مجلس الأمن يدين هجوم قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر السودانية    ضمك يتعادل مع الفتح في دوري روشن    سبب استبعاد سافيتش من لقاء الهلال والشباب    أمير منطقة القصيم يرعى انطلاق منافسات "باها القصيم تويوتا 2025"    المملكة تنهي معاناة لاجئ سوري في الأردن بزراعة جهاز تنظيم ضربات القلب    تطبيق الدوام الشتوي في مدارس الرياض ابتداءً من يوم الأحد المقبل    البرلمان العربي و«بارلاتينو» يدعوان إلى محاسبة الاحتلال ودعم إعادة إعمار غزة    وزير الحرس الوطني يستقبل القائم بالأعمال في سفارة أميركا    اتفاقية تعاون بين مجموعة فقيه للرعاية الصحية ومجلس الضمان الصحي لتعزيز جودة الرعاية    تركي بن محمد بن فهد يزور محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية    إنزاغي: لعبنا خمس مباريات خلال 15 يوماً    نائب أمير مكة يستقبل نائب الرئيس الصيني ويبحثان تعزيز التعاون المشترك    فيصل بن فرحان ووزير خارجية أوروغواي يبحثان المستجدات الإقليمية والدولية    " الحمدي" يزور مركز نوفا الصحي بجازان ويشيد بالخدمات النوعية في مجال التغذية العلاجية    3 % ارتفاع الطلب العالمي على الذهب    موجودات المركزي السعودي ترتفع إلى 1.93 تريليون بنهاية سبتمبر    "إثراء" يطلق معرض "صدى المألوف" لاستحضار الذاكرة والحنين للماضي بعدسة الفن المعاصر    90 طالبًا وطالبة من "الجمعيّة الأولى " يتدرّبون على الموسيقى في المركز السعودي بجدة    الديوان الملكي: وفاة الأمير خالد بن محمد بن تركي آل سعود    أمير تبوك يستقبل عضو مجلس الشورى الدكتور عطية العطوي    جامعة أمِّ القُرى تنظِّم منتدى المجلس الاستشاري الدولي تحت شعار: "رؤى عالميَّة لمستقبل رائد"    جامعة أمِّ القرى تستعرض تجربتها في ملتقى التَّميُّز المؤسَّسي في التَّعليم الجامعي    أمير منطقة جازان يستقبل الرئيس التنفيذي لشركة المياه الوطنية    مفتي عام المملكة يستقبل أعضاء هيئة كبار العلماء    إطلاق اسم الأمير خالد الفيصل على مركز الأبحاث ومبنى كلية القانون بجامعة الفيصل    تجمع المدينة يطلق أول مختبر للرعاية الأولية في المملكة    لندن تحتضن معرضا مصورا للأميرة البريطانية أليس خلال زيارتها للسعودية عام 1938    دراسة: نقص الأوكسجين يعطل جهاز المناعة ويزيد مخاطر العدوى    حسين بن عايض آل حمد في ذمة الله    سد وادي بيش.. معلم مائي واستراتيجي في جازان    وزير "الشؤون الإسلامية" يُدشِّن مشاريع بأكثر من 74 مليون بمنطقة الباحة    الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للمملكة ينمو بمعدل 5.0%    فيرتكس ووزارة الصحة السعودية توقعان مذكرة تفاهم لتعزيز رعاية مرضى اضطرابات الدم    منافسات بطولة العالم للإطفاء والإنقاذ تتواصل في الرياض    دور قيادي للمملكة في دعم سوريا وتعافي اقتصادها    بعد سحب القرعة.. مواجهات قوية في ربع نهائي كأس خادم الحرمين الشريفين    رونالدو بعد أول خسارة: نتعلم مما حدث ونمضي للأمام!    أكد الدور الاقتصادي للشركات العائلية.. وزير الاستثمار: 3 تريليونات دولار قيمة سوق المال السعودي    تكريم الإعلاميين وطلاب الجامعة ومرشدي السياحة في جدة    الثقافة تقبل 10 باحثين ضمن منحة الحرف    وسط تصعيد عسكري وتحذيرات من الرد على أي خرق.. إسرائيل تعلن استئناف وقف النار في غزة    «شرطي» يقتل زوجته السابقة وينتحر    أمريكا تؤكد تمسكها بوقف النار    أفراح الصعيدي وبالعمش    كسوف كلي يظلم العالم عام 2027    مختص: «السماك» يزين سماء السعودية ل13 يوماً    "الخدمات الطبية" بوزارة الداخلية تستعرض تجربة صحية متكاملة لخدمة ضيوف الرحمن في موسم الحج    المرافق العامة مرآة الوعي    العطاء فطرة سعودية    مركز التميّز للعيون.. نموذج وطني متكامل    إنزال الناس منازلهم    تدشين موقع الأمير تركي الفيصل.. منصة توثيق ومساحة تواصل    برعاية وزير الثقافة.. "روائع الأوركسترا السعودية" تعود إلى الرياض    إسرائيل تعلن استئناف وقف النار وحماس تتهم واشنطن بالانحياز    دارفور تتحول إلى مركز نفوذ جديد وسط تصاعد الانقسامات في السودان    أمير جازان يستقبل مواطنا تنازل عن قاتل والده لوجه الله    هيئة الأمر بالمعروف بجازان تفعّل معرض "ولاء" التوعوي بمركز شرطة شمال جازان    أمير منطقة تبوك يستقبل مدير الأحوال المدنية بالمنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«فتاة الوشاح الأحمر» لجي لي يانج ... ضد الثورة الثقافية
