نائب الرئيس الأميركي: الأزمة بين الهند وباكستان «ليست من شأننا»    الزيارة الثانية    اللغة العربية والهوية الوطنية    تراجع حاد لأسعار الذهب    ترامب يدعو إلى وقف إطلاق نار "غير مشروط" بين روسيا وأوكرانيا لمدة 30 يوماً    مانشستر يونايتد وتوتنهام يتأهلان لنهائي الدوري الأوروبي    تشيلسي يهزم يوجوردينس السويدي ويبلغ نهائي دوري المؤتمر الأوروبي    الزمالك يطالب بحسم أزمة مباراة قمة الدوري المصري قبل مواجهة بيراميدز    العدالة يبدأ استعداداته لمواجهة نيوم في دوري يلو    بمشاركة (90) لاعباً .. اختتام تجارب أداء لاعبي كرة قدم الصالات    بتكوين ترتفع إلى 102385 دولاراً    تطوير قطاع الرعاية الجلدية وتوفير أنظمة دعم للمرضى    برنامج جودة الحياة ينفذ أكثر من 170 مبادرة لتحقيق أهداف رؤية المملكة 2030    الحجيج والهجيج    الأمير محمد بن عبدالعزيز يرفع الشكر للقيادة بمناسبة تعيينه أميرًا لمنطقة جازان    إحباط تهريب (43) كيلوجرامًا من مادة الحشيش المخدر بجازان    الهلال الأحمر يُفعّل اليوم العالمي للهلال الأحمر تحت شعار "الإنسانية تجمعنا"    رئاسة الشؤون الدينية تدشن أكثر من 20 مبادرة إثرائية    جامعة أمِّ القُرى تنظِّم الملتقى العلمي الرَّابع لطلبة المنح الدِّراسيَّة    الربيعة يطمئن على صحة التوأم الملتصق الصومالي "رحمة ورملا"    بعد إلغاء جولة "باها تبوك" تويوتا 2025 بطولة السعودية تويوتا للراليات تواصل مسيرتها بثلاث جولات هذا العام    مجمع الملك سلمان العالمي للغة العربية يتسلم جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع في خدمة اللغة العربية    اللغة تسهل اجراءات مبادرة طريق مكة في إسلام آباد    جناح "مكة عبر التاريخ" يأسر اهتمام الزوّار في معرض "جسور"بكوسوفو    جامعي الخبر يحصل على الاعتماد الكامل من الهيئة المشتركة لاعتماد المنشآت الصحية الأمريكية    منظومة رقمية لإدارة دوري روشن بالذكاء الاصطناعي    تعليم جازان ينظم لقاءً تربويًا بعنوان رحلة التحول في منظومة حوكمة إدارات ومكاتب التعليم لمديري ومديرات المدارس    جامعة نايف للعلوم الأمنية تنال اعتمادا دوليا لكافة برامجها    ريم العبلي وزيرة في المانيا حظيت باهتمام الناشطين العرب عبر وسائل التواصل الاجتماعي؟    قمة بغداد: نحو نهج عربي جديد    إنجازان جديدان لجامعة إماراتية التنبؤ بالجلطات الدموية والعزل بمخلفات النخيل    الديوان الملكي: وفاة صاحبة السمو الملكي الأميرة/ جواهر بنت بندر بن محمد بن عبدالعزيز آل سعود    أمير منطقة المدينة المنورة يلتقي وزير التعليم    15 مليون دولار مكافأة لتفكيك شبكات المليشيا.. ضربات إسرائيل الجوية تعمق أزمة الحوثيين    تصاعد وتيرة التصعيد العسكري.. الجيش السوداني يحبط هجوماً على أكبر قاعدة بحرية    في ختام الجولة 30 من روشن.. الاتحاد يقترب من حسم اللقب.. والأهلي يتقدم للثالث    في إياب نصف نهائي يوروبا ليغ.. بيلباو ينتظر معجزة أمام يونايتد.. وتوتنهام يخشى مفاجآت جليمت    11 فيلمًا وثائقيًا تثري برنامج "أيام البحر الأحمر"    أخبار وأسواق    ضبط (4) مقيمين لارتكابهم مخالفة تجريف التربة    90 مليار دولار إسهام "الطيران" في الاقتصاد السعودي    الزهراني يحتفل بزواج ابنه أنس    "النقل" تمهل ملاك القوارب المهملة شهرًا لمراجعتها    نُذر حرب شاملة.. ودعوات دولية للتهدئة.. تصعيد خطير بين الهند وباكستان يهدد ب«كارثة نووية»    إنفاذًا لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد.. وصول