إطلاق "التحالف الطارئ للاستدامة المالية للسلطة الفلسطينية"    ارتفاع أسعار النفط إثر هجمات شنتها أوكرانيا على البنية التحتية للطاقة في روسيا    محافظ قلوة يرعى احتفال أهالي المحافظة باليوم الوطني ال 95    إيران لا تعتزم الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي    رونالدو يصل إلى الهدف رقم 946 ويقترب من الألفية    نجوم الفنون القتالية يتحدثون عن استعداداتهم في المؤتمر الصحافي ل«دوري المقاتلين المحترفين» في الرياض    النصر يحسم كلاسيكو الاتحاد ويتصدر دوري روشن للمحترفين    "الشؤون الإسلامية" تُقيم خطبة الجمعة في مسجد السلام في تشيلي    الاتفاق يستفيق على حساب ضمك    الملك وولي العهد يهنئان موثاريكا بفوزه بالانتخابات الرئاسية في ملاوي    لأول مرة..المملكة تستضيف بطولة آسيا لدراجات الطريق 2026 بمشاركة 40 دولة    تحديد مدة غياب سالم الدوسري    الوكيل الرسي يشارك في جلسة المناقشة رفيعة المستوى في مجلس الأمن    ضبط شخص بجازان لترويجه أقراصًا خاضعة لتنظيم التداول الطبي    عسير تقتدي… وفاءٌ يتجدد وعطاءٌ يتجسّد    «الرسي» يشارك يشارك في الاجتماع الوزاري التنسيقي لوزراء خارجية الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي    دولتي عظيمة    عقود الطمأنينة في رياض سلمان    فينومينولوجيا الدولة السورية    أكثر من 53 مليون زائر للحرمين الشريفين خلال شهر ربيع الأول    المواطن أولا في مسيرة وطن العطاء    الصحة وغرفة جازان تبحثان تطوير الخدمات وتعزيز السياحة العلاجية والاستثمار الصحي    حوار بين المبادئ والمصالح    ترامب: «أعتقد أن لدينا اتفاقا» بشأن غزة    أسواق الأسهم العالمية تواصل ارتفاعها    جمعية طلال الخيرية تنفذ مبادرة عون    إمام المسجد الحرام: حب الوطن نعمة وواجب شرعي يستوجب الشكر والدفاع    إمام المسجد النبوي: الغفلة تصدّ عن ذكر الله وتضيّع الأعمار    مفردات من قلب الجنوب 21    جمعية المانجو بجازان تنظم ورشة عمل حول مكافحة ذبابة الفاكهة بصبيا    الإفتاء بعسير يحتفي باليوم الوطني ال95    الجمعية السعودية للتربية الخاصة ( جستر محايل ) تحتفي باليوم الوطني 95    جمعية العون الخيرية تحتفي باليوم الوطني ال95 وتفتتح قاعاتها الجديدة    مسك ونيوم تتعاونا لتعزيز قدرات القيادات الوطنية.    جمعية الكشافة تختتم فعالياتها الاحتفالية باليوم الوطني ال95 في الرياض    نادي ذوي الإعاقة بعسير يحتفل باليوم الوطني ال95 بمشاركة واسعة من الجهات المجتمعية    البركة الخيرية وجمعية سقياهم توقعان إتفاقية لإنشاء محطة تحلية في مركز الحيراء    غرفة الشرقية تحتفي باليوم الوطني ال 95 بعروض وفقرات فلكلورية وأهازيج وطنية    في مفهوم التملق    في وداع العزيز أبي عبدالعزيز    فتح الرياض    مظاهر البهجة ترتسم على وجوه الأطفال    التحدي والاستجابة.. سرّ البقاء السعودي    دراسة حديثة : الأكل الليلي المتأخر قد يربك الهرمونات... ويهدد الصحة!    