نشر في الحياة يوم 22 - 06 - 2010

تتّخذ الكاتبة الصينيّة جي لي يانج من التاريخ حاضناً رئيساً لسرد روايتها «فتاة الوشاح الأحمر»، (هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث، 2009، ترجمة: فرج الترهوني)، حيث تقدّم روايتها السيريّة، وتبوح بما اختزنته ذاكرتها من سني الثورة الثقافيّة في الصين التي تعرف رسميّاً بالثورة الثقافيّة البروليتاريّة العظمى، وهي الحركة الاجتماعيّة والسياسيّة العنيفة التي سادت الصين خلال عامي 1966 و1967. وكان الزعيم ماو تسي تونغ أطلق تلك الثورة للتخلّص في الغالب من التأثّرات المعادية للشيوعيّة، ولكن تبيّن في وقت لاحق - بحسب الكاتبة - أنّه أطلق العنان لهذه الثورة من أجل حماية موقعه السياسيّ. تصوّر جي لي التي تعيش في أميركا، والمولودة في شنغهاي عام 1945، كيف كانت تحلم بمستقبل مشرق عندما أطلق الزعيم ماو تسي تونغ ثورته الثقافيّة، ثمّ كيف أنّ التغيير طاول كلّ شيء، أصبح الذكاء جريمة كالسيرة الخاصّة بالعائلة إن كانت ميسورة الحال. كما تتحدّث عن معاناتها ومجايليها أثناء تلك الثورة، تسرد تاريخ عائلتها التي تشكّل عيّنة تدلّ على أمثالها، تحاول أن تحيّد مشاعرها وهي تروي الكثير من الوقائع والمجريات، لكنّها تصرّح في أكثر من موضع بعدم مقدرتها على ذلك تماماً، لأنّ المرارة التي خلّفتها تلك الأيّام في حياتها لا يمكن تناسيها، وعلى رغم ذلك نجدها تلجأ إلى التحليل الموضوعيّ التاريخيّ، تحلّل بواقعيّة وتحايد المدوّن المؤرّخ مع عدم تخلّيها عن البوح والأنين المشاعريّ المأسويّ.
تبرز جي لي بالشواهد كيف أنّ تلك الثورة حاولت محو ذاكرة الناس، سعت إلى تحطيم كلّ ما يتعلّق بما وصفته بالأفكار البالية، والثقافة القديمة، والعادات القديمة، والمفاهيم القديمة، تحت ستار بناء الدولة الحديثة وتقويتها. كما تصوّر كيف أنّ الصراع الدامي كان يشتد عنفاً يوماً بيوم، يتّخذ الألوان شعاراً مميّزاً، حيث كان الأسود يشير إلى اللون المعادي للحزب الشيوعيّ، بينما الأحمر هو رمز الشيوعيّة، ونُظِر الى الأسود باعتباره مضادّاً للأحمر، وبالتالي استخدم كرمز لمناهضي الشيوعيّة، ومن ثمّ تحوّل إلى نعت سلبيّ المحتوى. فأن يقال عن عائلة ما إنّها سوداء، أي أنّها تنحدر من جذر إقطاعيّ أو برجوازيّ، يعني أنّها ستبقى مغضوباً عليها، ويكون أبناؤها عرضة للملاحقة من الثوريّين، إلاّ مَن يثبت منهم ولاءه للزعيم والثورة، بتخلّيه عن عائلته، وقطع صلاته معها، والشهادة ضدّها إذا استلزم الأمر... ولا تخفي جي لي تلك الرغبة التي كانت تتآكلها لتنضمّ إلى «الحرس الأحمر»، الذي كان منظّمة شبه رسميّة تكوّنت من طلبة الثانويّة والجامعات الذين أتوا من عائلات حمراء أو الذين أثبتوا على رغم كونهم غير حمرٍ أنّهم ثوريّون، وكانوا الداعمين الأساسيّين للزعيم ماو وطليعة الثورة الثقافيّة، لكنّ رغبتها لم تتحقّق بسبب ماضيها الأسود، لأنّ جدّها كان من ملاّكي الأراضي. ثمّ تستعرض بعضاً من ممارسات «الحرس الأحمر» في الإساءة إلى الطلبة والتنكيل بالمعلّمين، حيث باتت لهم اليد المطلقة في المدن، يعيثون فيها فساداً، ينهبون مَن ينهبونهم بحجج واهية كمناهضة الثورة أو الرجعيّة، يجبرونهم على الاعتراف بما لم يرتكبوه من جرائم، يمثّلون بهم أمام الناس، كي يجعلوهم عبرة لغيرهم. كانت حمّى الثوريّة تجتاح البلد، من دون أن يجرؤ أحد على تشخيص العلل أو الإشارة إليها، لأنّ التهم جاهزة، والجزاء مستعجل ومباشر في المحاكم الميدانيّة الصوريّة.
