فلتعل التحية إجلالا وإكبارا لرجال الأمن البواسل    التضامن الإنساني من القيم إلى صناعة الاستقرار    نتنياهو أمام فضيحة التهرب من المسؤولية وتفاقم عنف المستوطنين    تصعيد عسكري واسع بين موسكو وكييف    الشباب يتعثر بالتعادل مع الريان    لبنان ينفي أي صلة للجيش اللبناني بحزب الله بعد الضربة الإسرائيلية    الخارجية الروسية: لافروف يستقبل نظيره السوري    نائب وزير الحرس الوطني يدشّن الشعار الجديد لطيران الحرس الوطني    مدرب توتنهام يدعم فان دي فين بعد تدخله على إيساك    روضة مهنا تتحول إلى بحيرة طبيعية    مجلس الشورى يطالب جامعة الجوف بمراجعة سياسات القبول لدعم فرص أوسع بالبكالوريوس    أمير حائل يستقبل وفد منظمة الصحة العالمية    مسارات خاصة لكبار السن وذوي الإعاقة في المسجد الحرام    بيئة عسير تطلق المرحلة الأولى من مبادرة تمكين    FIFA يرفع عقوبة النصر    المملكة ترحب بالاتفاق الذي وُقّع عليه في مسقط لتبادل الأسرى والمحتجزين في اليمن    "الشؤون الإسلامية" تنفّذ ورشة تدريبية حول توظيف الذكاء الاصطناعي في خدمة المنبر والخطابة    المملكة تسجل رقمًا قياسيًا في "غينيس" ب 95 طنًّا من البذور الموسمية    برعاية سعودية.. توقيع اتفاقية لتبادل 2900 أسير في اليمن    تعديل نص المادة 58 من اللائحة التنفيذية لنظام مراقبة شركات التأمين التعاوني    زين السعودية تعلن شراكة استراتيجية مع بنك التنمية الاجتماعية    جدة تستضيف نهائيات دوري أبطال آسيا للنخبة 2026    عندما تنمو الصناعة ينمو الوطن    غرفة شركات السياحة تشيد باجتماع وزارتي السياحة والحج    الأفواج الأمنية بجازان تقبض على شخص لترويجه نبات القات المخدر    أمير الرياض يرعى الاثنين المقبل حفل الزواج الجماعي التاسع بجمعية "إنسان"    أمير الجوف يرأس اجتماع اللجنة العليا لدعم تنفيذ المشاريع والخدمات للربع الثالث 2025    أمير المنطقة الشرقية يستقبل سفير جمهورية باكستان الإسلامية لدى المملكة    نائب وزير الخارجية يستقبل سفير جمهورية فرنسا لدى المملكة    الجولة 13 تنطلق الأربعاء.. الإثارة متواصلة في دوري يلو    كونتي بعد التتويج: تجربتنا في السعودية رائعة.. ومدينة نابولي سعيدة بهذا اللقب    المدينة المنورة تحتضن افتتاح مركز الأمير محمد بن سلمان العالمي للخط العربي    أصدرت أمانة منطقة تبوك، ممثلةً في وكالة التراخيص والامتثال    جامعة الأميرة نورة تفتح باب التسجيل في برنامج التسجيل المزدوج لطالبات الثانوية    تجمع تبوك الصحي ينجح في إجراء عملية تغيير مفصل الركبة    ضوء النهار يضبط مستويات الجلوكوز في الدم لدى مرضى السكري    مفردات من قلب الجنوب 34        تخريج دفعة جديدة بمعهد الدراسات للقوات الجوية بالظهران    افتتاح المتنزه سيشكل نقلة نوعية.. الداود: القدية وجهة عالمية للترفيه والرياضة والثقافة    أمير المدينة يشيد بدور مجلس التمور    الوقت كالسيف    ب "علينا"… علي عبدالكريم يستعيد عرش الأغنية الطربية    استعراض التخلي    الذكريات.. أرشيفنا الذي لا يغلق    الاستعداد للامتحان    الكلام    «نسك حج» المنصة الرسمية لحجاج برنامج الحج المباشر    «النيابة»: يحظر ترك الحيوانات خارج الأماكن المخصصة لها    أكد الالتزام بمرجعيات المرحلة الانتقالية.. العليمي يدعو المجلس الانتقالي لتغليب الحوار    أوميغا- 3 والحوامل    18 ألف جنيه إسترليني تعويضاً عن ركل سائح    «التخصصي» يحقق جائزة «أبكس» للتميز    أمير جازان يستقبل رئيس جامعة جازان الدكتور محمد بن حسن أبو راسين    انطلاق تصفيات مسابقة الملك سلمان لحفظ القرآن في جازان    «الشؤون الإسلامية» في عسير تنفذ 30 ألف جولة رقابية    إنفاذاً لأمر خادم الحرمين الشريفين.. وزير الدفاع يقلد قائد الجيش الباكستاني وسام الملك عبدالعزيز    إنفاذًا لأمر خادم الحرمين الشريفين.. سمو وزير الدفاع يُقلِّد قائد الجيش الباكستاني وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الممتازة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل يساهم الرسامون في تراجع العالم العربي؟
نشر في الحياة يوم 15 - 05 - 2010

تلقي ازمة الرسم في العالم بظلالها على مصير الرسم في العالم العربي.
