أجمع فريقا الأكثرية والمعارضة في لبنان أمس، على الإشادة بقرار المحكمة الدولية الإفراج عن الضباط الأربعة، وبعدها من التسييس، لتنقسم آراءهم في ما خص القضاء اللبناني. ففي حين رفض ممثلو الأكثرية أي مس بالقضاء اللبناني، مطالبين المعارضة بتوقيع مذكرة التفاهم مع المحكمة الدولية، رأى رموز المعارضة أن الإفراج عن الضباط الأربعة «وصمة عار» على جبين القضاة اللبنانيين، مطالبين باستقالة المسؤولين عن سجنهم، من دون أن تغيب مواقف لشخصيات لا تنتمي الى أي من الفريقين من قضية المحكمة وإطلاق سراح الضباط. جدد مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني في اختتام زيارته للإمارات العربية المتحدة، ثقته بالمحكمة و«عدالتها وقراراتها غير المسيسة والتي لا تقف مع طرف ضد آخر»، داعياً الى «عدم استغلال قرار المحكمة بإطلاق الضباط الأربعة لمصالح سياسية». وقال: «هذا القرار هو بداية لعملها وسيرها نحو كشف الحقيقة التي ينتظرها اللبنانيون جميعاً». واستغرب الحملة على القضاء اللبناني، معتبراً أن «علينا أن نحصن القضاء ولا ننعيه او نهشمه»، ومبدياً الأسف للتعرض لمدعي عام التمييز سعيد ميرزا «المعروف بنزاهته وشفافيته وإخلاصه لوطنه». وأشاد بكلمة رئيس كتلة «المستقبل» النيابية سعد الحريري. وهنأ نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان الضباط، وقال: «على القضاء اللبناني ان يتبع أحكام القانون ويعمل بما يمليه الواجب للحفاظ على كل الفئات في لبنان وحفظ المواطنين من الاغتيالات والمنكرات». وإذ جدد اصراره على معرفة حقيقة اغتيال الرئيس الحريري قال: «الضباط الأربعة ظلوا كباراً كما نعهدهم، انهم يصفحون، وهم سينالون حقهم من ربهم، ونحن نصر على متابعة التحقيق ولو سمعوا منا لما وصلت الأمور الى هذا الأمر». كرامي وميقاتي وأكد الرئيس السابق للحكومة عمر كرامي أنه «لا يزال هناك خير وبركة في بعض القضاء اللبناني، والبعض الآخر لا بد من أن يأتي حسابه». وقال بعد لقائه وفداً من «لجنة مؤتمر بيروت والساحل» إن إطلاق الضباط «لم يكن مفاجئاً، لأننا كنا على معرفة تامة من محاميهم بأن الملف ليس فيه أي قرينة أو دليل على تورطهم في هذه الجريمة، وكنا على يقين بأن توقيفهم كان سياسياً»، وأضاف: «لا شك في أن إطلاق سراح الضباط صفعة، مع الأسف، للقضاء اللبناني ووصمة عار في سجله». وأمل من المحكمة الدولية بأن «تستمر في هذا المنهج، لأنه وبعد تحقيقات القاضي الألماني ديتليف ميليس المشبوهة كنا نخشى أن تنزلق المحكمة الدولية الى التسييس». ورأى الرئيس السابق للحكومة نجيب ميقاتي أن الإفراج عن الضباط «شكل علامة جيدة مع انطلاقة عمل المحكمة ودليلاً على توجه القيمين عليها للتعاطي مع هذه الجريمة النكراء، من خلال الوقائع الحسية، بعيداً من التأثيرات السياسية بهدف كشف الحقيقة». وقال: «المؤكد أن هذا القرار ترك ارتدادات سلبية جداً على المؤسسة القضائية اللبنانية ورسم علامات استفهام كبرى وجروحاً يصعب تجاوزها أو التغاضي عنها بسهولة»، داعياً السلطة القضائية الى «إطلاق حركة داخل الجسم القضائي لتصحيح الخلل المشكو منه». وشدد على ضرورة «وقف التدخلات السياسية في الشؤون القضائية»، و«الإسراع في بت ملف الموقوفين الإسلاميين من الشمال». بهية الحريري وأكدت وزيرة التربية بهية الحريري لمحطة «ال بي سي» أن «الأساس بالنسبة إلينا هو أننا نرضخ لحكم المحكمة الخاصة»، مؤكدة أن الإفراج عن الضباط «ليس إطلاق سراح، إنما إخلاء سبيل».واعتبرت أن «الرهان على المحكمة الدولية أعطى صدقية بعكس ما كان البعض يروجه بأنها محكمة مسيسة»، مؤكدة أن «المعني الأول بقضية الشهيد رفيق الحريري هو سعد الحريري، وما قاله بالأمس يعبر عنّا جميعاً». وقالت: «منذ فترة كان هناك إخلاء سبيل لبعض المتهمين واستغرقت الضجة حول هذا الأمر 48 ساعة، وهذا ما سيحصل مع الذين أُفرج عنهم البارحة»، مؤكدة أن «قرار المحكمة لن يؤثر على سير العملية الانتخابية». ورأى عضو «اللقاء النيابي الديموقراطي» مروان حمادة في تصريح أمس، أن «الذين حرضوا على مسلسل الاغتيالات (...) يعودون اليوم الى الكذب والتلفيق السافرين لاستكمال عمليات القتل السياسي»، مشيراً الى أن «الإمعان في محاولة ربط اسمي بشاهد لم ألتقه أو أتحدث إليه يوماً، يذكرني بسابقة التحريض علي وعلى زملائي النواب