د. محمد الشهري: مشروبات الطاقة تقلل جودة النوم وتزيد نبضات القلب وتؤدي إلى القلق    السمنة تؤثر على 188 مليون طفل    19 فعالية في مدارس التعليم تعزز الولاء والانتماء وتحفز على الإبداع    شرطة الرياض تقبض على يمني لاستغلاله أطفال ونساء يمنيين في التسول بالميادين والطرقات العامة    وزير الخارجية: لا يكفي إصدار البيانات ما لم تتحول إلى عمل حقيقي يغير واقع الاحتلال وعدوانه    الرئيس الأمريكي وقادة دول عربية وإسلامية في بيان مشترك: إنهاء الحرب خطوة نحو السلام    بزشكيان: طهران لن تسعى أبداً لصنع قنبلة.. إيران تتعهد بإعادة بناء منشآتها النووية المدمرة    القبض على مروج حشيش في جدة    15 رئيس دولة و600 متحدث.. مؤتمر مستقبل الاستثمار.. مصالح مشتركة وأمن التجارة العالمية    في احتفاليتها باليوم الوطني..ديوانية الراجحي: المملكة بقيادتها الرشيدة تنعم بالأمن والرخاء والمكانة المرموقة    تصعيد متبادل بالمسيرات والهجمات.. والكرملين: لا بديل عن استمرار الحرب في أوكرانيا    كوب «ميلك شيك» يضعف تدفق الدم للدماغ    الرياض تستضيف مؤتمر العلاج ب«الجذعية»    رحيل المفتي العام السابق الشيخ عبدالعزيز آل الشي "إرث علمي وديني خالد "    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ألف وجه لألف عام - «المنارة» لإدغار آلن بو: 4 صفحات حيّرت مؤرخي الأدب
نشر في الحياة يوم 26 - 04 - 2009

يمكن القول في شكل عام ان معظم كتابات إدغار آلن بو، كتابات محيرة، تدرس وتدرس بلا هوادة، وغالباً ما يطلع دارسوها بجديد قد يقود بدوره الى حيرة إضافية. هي أعمال أشبه بالمتاهة، سواء كانت أشعاراً أو قصصاً بوليسية أو روايات رعب او حتى دراسات ادبية. لكن المدهش هو ان واحداً من أكثر نصوص آلن بو مدعاة للحيرة وإثارة للأسئلة، هو ذلك النص الذي لا يتعدى حجمه الصفحتين والذي كان آخر نص «خيالي» كتبه مؤسس الرواية الأميركية الحديثة هذا، وأحد رواد الأدب البوليسي في العالم. النص يعرف باسم «المنارة». ونقول انه يعرف بهذا الاسم لأن كاتبه لم يضع له عنواناً. بل انه لم يضع له خاتمة - كما يبدو - ونقول هنا «كما يبدو» لأن لا شيء مؤكداً في الأمر كله، كما سنرى، حيث ان ثمة من الدارسين من يقول ان توقف مؤلفه عن الكتابة، من دون إنذار عند سطر معين من النص، كان لعدم رغبته في استكمال النص لأسباب خارجة عن إرادته، أو لعدم قدرته على ذلك. أو - اخيراً - عن تعمد للإيحاء، بأن شيئاً ما حدث للكاتب فيما كان يكتب، فأبقى النص من دون استكمال، كأن يكون الراوي مات مثلاً، ولعل ما يضيف الى اسباب الحيرة هذه، اسباباً إضافية هو ان إدغار آلن بو، لم يذكر اي شيء حول هذا النص في اي من كتاباته الأخيرة، هو الذي مات بعد شهور من التاريخ الذي يحمله النص. فالنص هو عبارة عن «بداية» ليوميات من المفروض ان يكون كاتب ما، قد دونها بدءاً من اول يوم من العام 1849، وإدغار آلن بو مات في تشرين الأول (اكتوبر) من ذلك العام نفسه. وطبعاً، كما نرى هنا كان لدى الكاتب متسع من الوقت إما لاستكمال النص - لو كان راغباً في استكماله، وإما لشرح ظروف كتابته وتبيان ما كان يتوخى ان يقول به.