فعلى رغم أن الرسم باعتباره نوعاً فنياً رئيساً تم استبعاده من أهم التظاهرات الفنية في العالم بحيث صارت تلك التظاهرات تركز على الفنون الجديدة (المفاهيم، الأداء الجسدي، الحدث، الانشاء والتركيب، المواد الجاهزة، الارض، الاعلان وسواها من فنون ما بعد الحداثة)، فإن المشهد الفني العالمي لا يخلو من رسامين جدد لا يزالون يقاومون من أجل أن يؤكدوا أن الرسم لم يفقد مبررات وجوده تماماً.
ولا يزال في امكانه أن يهبنا لحظات جمال استثنائية. هناك علامات بارزة في هذا المجال يشكل وجودها دعماً لكل مسعى في اتجاه التذكير بعظمة الرسم. أذكر بإعجاب تجارب (انسليم كيفر، بيير كركبي، جورج بازاليتس) وهناك أيضاً رسامون شباب لا تتجاوز أعمارهم الثلاثين سنة يكافحون في سبيل خلق رسم جديد، مختلف، يؤكد قدرته على التماهي مع مزاج العصر الثقافي.
لكن حين ننعم النظر نقدياً في تجارب الرسامين العالميين الكبار ومن تلاهم من الرسامين الأصغر سناً، لا بد من أن نلاحظ أمراً في غاية الأهمية: إنهم ينتجون رسوماً لا تعود بنا إلى الوراء، رسوماً لا تنتمي إلى عالم الحداثة الذي استلهم الرسم مبادئه في القرن العشرين. فكل الخبرات البصرية والتقنية وحتى الفكرية التي تستند إليها تلك الرسوم هي خبرات مستحدثة، إن لم نقل إنها مستلهمة من مختبر الفن ما بعد الحداثوي.
وهذه الصفة تكفي مبرراً لوجود الرسم في عصر أزاح الفنون التقليدية عن عروشها. هناك اليوم في العالم رسم جديد، رسم يدافع عن حقه في البقاء ولكن ليس من طريق الإصرار الاعمى على ذلك الحق، بل من طريق فهم التحديات التي تواجهه واستيعاب الصدمات والنفاد من خلال الثغرات المناسبة إلى المتلقي.
فعلى سبيل المثل فإن كيكي سميث وتريسي امين وغادة عامر لا يكففن عن عرض الرسوم في مناسبات مختلفة، ولكنها رسوم لا تذكرنا بما مضى من روائع الرسم. إنها رسوم تحاكي حياة يومية زائلة وسريعة قُدر لها أن تكون ميزاناً للجمال. في المقابل، فإن الرسام العربي لا يزال هو الآخر مصراً على الدفاع عن ضرورة الرسم، لكنه لا ينظر إلى المسألة من جهة ما تعنيه من وجود مصيري مهدد.
لذلك يمكنني القول إن الرسام العربي وهو يحرث أرضاً سبق لها أن حرثت مئات المرات إنما يمنع عيني المتلقي من رؤية حقائق عصرنا المتغيرة. هناك اليوم الكثير من الرسوم في عالمنا العربي هي من النوع الذي يساهم في التضليل وحجب الحقيقة، بل ويكرس التخلف الثقافي. وهي في ذلك انما تتخذ موقفاً معادياً للإنسان في نزعته إلى التقدم. لنرى إلى بعض ما يجري في هذا المجال.
نغفر للرسامين العرب المقيمين في بلدانهم انقطاعهم عن متابعة تحولات الفن الكثيرة في العالم. فهم يعيشون نوعاً استثنائياً من العزلة لم يعد مقبولاً في كل انحاء العالم. لكنّ ذلك الانقطاع لا يمكن قبوله لدى رسامين عرب يقيمون في قلب أوروبا.