الذين عارضوا بشرف عملية التمديد المشؤوم». واعتبر «هذه الادعاءات الكاذبة من أوركسترا التلفيق السورية بمثابة محاولة جديدة لاستهدافي»، محملاً «هؤلاء ومن وراءهم ضمن الحدود وخلفها، مسؤولية أي أذى قد أتعرض اليه». وأضاف: «سألفت المدعي العام الدولي الى هذا الوضع»، آملاً بأن «يكون قرار الأمس مفسحاً المجال للبنانيين لإعادة تأييد المحكمة غير المسيسة للقيام بمهماتها، وبالتالي موافقة الحكومة على توقيع مذكرة التفاهم في أسرع وقت ممكن». وأوضح النائب محمد كبارة أن «مسارعة حزب الله الى احتضان الضباط الأربعة، ومحاولة استثمار إطلاقهم محاولة مكشوفة لخلق ضجة إعلامية للتغطية على فضيحة تورط الحزب في مصر، وكذلك الإساءة الى القضاء اللبناني، داعياً الحزب الى «الإيعاز لوزرائه بالموافقة على الاتفاقية مع مكتب المدعي العام الدولي الموجودة على طاولة مجلس الوزراء»، وسائلاً: «هل سيقبل من احتفل بإطلاق الضباط الأربعة بما سيصدر عن المحكمة لاحقاً». سعيد وأشار منسق الأمانة العامة لقوى 14 آذار النائب السابق فارس سعيد بعد زيارته رئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» سمير جعجع إلى أن «ما حصل بالأمس هو نتيجة نضالات 14 آذار وليس هوبرات أي قوى سياسية ومن أجل تثبيت مبدأ العدالة»، وقال: «نتمنى أن يقبل الطرف السياسي الآخر في البلد الأحكام وسير أعمال المحكمة كما قبلنا نحن كقوى 14 آذار بقرار الإفراج وكما نفهم معنى العدالة». وأمل «في المستقبل في حال تم استدعاء أو استجواب أو شبهة على أي مسؤول في اغتيال الرئيس رفيق الحريري وكل الشهداء أن يرضخوا للأمر الواقع». ورد عضو كتلة «القوات اللبنانية» النيابية فريد حبيب على كلام اللواء الركن جميل السيد عن جعجع، معتبراً أن السيد خرج «فاقداً لأدنى مقومات الهدوء النفسي والمعنوي، وذلك بعدما كان يظن أن لا عدالة سوى ما يشبه عدالته». وسأل: «أين مكمن الصحيح لدى السيد يوم فرضته قوى الاحتلال السوري مديراً عاماً للأمن العام، خلافاً للعرف ومن خارج الطوائف المسيحية، تسهيلاً لتنفيذ أهدافها في لبنان؟». واعلن «اتحاد جمعيات العائلات البيروتية» تأييده للنائب الحريري والتضامن معه «ضد الحملة الشعواء التي يشنها عليه وعلى قوى 14 آذار بعض اطراف المعارضة، في استغلال مكشوف لقرار المحكمة الدولية، لتحقيق مكاسب انتخابية واقليمية». نواب معارضون وجه النائب أسامة سعد التهنئة الى اسر الضباط بإطلاقهم، وقال خلال جولة له في صيدا: «هناك أطراف سياسية في لبنان سمحت لنفسها بالضغط على القضاء اللبناني لمواصلة احتجازهم وهذا مؤسف»، معتبراً أن «القضاء اللبناني خط الدفاع الأخير عن حقوق الناس». وأكد أن «عملية إطلاق الضباط ستكون لها تداعيات سياسية، لأن أوضاعاً سياسية بنيت على ما جرى». ورحب النائب مصطفى علي حسين بقرار المحكمة، معتبراً أنه «يثبت أن الاتهام السياسي لا يخدم الحقيقة». ورأى انه « كان يجب أن يصدر هذا القرار عن القضاء اللبناني منذ زمن طويل». وسأل النائب علي عسيران خلال استقباله وفودا أمس: «لماذا طال توقيف الضباط الأربعة طالما انه لا توجد أدلة قاطعة عليهم؟»،مضيفاً: «هل كان احتجاز الضباط جزءاً من مؤامرة كبرى على لبنان؟». وتوجه العلامة السيد محمد حسين فضل الله، بنداء الى اللبنانيين ل «مناسبة إطلاق سراح الضباط الأربعة ودخول لبنان في مرحلة جديدة»، مؤكداً أن «الحاجة تبدو ماسة إلى سلوك خط مراجعة عامة في البلد وخصوصاً في المسألة القضائية التي ينبغي أن تكون الناظم العام لحركة الدولة، والساهرة على نظامها، والمشرفة على خطوط العدالة التي ترفض أن يساق البريء إلى حيث يجب أن يكون المجرم، أو أن يبقى المسؤولون عن تلفيق الاتهامات وتدبير الملفات المفبركة بعيدين من المساءلة والمحاسبة». ودعا الى «البدء بإجراءات عملية على الصعيد الداخلي، وخصوصاً في المجالات التي حصل فيها التقصير المتعمد أو غير المتعمد، بحيث يعاد الاعتبار إلى البريء، وتتم مساءلة من كان يقبض على ناصية الحقيقة عن السبب الذي دفعه إلى إخفائها». واعتبر الأمين العام ل «الحزب الشيوعي اللبناني» خالد حدادة أن «أهمية إطلاق الضباط تؤكد استقلالية القضاء الدولي من جهة وأزمة القضاء اللبناني من جهة أخرى»، مشيراً الى «خطورة التصريحات الأميركية وامكان تسييس قرارات المحكمة في المرحلة المقبلة».