* مهما يكن من أمر، إذاً، بموت إدغار آلن بو من دون ان يعود الى النص أو أن يتحدث عنه، صار له - اي النص - حياته الخاصة، ما أتيح لكثر ان يدرسوه. وقبل ان نصل الى هؤلاء نوضح ما هو هذا النص: إنه، كما أشرنا، يوميات دوّنها قلب كاتب، يروي لنا في اليوم الأول، أن لديه هنا، في هذه المنارة المقامة في طرف مكان ساحلي يقع في إحدى مناطق اسكندنافيا، في اقاصي النروج مثلاً، موعداً ما لا يتضح لنا ما هو أو هو مع من. فقط يقول الكاتب ان الوعد متفق عليه مع الدكتور ديغرات صديقه. لماذا؟ لسنا ندري، كل ما في الأمر ان الراوي، وهو مؤلف كما نفهم بسرعة، إذ يقول لنا منذ مدونات اليوم الأول انه آوى الى هذا المكان المعزول، بغية إنجاز كتاب جديد يشتغل عليه، بعيداً من ضجيج الناس والمدن. وفي مدونات اليوم الأول هذه، يحدثنا الكاتب عن يوم عاصف ورياح تهب متقدمة نحو المكان، الذي كانت سفينة متصدعة أوصلته إليه للتو وهي تهتز وتكاد تغرق وسط الصخور والأمواج، وممرات مائية خطرة. غير ان الراوي يقول لنا انه على رغم كل ما يحدث، لا يشعر بالخوف أو القلق، بل انه يتطلع قدماً الى الوقت الذي تهدأ العاصفة كي يتمكن من الانصراف الى الكتابة. انه سعيد بوحدته، حيث انه - اصلاً - لم يحضر معه سوى كلبه الحبيب نبتون، الذي سيسهر عليه بالتأكيد فيما لو يكتب. غير ان الراوي لا يفوته هنا ان يتوقف لحظة ليحدثنا، وأن بقلق خفي، عن اصوات ما يسمعها منبعثة من جدران المنارة، ويقول كم ان هذا غريب، كم غريب ان يدرك المرء طفيلية صوت ما، يصل ولو ضعيفاً، عبر هدير الأمواج والعواصف. واضح ان كل الضجيج الكبير لا يقلق صاحبنا بقدر ما يقلقه ذلك الصدى الذي يبدو له أول الأمر كالحفيف. ذلك ان هذا الصوت يذكره بنبوءة كان أبداها صديقه ديغرات، في حديثه عن رجل واحد عاش قبله في المكان (أو هذا ما يبدو لنا من خلال العبارات المتقطعة اللاهثة التي يكتب بها الراوي النص). إن العبارات لا تبدو مرعبة، والراوي لا يبدو شديد القلق. ولكن ثمة امراً ما بالتأكيد، عدوى ما تنتقل الى القارئ، من دون ان يبدو ان الكاتب يتعمدها. وسيتضح هذا الأمر في شكل أقوى في مدونات اليوم التالي، وهو - بحسب ما هو مدوّن - ثاني ايام شهر كانون الثاني (يناير) من ذلك العام. إذ هنا، حين يستأنف الراوي تدوين يومياته، يبدو أكثر هدوءاً، خصوصاً أن العاصفة هدأت والشمس سطعت، والأمواج استكانت. ان كل شيء يبدو الآن ملائماً لبدء حياة جديدة. وهو بالفعل يبدأ هذه الحياة قائلاً لنا: لا شيء يحدث، ولا شيء غريب نراه، حتى بواسطة المنظار المقرب، لا شيء سوى المحيط والسماء... مع مرور طائر نورس وحيد بين الحين والآخر.
