تسود المنطقة أجواء الترقب والهدوء الحذر، على رغم الحراك الجاري لإيجاد حل للملف النووي الإيراني بتوافق مبدئي إيراني - تركي - برازيلي. فالولاياتالمتحدة تتعامل مع إيران بسياسة العصا والجزرة من أجل التوصل إلى حل، يلزم إيران التخلي عن برنامجها لإنتاج السلاح الذري وحصر نشاطها النووي بإنتاج الطاقة تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والابتعاد عن التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، والتوقف عن إمداد حركات المقاومة في لبنان وفلسطين بالأسلحة والمعدات العسكرية. ويحافظ الحل المطلوب على المصالح الأميركية في المنطقة خصوصاً في دول الخليج المصدر الرئيس للنفط لها ولمجمل الدول الصناعية، في مقابل مراعاة الولاياتالمتحدة الطموحات الإيرانية المعقولة في الحفاظ على موقعها المؤثر في المنطقة بما لا يتعارض مع مصالحها ولا يشكل تهديداً لأنظمة دول المنطقة وأمنها واستقرارها، ومساعدتها في برنامجها النووي السلمي لإنتاج الطاقة، وتخفيف الحصار الاقتصادي عنها، والسماح للدول الغربية بالانفتاح عليها، وتقديم التسهيلات لها من أجل ترميم بنيتها النفطية التحتية وإقامة مصافي تكرير حديثة ما يؤدي إلى زيادة إنتاجها من النفط وتكريره في مصافيها المستحدثة، ما يجعلها تستغني عن استيراد البنزين من الخارج. وتتهيأ الولاياتالمتحدة لممارسة سياسة العصا تجاه إيران في حال فشل الحراك الجاري وسياسة الجزرة، وذلك بفرض عقوبات اقتصادية قاسية عليها، سيكون تأثيرها كبيراً على الشعب الإيراني الذي ستزداد معاناته الحياتية أكثر مما هي عليه الآن. وتحاول الولاياتالمتحدة منذ أشهر إقناع الدول الأعضاء في مجلس الأمن، خصوصاً روسيا والصين صاحبتي حق النقض للموافقة على العقوبات المقترحة، لكنها تتعرض في مسعاها إلى بعض الصعوبات نتيجة المصالح الاقتصادية الكبيرة للدولتين مع إيران. فالصين تعتمد في شكل رئيس على وارداتها النفطية من إيران، وهي غير مستعدة للتجاوب مع العقوبات الأميركية المقترحة وتعريض صناعاتها المزدهرة وبالتالي اقتصادها المتألق إلى التدهور والانهيار. وتستغل الصين تدهور القطاع النفطي في إيران نتيجة مقاطعة الشركات النفطية الغربيةلإيران وعدم إيفائها بتعهداتها السابقة بتحسين هذا القطاع، بالعمل على الحلول مكانها والتنقيب على النفط والغاز وبناء مصافي تكرير جديدة، وتتعدى الاستثمارات الصينية المقترحة لهذا المضمار بلايين الدولارات. ومع هذا فإن الصين تخشى من حيازة الجارة إيران على القنبلة الذرية واحتمال دعمها للحركة الانفصالية التي تقودها الأقلية المسلمة فيها. لذا، فإنها تتعامل مع ملف العقوبات بحذر، ولا تعترض على قرار دولي بفرض عقوبات معقولة لا تؤثر على الأوضاع المعيشية للشعب الإيراني ولا على النظام القائم في طهران. وتعترف الولاياتالمتحدة بالصعوبات التي تواجهها لدى بعض الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الذين بحوزتهم حق النقض، وتحاول بديبلوماسية متواصلة تمتد إلى نهاية الشهر المقبل، تتخللها تنازلات ووعود بتبادل مصالح، حضهم على تأييد العقوبات المقترحة. ولا تبشر التقارير الإعلامية بنجاح اتصالاتها، ما سيؤدي في نهاية المطاف إلى تبني مجلس الأمن عقوبات غير مجدية ضد إيران، لن يكون لها تأثير على قرار إيران في متابعة برنامجها النووي. ونتيجة لذلك، فإنه من المتوقع أن تتخذ الولاياتالمتحدة والدول الأوروبية إجراءات إضافية ضد إيران منها فرض حصار اقتصادي قاسٍ ضدها، قد لا يؤدي إلى الغاية المرجوة منه في المدى المنظور. ويشتد «الكباش» السياسي بين الولاياتالمتحدة ومجمل المجتمع الدولي من جهة وبين إيران ودول الممانعة من جهة أخرى، ويحاول كل فريق فرض الحل الذي يرتئيه مناسباً له على الفريق الآخر، معتمداً على الأوراق الإقليمية التي يمسكها في يده. فالولاياتالمتحدة تمسك بورقة العقوبات الاقتصادية القاسية وإن اضطرت إلى تطبيقها لوحدها مع حلفائها الأوروبيين، كما في استطاعتها إشاعة الاضطرابات وعدم الاستقرار في الساحة الداخلية الإيرانية، من خلال دعم المعارضة وتحريك المناطق التي تسكنها إتنيات غير فارسية وطوائف غير شيعية المهيأة للانتفاضة ضد الحكم الحالي لما تعانيه من إذلال وتهميش. ويبقى استعمال القوة العسكرية ضد إيران الحل الذي ستلجأ إليه الولاياتالمتحدة أو حليفتها إسرائيل في حال فشلت العقوبات في ردع إيران عن متابعة برنامجها النووي العسكري. وسيؤدي التدخل العسكري الأميركي إلى تدمير البنى التحتية المدنية والعسكرية ومرافقها العامة وإلحاق أذى كبير بالشعب الإيراني، لكنه سيؤدي أيضاً إلى انغماس القوات العسكرية الأميركية في حرب مع دولة ثالثة إضافة إلى أفغانستان والعراق، واحتمال تفجير المنطقة بما يصيب حلفاءها ويهدد وجودهم، واحتمال تدمير حقول النفط وإقفال ممراته المائية والبرية ما يؤثر سلباً على الاقتصاد العالمي. وتستهين إيران بالأوراق الأميركية لاعتقادها أن الولاياتالمتحدة ليست في وارد المغامرة العسكرية، وقواتها المنتشرة في العراق وأفغانستان على مرمى من نيرانها ونيران الميليشيات المحلية المؤيدة لها، ما يضعها في مصيدة ويعرضها إلى أخطار جسيمة وكذلك الرعايا الأميركيين المنتشرين في العالم. ويصبح الانسحاب العسكري الأميركي من العراق أكثر صعوبة إن لم يكن مستحيلاً في حال جاءت العملية العسكرية قبل الانسحاب أو خلاله. كما أن أوضاعها المالية لا تشجع على شن حرب جديدة يرفضها الشعب الأميركي. أما إسرائيل فإن بنيتها التحتية المدنية والعسكرية ستتعرض كما أعلن نائب الأمين العام ل «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم لصواريخ الحزب في حال الهجوم على إيران، غير آبه بما قد يصيب لبنان من كوارث بشرية ومادية نتيجة اشتراك الحزب في حرب الآخرين. ويستنتج من كل ذلك أن المنطقة مقبلة على تطورات خطيرة في حال بقيت إيران على تصلبها وعجرفتها، غير مكترثة بالمجتمع الدولي المعارض لتصرفاتها والمناهض لبرنامجها النووي، وغير مبالية بما قد يصيب شعبها من كوارث وأزمات، وهي تتصرف كبقية دول العالم الثالث من منظار رؤية القيادة السياسية لمصالحها الخاصة وليس من منظار المصلحة الوطنية العليا. * كاتب لبناني