نائب أمير تبوك يرعى حفل مدارس الملك عبدالعزيز النموذجية باليوم الوطني ال 95 للمملكة    أمير الرياض يطلع على التقرير السنوي لهيئة تطوير محمية الإمام عبدالعزيز بن محمد الملكية    نائب أمير الشرقية يستقبل أمين الأحساء ويثمّن جهود هيئة تطوير الشرقية    انطلاق مزاد نادي الصقور السعودي 2025 في الرياض مطلع أكتوبر    مستشفى الدرعية ينجح في إجراء عملية معقدة لتصحيح العمود الفقري    وفاة معلمة بمدرسة طريب الثانية والصلاة عليها غدًا بعد صلاة الظهر في جامع ابن وهف        جمعية تحفيظ القرآن بطريب" تعقد اجتماعها الدوري وتصدر قرارات لتطوير أعمالها    عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة أمنية    اختتام الدراسات الأولية للشارة الخشبية لقائدات وحدات فتيات الكشافة    القيادة تهنئ الحاكم العام لبيليز بذكرى استقلال بلادها    فلكية جدة: بداية فصل الخريف غدا    رسالة المسجد في توطيد اللحمة الوطنية    آي سي يو    الأمن العام: ضوابط مشددة لصون مكانة العلم السعودي    النصر يسحق الرياض بخماسية.. الاتحاد يتجاوز النجمة.. تعادل الحزم والفتح    أخضر البادل يختتم الخليجية ب(برونزيتين)    الذهب يحقق مكاسبه الأسبوعية الخامسة عقب أول خفض لسعر الفائدة    انتخاب المملكة لعضوية مجلس محافظي «الطاقة الذرية»    جيسوس يساند لاعبه وسط الانتقادات    تعادل الحزم والفتح سلبياً    ابن زيدان يفاجئ والده ويحمي عرين الجزائر    في دور ال 32 من كأس حادم الحرمين الشريفين.. الاتفاق والتعاون في ضيافة الباطن والفيصلي    أخضر الناشئين يكسب البحرين برباعية في كأس الخليج    15 مليار ريال سوق الأمن السيبراني    تداول يواصل هبوطه الأسبوعي    خدمة رقمية لإيصال المياه للمشاريع    بحضور أمراء ورجال أعمال .. بن داوود والعبدلي يحتفلان بعقد قران عبدالعزيز    16 مليون شخص يتابعون « الشمس المكسوفة»    آل العطار يزفون أحمد ويوسف    ولي العهد.. نجم السعد    ماكرون: نعمل معاً من أجل تحقيق السلام.. ولي العهد والرئيس الفرنسي يناقشان نتائج «حل الدولتين»    بتوجيه من الملك وبناء على ما رفعه ولي العهد.. 1.3 مليار ريال دعماً لليمن    إسدال الستار على «الفضاء مداك»    إعلان الفائزين بجوائز«صناعة الأفلام»    مي كساب:«اللعبة 5» موسم مختلف    40 فعالية في احتفالات اليوم الوطني بمركز«إثراء»    صيني يدفع المال لابنته مقابل «رسالة»    حائل: وكيل وزارة البلديات يطلع على «إتمام»    395 مليون ريال لتنفيذ مشروعات تطويرية لمساجد المدينة المنورة    "الهيئة الملكية للرياض" تعالج الازدحام المروري    فعاليات في جامعة الملك خالد عن سلامة المرضى    استخدام تقنية دقيقة ومتقدمة تسهم بإنقاذ مريض مصاب في حادث سير    الصحة: 96% من مرضى العناية لم يتلقوا «اللقاح»    قلة النوم ترفع الضغط وتزيد مخاطر السكتات    المملكة تُخفّف معاناة المحتاجين    خطيب المسجد الحرام: استحضروا عظمة الله وقدرته في كل الأحوال    إمام المسجد النبوي: من أراد الهداية فعليه بالقرآن    مصر: القوات المنتشرة في سيناء تستهدف تأمين الحدود ضد المخاطر    69% تراجع بقضايا المزادات العقارية    نائب أمير تبوك يكرّم الفائزين بجائزة صيتة    اليوم الوطني المجيد والمرونة التي تحفظ الوطن وتعزز أمنه    نائب أمير منطقة القصيم يستقبل محافظ الأسياح وفريق أبا الورود التطوعي    1.380 ميار ريال دعم سعودي جديد لليمن    ولي العهد والرئيس الفرنسي يناقشان نتائج مؤتمر حل الدولتين وتفعيل الجهود الدولية    نائب أمير تبوك يكرم تجمع تبوك الصحي لحصوله على جائزة أداء الصحة في نسختها السابعة    أمير جازان يرأس اجتماع اللجنة الإشرافية العليا للاحتفاء باليوم الوطني ال95 بالمنطقة    إطلاق مبادرة تصحيح أوضاع الصقور بالسعودية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القصيدة «تصفّي» حسابها مع العالم
نشر في الحياة يوم 28 - 08 - 2010

الشعر هنا في هذا الديوان الجديد للشاعر الإماراتي عبدالعزيز جاسم «افتح تابوتك وطِر»، الصادر عن هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث – مشروع قلم، ليس أرسطياً، إلا أنه تحوير ما لمعنى الشعر عند أرسطو. فالشاعر لم يأخذ من الشروط الأرسطية القاسية الستة سوى اثنين منها ليقلبهما رأساً على عقب: التراجيديا بصفتها تعبيراً عن «الذات» التي تكتمل فرديتُها المتعالية فيما تواجه العالم، فالمصير الفردي، ثم النشيد، الذي جعل منه الشاعر إصغاء عميقاً الى الفرد الذي هو الشخصية الساردة في القصيدة لما هو خفي ويعزّ على التوصيف في تجربة مرور الإنسان بالعالم والوجود. وقد امتزج هذا النشيد بغنائية نثرية، تقوم على نَفَس سردي ملحمي/ شخصي طويل، وإحساس رفيع ومهذب بقيمة الموسيقى في النثر الفني المحض.
يدور الحديث هنا عن واحدة من أهمّ قصائد الديوان: «أوبرا لمدينة في طنجرة»، التي استغرقت خمسين صفحة من كتاب جاء في مئة وخمسين صفحة. حتى أنه، على رغم العنوان التهكّمي أو غير الموفَّق للقصيدة، إلا أنها تتجاوز منطق الجغرافيا وحدودها الشعرية لتحلّق في الفضاء الواسع للغة العربية، ثم لتضيف الى المنجز المهم لقصيدة النثر العربية ما وسعها أن تضيف.
يشعر القارئ أن القصيدة تقوم على بنية موسيقية نثرية بالتأكيد، لكنّ قراءتها في «عزلة مضاءة» تجعل من هذه البنية الموسيقية متخيَّلة ومختلفة باختلاف إعادة القراءة وعاداتها لدى القارئ الفرد، لكنّ هذا الأمر بدا ذكياً أيضاً في المعنى التّقني لكتابة القصيدة وتقطيعها إلى بنية نصية تقوم على «دو ري مي فا صو لا سي»، إنما ليس على الترتيب، فمنها ما هو محذوف تماماً ومنها ال «لا» التي يصرّ عليها الشاعر أكثر من مرة لتأخذ بالتالي تأويلات من نوع آخر وبصوت آخر حيث تكون «الذات» ذاتاً واحدة مرّةً لتنشطر إلى «ذوات» أخرى عدة كأنما هي جوقة في الصوت وصداه، أو لتتوارى «الذات» خلف ضمير الغائب.