* في مدونات اليوم الثالث، أن البحر هادئ حتى الموت طوال اليوم... وحين اقترب المساء بدا البحر شديد الشبه بلوح من الزجاج. يقترب بعض الطيور من المكان، ولكن لا شيء سواها على الإطلاق طوال اليوم، حتى ولا غيمة عابرة «انهمكت طوال اليوم، يقول الراوي، بتفقد أرجاء المنارة، إنها مرتفعة جداً، وهو ما اكتشفته، على حساب تعبي، حين رحت أرتقي درجات بدت لي من دون نهاية. بدا لي ارتفاعها لا يقل عن 160 قدماً من الأسفل حتى المصباح في قمتها». ويضيف الراوي الى هذا عشرين قدماً هي ارتفاع أسفل المنارة عن سطح البحر. ولقد بدت له، لسبب ما، أنها أنجزت على يد معماري وحيد... وهنا يتنبه الراوي الى أن هذا الواقع يدفع الى الشعور بالأمان. فهيكل يبنى على هذه الشاكلة يكون قوياً عادة. وإذ يقول لنا الراوي كيف أنه استمع في الماضي الى بحارة يتحدثون عن منارات تهاوت إذ وصلت إليها مياه البحر عاصفة، يعبر لنا هنا عن شعوره بأن ما من بحر يمكنه أن يصل الى هذه المنارة ليدمرها... ليدمر هذه الجدران التي لها قوة الفولاذ، مع ان «الأسس التي أقيم البنيان عليها تبدو لي وقد بنيت من الجص...». هنا، عند هذه العبارة تتوقف الكتابة والنص بأسره، مع أن الصفحة (وهي الرابعة في المخطوط) لا تزال في أولها بمعنى أن بقيتها فارغ. وهذه الملاحظة هي التي تجر دارسي أدب إدغار آلن بو، عادة وتدفعهم الى التساؤل: لماذا توقف عن الكتابة بهذا الشكل المباغت. فسيرة حياته لا تقول إن طارئاً ألمّ به، في ذلك الحين. ثم أن العبارة، كما الصفحة، لا تزال في أولها... وهو أمر يعني بالتأكيد أن ليس ثمة مجال للحديث عن مخطوط ضائع أو صفحات ضائعة هنا. كل شيء يشير الى أن الكاتب لم يكمل النص. وهذا الواقع هو الذي يحيّر. وبالتالي هو الذي أوجد كل تلك الاجتهادات، التي لعل أكثرها منطقية هو ذلك الذي أورده كينيث سيلفرمان، كاتب سيرة بو، الذي يؤكد أن هذا الأخير كتب النص بين أيار (مايو) وآب (أغسطس) 1849، قبل شهور قليلة من موته، كما يؤكد أن بو، لم يضع عنواناً، من دون أن يحدد ما إذا كان في الأصل قد أراد كتابة مذكرات حقيقية أو قصة قصيرة أو رواية طويلة. غير أن سيلفرمان يورد في الوقت نفسه فرضية لا تخلو من منطق مفادها أن ادغار آلن بو نفسه توقف عن كتابة النص عمداً للإيحاء بأن أمراً ما، قد حدث لراويه فيما كان يدوّن هذه السطور. بمعنى أن هذا هو النص في اكتماله المنطقي، كما كان يمكن أن يعثر عليه في حال مشابهة، وقد كتبه كاتب يجلس وحيداً في منارة معزولة، فحدث له أمر مباغت: مات، انقض عليه وحش أو شبح ما، انهار المبنى... أو أي شيء من هذا القبيل.
* اليوم، في الوقت الذي تقول الأنباء أن ثمة فيلماً قيد الإنجاز يحمل العنوان نفسه «المنارة» وتمثل فيه الين بيج دور آني (بناء على أي نص مستكمل يا ترى)، يتذكر كثر نوعاً من القرابة بين نص إدغار آلن بو هذا، ونص لفرانز كافكا (لم يكتمل هو الآخر، كما كان بدوره، آخر نص خيالي كتبه كافكا). أما بالنسبة الى إدغار آلان بو (1809 – 1849) فإنه يعتبر، طبعاً، واحداً من كبار مؤسسي الأدب الأميركي... وهو خلف بعد حياة لم تدم سوى أربعين سنة، مساهمات في شتى الأنواع الأدبية، تميز معظمها بالموت المخيم وبالغموض... كما أن معظم موسوعات الأدب البوليسي وأدب الرعب تذكره كواحد من كبار المؤسسين في هذا المجال، في أعمال مثل «سقوط منزل آل آشر» و «البئر والبندول» و «مجرمون في شارع أولم».
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.