التوأم الملتصق الصومالي "رحمة ورملا" إلى الرياض    ألم الفقد    استخدام الأطفال المصاعد بمفردهم.. خطر    وأخرى توثّق تاريخ الطب الشعبي في القصيم    الرُّؤى والمتشهُّون    الرياض تتنفس صحة    الدفاع المدني: استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة حتى الأحد المقبل    أحمد الديين الشيوعي الأخير    الأميرة دعاء نموذج لتفعيل اليوم العالمي للأسرة    الموافقة على استحداث عدد من البرامج الاكاديمية الجديدة بالجامعة    أمير تبوك يرعى حفل تخريج طلاب وطالبات جامعة فهد بن سلطان    المرأة السعودية تشارك في خدمة المستفيدين من مبادرة طريق مكة    الرياض تستضيف النسخة الأولى من منتدى حوار المدن العربية الأوروبية    رشيد حميد راعي هلا وألفين تحية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«نصف شمس صفراء» ... رواية نيجيرية عن حرب
نشر في الحياة يوم 02 - 04 - 2010

أقبض على رواية «نصف شمس صفراء»، لا أود أن أفلتها حتى الانتهاء منها: كيف أمكن الروائية النيجيرية الشابة تشيماماندا نجوزي أديتشي أن تكتب مثل هذه الرواية العذبة التي تفيض بالإنسانية والرقة، على رغم أنها تصور الحرب الضارية التي اندلعت بين الدولة الاتحادية في نيجيريا وولايات الجنوب الشرقي الراغبة في الانفصال وإعلان جمهورية بيافرا لمصلحة قبائل الأيبو، وسميت الحرب «حرب بيافرا»، ودامت من تموز (يوليو) 1967 إلى كانون الثاني (يناير) 1970.
طوال الرواية التي نشرت بالإنكليزية عام 2007 وصدرت حديثاً بالعربية في 600 صفحة ضمن سلسلة «الجوائز» عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، وترجمتها الشاعرة المصرية فاطمة ناعوت، يظل القارئ مؤرقاً بالأنباء التي تترى عن المجازر وعمليات القتل والهروب الجماعي، وألوان شتى من الحصار، تلك الأحداث العنيفة التي ما كان لكاتب أن يدرك دلالاتها إلا اذا عاشها بالفعل، فكيف أمكن شابةً بعد مرور أربعين عاماً على الحرب وهي لا تزال في السابعة والعشرين من عمرها أن تبدأ كتابة هذه الرواية وتختمها وهي دون الثلاثين، وتقدم لنا عالماً يموج بالحيوية والصدق الملتهب، وتصور من خلاله ظروف الحياة التعسة عبر آلاف التفاصيل؟
تجيب الكاتبة بأن جدتيها وأبويها حكوا لها كل شيء، وتصف الرواية القرى التي حوصرت في الجانبين والمدارس التي أغلقت والمؤن التي كان الناس يتعاركون عليها ليحصلوا على الفتات، وتصف لنا - وكأنها كانت موجودة هناك بالفعل - ما جرى في معسكرات اللاجئين ونقاط التفتيش والأطفال الذين يتصارعون على السحالي ليأكلوها بعد شيها، النساء اللاتي لم يكن يحلمن إلا بقطعة جبن ولقيمات وقطرات من اللبن للرضع، بينما الجنود يسرقون الحقول بالليل. أصيب أهل بيافرا بالرعب لأن مؤيدي الانفصال في العالم كانوا قلة، لذلك كانت أكثر العبارات شهرة في تلك الفترة على لسان المثقفين والتي تكررت على لسان السارد في الرواية... «كان العالم صامتاً عندما كنا نموت». لا بد أن الحال أسوأ مئات المرات لدى شعبنا العربي في فلسطين، فهل كتب الروائيون عن الأرض المقدسة مثل رواية تشيماماندا؟
مع ذلك كان الكثير مما توالى سرده يتناول قصص الحب والجنس والأمومة والأفكار الأيديولوجية، وأحوال الأساتذة وألوان الطعام وطقوس الزواج والمزروعات، والعادات والتقاليد والأغاني والحيل السحرية التي تلجأ إليها العجائز في الغالب من أجل إيذاء الخصوم بربط رحم الزوجة الثانية حتى لا تنجب، وتحويل الجار من عاقل إلى مجنون، ومحاولة جعل المرأة السليمة كسيحة، أو لمساعدة العاقر على الحمل.