وسابقاً على ذلك، وربما تالياً عليه في الوقت نفسه، يعني هذا الأمر، أنّ يتقصّد الشاعر كتابة قصيدته بالنثر؛ وألا يتخيّل ثم لا يفكّر فيبني مشهداً شعرياً إلا بالنثر. هذا ما يفعله عبدالعزيز جاسم في هذه القصيدة، لكنّه يجعل السرد دائماً محمولاً على تمظهراته السردية / الحكائية، وليس على حكاية ما في حدّ ذاتها، من ذلك النوع من قصيدة النثر العربية التي تبدأ الحكاية فيها من النقطة ألف لتنهتي في النقطة ياء ضمن تسلسل منطقي شعري للحكاية. الشاعر هنا يقف مع القارئ والذات الساردة بتنويعاتها في بؤرة واحدة هي «أفق التلقي» الذي يجعل لكل من الثلاثة قراءته الخاصة وفقاً لتجربته الشخصية التي قد تكون خفية أو موارِبة أو كامنةً في مكان ما من «النفْس». إنما هم جميعاً ثلاث شخصيات «شعرية» تقف معاً في مرآة المرئي / اللامرئي الواحدة.
غير أن الشعر في القصيدة، في جوهره المخاتل، ليس سوى تصفية حساب عميقة مع الألم والذات والعالم: «كان يقف في غياب روحه؛ روحه التي هي وجه نوح في الطوفان. يفترس سأمه ويرمي بعظامه للقرف الذي يعوي».
تقوم هذه القصيدة «أوبرا لمدينة في طنجرة» أساساً على أنّ الحياة هي تجربة إنسانية مخيضة فيها اختلاط مصائر بمصادفات ثم اصطدام روح بكتل إسمنتية صلبة وقوى غامضة تسعى بدأب إلى قذف كل ما هو متفرد بذاته وكينونته إلى خارج المجرة ذاتها، لا العالم فحسب. وهذا كلّه من غير الممكن إدراكه، أو الإمساك به إلا عبر تجريد تجربة القارئ لتجربته الإنسانية الذاتية إلى خطوطها الأولى وعناصرها الأساسية المكوِّنة لها في تقاطعاتها مع تجربة الذات الساردة، على جاري عادة الانطباعيين الأوائل.
ليس الغموض هو الجذر الكامن في أصل هذا الشعر بل خليط القلق والحزن من ذلك النوع الذي يورِث صراخاً يأخذ شكل الرغبة ببوح صامت... غير أن التحديق فيه، وقراءته بطريقة مائلة، يجعلانه يقول شيئاً ما يدركه كل قارئ بحسبه. لأنه شعر مراوغ ومُتطلّب ويستدعي القراءة لأكثر من مرة، أي يستدعي أن يخوض المرء أكثر من تجربة جمالية مع هذا القول الشعري لإدراك خصوصيته بسبب هذا التدفق في الصور وغزارة إنتاجها شعرية ما، ربما تكون شعرية الألم بامتياز، بل شعرية ندم ما أيضاً.
أيضاً يستفيد عبدالعزيز جاسم في قصيدته، مثلما في قصائد أخرى كثيرة في الكتاب، من المنطق الشعري للأسطورة القديمة السابقة على الديانات التوحيدية: «لحاظُكَ يا حور. أذرعتكَ الصلبة يا سنديان. شَعرك الشُهُبيُّ يا شِربين. أفخاذك الملساء يا صندل. قلبُك الفيّاض يا أرز. حليبك يا دردار. وأنت يا بلوط، احفظ ما تبقّى منا في رحمكَ الخشبي!».
القصيدة ذهاب ومجيء لذات تتجول في أرجاء متعددة من التاريخ، أكثر مما هو بين ماض وحاضر، لكن الاختصار أو التجريد هو الذي يمحو الحدود الدالة على أيٍ منهما. أيضاً، وعلى مستوى تقنية كتابة قصيدة النثر، فإن من الواضح أن لدى الشاعر عبدالعزيز جاسم مسعى ما، لا إلى تطوير أدواته الشعرية الخاصة وحدها، بل إلى الإسهام في تشكيل وعي مختلف بقصيدة النثر عربياً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.