في الامس القريب اقام رسام عربي مغترب لثلاثين سنة عن بلاده معرضاً لرسومه في عمان. كانت تلك الرسوم مستخرجة من تجارب رسامين عرب انجزت قبل أكثر من ستين سنة. تجارب تعتبر اليوم من مخلفات التاريخ الحداثوي في العالم العربي. قيمتها التاريخية مؤكدة، غير أنها كفت عن الحراك منذ ذلك الوقت، بعدما تأسست عليها ومن خلالها تجارب فنية أكثر نضجاً وأشد ارتباطاً بالعصر وتحولاته. بأي منظور يمكننا أن نقيم تجربة ذلك الرسام الذي قرر أن يركب آلة الزمن وحده ويعود برسومه ستين سنة إلى الوراء؟ في اقل الحالات قسوة يمكننا أن نفكر بالحنين.
لكنه حنين ساذج وفاجع وفقير. وفي الوقت نفسه علينا أن ننصف المتلقي العربي، المتلهف لرؤية رسوم ينجزها رسامون عرب مقيمون في قلب التحول الثقافي العالمي لتنقذه من جحيم التقليد والتكرار والاستفاضة الفولكلورية التي صار الرسامون العرب يلهجون في مديحها بروح استشراقية. من حق المتلقي العربي أن يحلم برسم جديد، يقوي خط دفاعه عن المعنى الحقيقي للفن وسط حياة غرقت في مستنقع الاستهلاك العصري من غير أن تمتلك سبباً واحداً للاستمرار في البقاء. «أعيد اليكم بضاعتكم القديمة»، حال الرسام العائد من غربته تقول ذلك وأسوأ. شيء عظيم من الاستخفاف بثقافة المتلقي العربي تشف عنه تلك المحاولة. ينتظر المتلقي شيئاً آخر. وهو الشيء الذي لم يستوعب ضرورته الرسام الذي ظن أنه من خلال عودته إلى خمسينات القرن الماضي سيستولي على عاطفة المتلقي. وهي عاطفة متشظية، ممهورة بذكريات خراب لا يمكن أن تجد لها صدى في ما مضى من الأيام الخوالي.
في أسواق الخليج ثمة أنواع متقدمة جداً من الهواتف النقالة، هي من انتاج السويد، لكن زائر السويد لا يراها في الأسواق السويدية. الشركات تدرس جيداً أحوال السوق الذي تتحرك فيه. فتنة الاستهلاك تكاد تدفع مجتمعات بأكملها إلى الجنون والريبة بكل ما هو ممتلك. وهي مجتمعات لا تملك مقومات الدخول إلى العصر إلا من جهة ما تدفعه من أموال هي في الحقيقة ضريبة عيش.
هكذا يكون الوجود مرهوناً بالقدرة على الدفع. هذا الميزان غير المتكافئ لا يمكن تعديله إلا من خلال ثقافة تردم الفجوات وتختصر الزمن.
ولعل دور الرسام باعتباره منتجاً لأساليب تعبيرية ثورية في النظر الجمالي ضروري في انتشال المتلقي العادي من عاداته الاستهلاكية والعودة به إلى الحياة الطبيعية التي تنعم بالجمال باعتباره هبة طبيعية، فلا يحتاج المرء من أجل التمتع بها إلى دفع ثمن باهظ. أما المشكلات المصيرية الراهنة التي تواجهها المجتمعات العربية، فلا يمكن أن تجد لها حلاً من خلال العودة إلى الماضي، حتى لو افترضنا أن ذلك الماضي كان جميلاً.
ربما يقود سوء الفهم الكثير من الرسامين العرب المقيمين في أوروبا إلى الانضمام إلى حشود الرسامين الأوروبيين الذين يذهبون إلى المنطقة العربية من أجل رسم الصحراء والمناظر والجمال والأزقة الضيقة القذرة. وهو ما ينضوي تحت مظلة النفاق الثقافي.
عملية تبدو في ظاهرها محاولة لشراء رضا الآخر ولكنها في حقيقتها تنطوي على خداع الآخر والتعتيم على ضميره الإنساني. في هذا السياق، فإن ما يفعله الرسام العربي وهو يسعى إلى جر الحياة العربية إلى الوراء هو في كل الأحوال نوع من التماهي مع التخلف.
تخلف دأبت القاعات الفنية والمزادات العالمية التي تقام دورياً في دبي على تكريسه وتغذيته بالمنشطات الكاذبة. سيكون علينا والحال هذه أن ننظر بريبة وحذر إلى نصائح المسوقين. يكفي درساً أن ليس في إمكان أي رسام عربي، مهما كانت درجة أهميته، أن يعرض رسومه في قاعة عرض أوروبية أو المشاركة في أي تظاهرة فنية عالمية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.