قيمة الرواية الأولى ومجدها الحقيقي يكمن في براعة الكاتبة في نسج عالم فني ذي صفات إنسانية حميمة وجذابة. بناء إنساني محكم قادر في الوقت ذاته على استيعاب قضايا المنطقة، بل القارة كلها من جوانبها الاجتماعية والسياسية، المتمثلة في الآثار السلبية للجهل والاستبداد والثراء الفاحش والأمراض والجوع، وكما تقول المترجمة في مقدمتها: «لم تقع الكاتبة في ثنائية الأبيض والأسود. الخير والشر. النقاء والتلوث، كما فعل الكثير من كتاب أفريقيا الكلاسيكيين، فقد جعلت أبطالها الطيبين يرتكبون خطايا عابرة، كما جعلت الأشرار يأتون أعمالاً نبيلة».
أشخاص الرواية الرئيسيون خمسة: الأستاذ الجامعي «أودينيبو»، وزوجته «أولانا»، وأختها التوأم «كاينين»، وحبيبها «ريتشارد» الإنكليزي، وصبي صغير هو «آجوو» الذي يعمل في خدمة أودينيبو وزوجته حتى النهاية. يكبر «آجوو» ويتسع عالمه وتزداد معارفه ونحن معه نتلقى منه وعنه المزيد عن تعقد الحياة وتفاصيلها التي تشمل كل شيء تقريباً. يحكي عن الحب الذي جمع بين «أودينيبو» و «أولانا» التي تخلت عن كل المزايا التي عرضها عليها الراغبون في الزواج بها كي تبقى مع حبيبها. قاوم الاثنان رغبة أسرتيهما، إلا أنهما بعد زواجهما لم يوفقا في الإنجاب، وتسعى أم «أودينيبو» الرافضة لزوجته إلى دفع خادمتها إلى فراشه في غياب الزوجة. يثيره دفء الجسد الجديد فيتحرك باتجاهه غريزياً وبتأثير سحري حبكته ورعته أمه نكاية في زوجة غير مقبولة ولا تنجب. تفزع الزوجة من خيانة زوجها فتخونه مع زوج شقيقتها «ريتشارد». وبعد فترة يتفق «أودينيبو» مع «أولانا» على تجاوز تلك النزوة ربما نكاية من «أولانا» في الحماة التي تود التخلص منها بتدبير حادث الفراش. تحمل الخادمة وبعد أن تضع مولودتها تقرر أولانا الاحتفاظ بها وتسميها «بيبي»، أي طفلة، وهذا الاسم يدل على أنها بلا اسم، كأنها مجرد طفلة بلا هوية.
وإذا كانت الطفلة تشير لدى البعض إلى الأمل الوليد، فلعلها في نظر الكاتبة أمل مبتسر ودخيل يفتقد الشرعية والأصالة ويبقي الجميع في انتظار وليد الصلب والترائب. تتعدد المواقف الدالة ذات الصوت الهامس والحراك الاجتماعي الطبيعي من دون خطابية أو أيديولوجية، لكن المواقف والحوارات، حتى في أبسط صورها تكشف للقارئ الحصيف صفاً طويلاً من الدلالات والرموز الكبيرة والصغيرة.
تصور الرواية الحضور الأفريقي المترع بالشعر والخصوبة والحكمة والفن والغضب والحكايات والخرافات والعجائب والرقص والذكريات والجوع وتقديس الأسلاف وكراهية المستعمر والمستبد ومقت القيود والفساد والغدر. وهي قبل أن تكون رواية أفريقية هي من دون شك رواية عالمية بفضل تكامل الرؤية الفنية والفكرية التي ألقتها على عاتق البطل الصغير «آجوو» الذي كان اختياره للقيام بدور السارد موفقاً، لأنه الشخص الذي لا يعرف ما يكفي ومن ثم فهو مطالب بأن يعرف كل شيء حتى يستطيع القارئ الغريب - من خلاله - أن يعرف. كما تتميز الكاتبة بالقدرة التصويرية اللافتة، سواء في ملامح الأماكن والطرق والمعاناة الجسدية وفي رسم معالم الشخصيات، إضافة إلى الشعرية المرهفة المنبثقة من تراكيب اللغة ومن بلاغة التعبير عن المشاعر العاطفية والمتناقضة والمعذبة بما يكشف من الوهلة الأولى عن نضج وامتلاك مقتدر للأدوات الفنية.
وتشيماماندا ولدت عام 1977 وقدمت للمكتبة الأدبية روايتين فقط: أولاهما «الخبيزة الأرجوانية» عام 2003 وحازت جائزة الكومنولث لأفضل كتاب أول، ثم روايتها «نصف شمس صفراء»، والعنوان يصف علم بيافرا، وحازت هذه الرواية جائزة الأورانج البريطانية وبيع منها ملايين النسخ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.