اختلطت الأجواء الانتخابية التي ينغمس فيها لبنان، مع المزيد من إعلان لوائح المرشحين التي أخرتها الصعوبات القائمة في كل من الأكثرية والمعارضة بفعل التنافس على المقاعد، مع تداعيات إخلاء سبيل الضباط الأربعة الذين كانوا موقوفين رهن التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، من قبل قضاة المحكمة الدولية، وردود الفعل المتناقضة عليه من الفريقين الواسعين في لبنان. وفيما نأى رئيس البرلمان نبيه بري ونواب حركة «أمل» ومسؤولوها بأنفسهم عن الدخول في السجال حول إخلاء الضباط ومفاعليه السياسية، لم يظهر صدى واسع لاعتبار قرار المحكمة إخلاء الضباط إثباتاً لصدقيتها ولتوحيد الموقف في شأنها. فقد استمرت مواقف رموز المعارضة في التركيز على المطالبة باستقالة بعض القضاة فيما أكد رموز الأكثرية على رفض التعرض للقضاة اللبنانيين على خلفية استنادهم الى القانون اللبناني والى توصية التحقيق الدولي في توقيف الضباط الأربعة قبل 3 سنوات و8 أشهر. (راجع ص 6 و7) وينعقد مجلس القضاء الثلثاء لاتخاذ موقف من الحملة على القضاة، وسط أنباء عن أن المدعي العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا ومفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر ليسا في وارد الاستقالة كما يطالبهما بذلك بعض رموز «حزب الله» ومعارضون وبعض الضباط. وأعلن رئيس الحكومة فؤاد السنيورة أمس بعد لقائه رئيس الجمهورية ميشال سليمان أن «القضاء ليس في موقع التهمة وهو جدير ببت الأمور، ونحن حريصون على هذه السلطة المستقلة». وأكد أن هناك تلاقياً في وجهات النظر مع سليمان حول الفصل بين السلطات. ومع أن الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصر الله تجنب الهجوم على القضاء اللبناني في حديثه ليل أول من أمس، فإن تلفزيون «المنار» الناطق باسم الحزب نقل عن «أوساط ضيقة في المعارضة» أن من بين الأفكار المطروحة تنظيم اعتصام أمام وزارة العدل حتى استقالة القاضيين، وتحرك شعبي كبير شبيه بتحركات المعارضة للمطالبة باستقالة الحكومة (2006 – 2008). ومن جهته أكد رئيس كتلة «المستقبل» النيابية النائب سعد الحريري أن المحكمة الدولية «أصبحت حقيقة والقرار الذي اتخذته بإطلاق سراح الضباط الأربعة أصبح حقيقة وأي قرار ستتخذه في المستقبل سيصبح حقيقة أيضاً». وقال: «نحن لا نريد تسييس المحكمة وكنا سباقين الى القول منذ مدة طويلة، إننا سنقبل أي قرار يصدر عنها». وتمنى «لو أن التحقيق يتوصل الى أن إسرائيل هي التي اغتالت رفيق الحريري، فهل يمانع أحد بأن تعمد المحكمة الدولية الى معاقبة إسرائيل إذا ثبت أنها هي من اغتالت الرئيس الحريري؟». وأضاف: «نحن وجهنا الاتهام السياسي الى سورية، لأن هؤلاء الضباط الأربعة في مكان ما كانوا مسؤولين عن الأجهزة الأمنية ولأن سورية كانت تحرض ضد الرئيس الحريري وتلفق التهم بحقه». واعتبر أن: «هناك جرائم كثيرة ارتكبت ضد رموز من ثورة الاستقلال، وعندما وقعت جريمة اغتيال عماد مغنية في دمشق، عمد الفريق الآخر بعد خمس دقائق من حصول الجريمة الى اتهام إسرائيل بتنفيذها من دون تحقيق ولا محاكمة ولا أي شيء آخر»، وسأل: «لماذا يحق لهذا الفريق توجيه الاتهام ولا يحق لنا ذلك؟». وقال: «لا نستطيع أن نفصل قرارات المحكمة كما نريدها لأن هذا لا يجوز بالعدل»، مستبعداً أي تأثير لقرار إخلاء سبيل الضباط الأربعة على نتائج الانتخابات النيابية. ورأى رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النيابية محمد رعد أن استئناف الوصول الى الحقيقة بدأ مع إطلاق الضباط الأربعة. وقال: «نريد الحقيقة لنصل الى من قتل الرئيس الشهيد رفيق الحريري والمنظومة التي هيأت لقتله ولفقت وكذبت وروجت مساراً مخادعاً من أجل أن يفر المجرم الحقيقي، لأنه لو كنا نسلك الطريق الصحيح في التحقيق خلال السنوات الأربع الماضية كنا وصلنا وانتهينا، لكن الآن وبعد أربع سنوات نجد أننا ذاهبون في الاتجاه المعاكس، وقد استفاد المجرم الحقيقي من السنوات الأربع وبذلك نكون أضعنا 8 سنوات على التحقيق». وأضاف: «أن هدف المعارضة من الاستحقاق الانتخابي الوصول الى الأكثرية النيابية وليس إلغاء الآخرين وإنما لإحداث صدمة توجب التوازن عند الآخرين، وتوجب عليهم مراجعة الحسابات وإعادة التأمل، ونحن ننصح هؤلاء بأن ينفتحوا مع أنفسهم لمراجعة مواقفهم السابقة لأن ذلك سيوفر الكثير من العذابات ومن الآلام في المرحلة المقبلة، ونحن نريد التعاطي بمسؤولية، ولا نريد افتراءات على أحد ولا نريد التفرد ولا الاستئثار».