلول عام 2015. ويخشى المسوؤولون في رأس هرم الهيئة وبلدان معنية، من تخاذل الجهود أمام الاحتياجات التي تطوقها الكوارث البيئية والطبيعية وتزيدها إلحاحاً، لا سيما في البلدان الفقيرة مثل باكستان. واتّفق، نهاية الأسبوع ذاته، خبراء من 75 بلداً عضواً في منظمة «فاو»، على أن ارتفاعات أسعار مواد الغذاء غير المتوقَّعة «تشكِّل تهديداً رئيساً للأمن الغذائي»، فيما تنتظر البلدان الأعضاء في هيئة الأممالمتحدة اجتماعاتها في كانون الأول (ديسمبر) المقبل، للتوفيق بين الآراء المتباينة حول معالجة التغيّر المناخي وخفض انبعاثات الغازات الضارّة التي تتسبب بكوارث على صعيد المناخ. وتتلازم اهتمامات الأممالمتحدة ومنظماتها مع الأهداف المرتجاة، سواء لناحية تأمين الغذاء أو لناحية ترويض الخلل البيئي الناتج من الانبعاثات الغازية الضارَة، لأنها تؤثر في خصب الأرض وفي إنتاجية المساحات الزراعية التي تتعرّض لكوارث. ويبدو تالياً الحد من الانبعاثات الكربونية مدخلاً إلى تجديد خصوبة التربة في العالم وزيادة إنتاجيتها. من هذا المنطلق، يربط العلم والعلماء إنتاجية كوكب الأرض بمؤشر «البصمة البيئية» أو «البصمة البيولوجية»، وتعني تحديد المساحة اللازمة من التربة ومن كميات المياه، لتأمين حاجة الفرد أو المجموعة السكانية في سنة، من مواد ضرورية يحتاجونها للعيش والحياة. وانطلاقاً من هذا المؤشر، تبلغ مساحة الأرض 51 بليون هكتار، منها 22 في المئة مساحةٌ خصبة الإنتاج توازي 12 بليون هكتار، (البقية تمثل الأنتركتيك، الصحارى، أقاليم المحيطات). وإذا وزّعت المساحة الأكثر خصباً وإنتاجية من الكرة، على عدد السكان (6.5 بليون)، لتراوحت حصة الفرد بين 1.7 و1.8 هكتار. تمثل المساحة الوسطى ل «مزرعة افتراضية»، تشمل الأرض المزروعة والغابات والمراعي وصيد الأسماك. لكن من الحكمة ألا تُهدّم إذا كان مطلوباً إبقاء مساحات للحيوانات البرية. ووضع فريق عمل ماتيس ووكرناجيل، المدير التنفيذي لهيئة «غلوبال فوتبرنت نتوورك» الأميركية، منهجاً لل «بصمة البيئية» من أجل تقويم موارد الطبيعة المستخدمة من كل شخص، أي مساحة «مزرعته»، لإنتاج غذائه، أخشابه، النسيج لثيابه، البنية التحتية لبناء بيته، وأيضاً للتخلص من نفاياته وأهمها الغازات الكربونية، التي ينتجها لدى استخدام التدفئة والانتقال والتصنيع. هذه «المزرعة» تتوسع على مساحة الكوكب، باختلاف المعايير والمساحات. ووضعت الحسابات لأكبر 150 بلداً، وأخذ في الاعتبار ما هو منتج وما هو للتصدير في كل من البلدان. ولم تحتسب الأضرار اللاحقة بالبيئة. وعلى رغم أن هذه الحسابات لم تقنع خبراء كثراً، لا يعتبرون أيضاً مؤشر التنمية البشرية ملائماً ل «البصمة البيئية»، غير أن جدّيتها مؤكدة ولا تقبل الجدل. فالبصمة البيئية ترتفع في بلدان العالم إلى 2.2 هكتار للفرد، ما يعني أن العالم يستهلك 25 في المئة زيادةً عمّا تؤمنه موارد الأرض في سنة، أي أنه يعيش بالاقتراض من موارد الأرض فيستنزفها أكثر مما يجب. بصيغةٍ اخرى يلزم للأرض سنة وثلاثة أشهر لتنتج ما يستهلكه الناس في سنة. فالبشرية تستنفد بقساوة ما تخزنه الأرض من موارد، بخاصة منذ العام 1980، نتيجة لانبعاثات غازات الكربون، التي ضُربت بصمتها البيئية بتسعة، ما يعني أنه يجب تأمين 9 مرات مساحة الأرض، لتتمكن من امتصاص انبعاثات الغازات الكربونية في 2010. وفي مقلبٍ آخر تتمثل الانتهاكات البيولوجية في الأعمال الإنتاجية الجائرة على التنوع الحيوي. وبالمقارنة، تتمكن «باخرة – مصنع» من اصطياد 100 طن من الأسماك وتهيئتها في ساعة، ما كان يستوجبه مركب من القرن السادس عشر في فصل من السنة، وهذا يعني أن البشرية استنفدت خلال القرن الماضي 20 ضعفاً من الأسماك المصطادة قبل 4 قرون. وتلفتُ دراسات وبحوث حول كيفية تفادي التلوث البيئي من اجل الحفاظ على خصوبة التربة، وصونها من الانهيارات والتفتُّت، وذلك بخفض انباعاثات غازات الدفيئة. ولاحتساب أهمية التأثير الكلي لأي منتج على البيئة، تمكن مقارنة نتائج العولمة، لا سيّما على صعيد الإنتاج الزراعي والصناعي. إذ إن المؤسسات العابرة للقارات باتت تصنّع أجزاء منتجها في بلدان مختلفة. وإذا كانت هذه المؤسسات تسعى إلى خفض تكاليفها الإنتاجية لتحقق قدرة تنافسية أكبر، إلا أنها تتسبب، من طريق نقل هذه الأجزاء إلى مصنع التجميع، بانبعاثات كربونية نتيجة حركة وسائط النقل، وغالبيتها في البحر أو الجو. حسابات، كانت للتسلية، أظهرت أن نقل تفاحة من نيوزيلندة إلى بلدةٍ بريطانية توقفت عن إنتاج التفاح ذاته، تستغرق 27 ألف كيلومتر وتستهلك 35 ضعفاً من الطاقة التي كانت متوجبة لتصنيع أسمدة لإنتاج التفاحة، أي ما يكفي إنارة لمبة كهرباء من 100 وات لأكثر من يومين. وأن إنتاج كيلو من الذرة الحلوة يكلّف لإنتاجه وتعبئته مروراً بسلسلة توضيبه وشحنه، 6500 سعرة حرارية فيما يؤمن 500 سعرة لدى استهلاكه. لذا يتابع العلماء آلية اختيارية، تهدف إلى تفضيل منتج على آخر، بتتبع بصماته منذ استخراجه من باطن الأرض وحتى نهايته، ما يعرف ب «تحليل دورة الحياة»، ويهدف إلى تحسين الاختيار الذي يخفف الضرر عن الكوكب، وينتج أفضل. لكن ماذا ستعني «البصمة البيئية» في 2050؟.