تؤكّد الكاتبة أنّ اعتقادها باء بالفشل، حين كانت تلك الفتاة الصغيرة بالوشاح الأحمر، تحلم بأنّها ستحقّق النجاح دائماً في كلّ المجالات، لأنّ الوقائع خيّبت آمالها، وقد أخبرها الثوريّون أنّها قد تنجح في إعادة التأهيل وتصبح قابلة للتطهير ممّا يعلق بها ويشوّهها من تاريخ ملعون. كانت ترى التلاعب بالمصائر والبلاد، ترى الظلم الذي يرتكَب بحقّ عائلتها اقتصاصاً من جدّ لم يكن لها رأي في اختياره، رأت والدها الممثّل المسرحيّ الموهوب يُلقَى في السجن ذليلاً، لتجد نفسها أمام أصعب خيار: إمّا التبرّؤ من عائلتها والتخلّي عنها، أو رفض الإدلاء بشهادتها ضدّها والمخاطرة بمستقبلها في حزبها. كما رأت جدّتها تهان حين تُرغَم على تكنيس الشارع مرّتين في اليوم، رأت جيرانها يهانون ويُسحَقون لأتفه الأسباب، كالعجوز تيان الذي رفض إعطاء درّاجته ل «الحرس الأحمر» فاتّهموه بمعاداة الثورة، وأجبروه على الجثو على ركبتيه، لحين إنهاكه.
ومع تقدّم الكاتبة في العمر وانتقالها إلى الولايات المتّحدة، ومهما فعلت، وحيثما ذهبت، ظلّت ذكريات حيّة من طفولتها تثب دائماً إلى مخيّلتها، وبعدما أمعنت التفكير في تلك الفترة، رغبت في القيام بشيء لتلك الفتاة التي كانتها، ولكلّ الأطفال الذين فقدوا براءة الطفولة كما فقدتها، فألّفت كتابها الذي تحدّثت فيه عن تجاربها كما حدثت بين الثانية عشرة والرابعة عشرة من عمرها، قدّمت عائلتها كما هي تماماً... ولكن لأغراض حماية خصوصيّة الأصدقاء والجيران المذكورين في هذه القصّة، غيّرت أسماءهم وبعض تفاصيل قصصهم. بهذا تمارس لعبة الوهم والإيهام، فتمزج التاريخ الشخصيّ بالوطنيّ، وتمحو الفواصل في ما بينهما، لتقدّم الرواية تاريخها الخاصّ، الذي يدين السلوكيّات الشائنة التي وصمت مرحلة الثورة الثقافيّة، وشكّلت منعطفاً خطيراً في تاريخ الصين الحديث، بالموازاة تدوّن سيرتها، لتكون رسالة إدانة لمرحلة وشمت حياتها وعائلتها بالمرارة والمهانة والإذلال.
كما أنّها تصرّح بشموليّة التزييف الذي ارتكب في حينه، إذ تقول إنّ الناس لم يفيقوا من غفلتهم إلاّ بعد موت الزعيم ماو عام 1976، حين عرفنا أنّ الثورة الثقافيّة برمّتها كانت جزءاً من صراع على السلطة في الصفوف العليا للحزب. ثمّ بكثير من الألم تكشف كيف أنّ قائدهم استغلّ إخلاصهم وثقتهم به للتلاعب بالبلد. لكنّها تعود إلى المنطق، لتسرد الدروس المستقاة من تلك التجربة الأليمة، حين تقول: «ويظلّ الدرس الأكثر ترويعاً الذي تعلّمناه من تلك الثورة الثقافيّة هو: أنّه من دون منظومة قانونيّة متماسكة، في إمكان مجموعة صغيرة بل وحتّى شخص واحد أن يسيطر على البلد بأكمله، وهذا القول ينطبق على ذلك الزمن كما يصحّ في وقتنا الحالي تماماً».
تسعى جي لي في كتابها إلى تركيز مساعيها في تعريف الصينيّين والأميركيّين ببعضهم بعضاً، لتشعر بأنّها تساهم بنصيبها من الواجب إزاء بلدها الصين وموطنها أميركا. وتأمل أن يساعد كتابها في ردم الفجوة وتجسير الهوّة بين البلدين كما تسعى لإظهار جانب أسود معتَّم عليه، كي لا يتكرّر ما سلف، ويكون عبرة مؤلمة تنبغي الاستفادة منها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.