1 ارتكب نائب وزير الخارجية الإسرائيلي «الأرعن» داني أيالون، الشهر الماضي، حماقة ديبلوماسية مع السفير التركي لدى تل أبيب، أقلّ ما يمكن وصفها به هو أنها سوء أدب يناقض أبسط الأعراف الديبلوماسية. وقد كانت تلك الواقعة دليلاً إضافياً أن أسرائيل هي، في كل تصرفاتها وأخلاقياتها، دولة خارج الأعراف المتفق عليها دولياً. كانت تلك الحكاية العنترية للاسرائيلي أيالون مثار انتقاد واستهجان العديد من الدوائر السياسية والوسائل الإعلامية العالمية. مما اضطر إسرائيل، لأول مرة في تاريخها المكابر، أن تعتذر رسمياً لدولة تركيا، و»تنحني» (هكذا كما ورد في بيان الاعتذار الإسرائيلي). منذ ذلك المشهد الوحشي مع السفير التركي ظل نائب وزير الخارجية الإسرائيلية داني أيالون يبحث عن فرصة سانحة أمام فلاشات الإعلام يقدم بها وجهاً آخر أو قناعاً يجمّل به ذلك الوجه القبيح الذي انطبع في ذهن الرأي العام عنه. جاءت فرصة مؤتمر ميونيخ للسياسات الأمنية كي يلعب أيالون لعبته، ويعلن أمام الملأ أنه يمد يده لمصافحة تركي الفيصل الذي رفض الجلوس بجانبه في حلقة النقاش تلك. كان أيالون يعلم أنه في مناورته تلك أمام احتمالين: إما أن يرفض تركي الفيصل مصافحته بعد هذه العروض الإنسانية «الرقيقة» التي قدمها أيالون، فيتحول هذا المسؤول الإسرائيلي، أمام الدوائر السياسية والإعلامية، إلى (حَمَل وديع) إنساني ومسالم، ويوحي أن تصرفه مع السفير التركي لم يكن سوى «نزوة» ربما اضطره إليها الأتراك اضطراراً، فخرج عن طوره (الحقيقي)! الاحتمال الآخر للسيناريو هو أن يُفسد تركي الفيصل على الوحش أيالون الظهور بصورة الحمل الوديع، فيقبل بمصافحته. لكنه، للحق، وإن كان أيالون قد خسر رهاناً إلا أنه سيكون كسب رهاناً آخر وهو إحراج الأمير تركي الفيصل والمملكة العربية السعودية. 2 لا أتنفّع اليوم بتلميع صورة الأمير تركي الفيصل، ولو كنت فاعلاً لفعلتها من قبل مع من تنطلي عليهم أساليب الاستنفاع. ولا أدافع اليوم عن تركي الفيصل .. لأنه سعودي، بل لأنه تركي .. تركي المفكر والخبير والديبلوماسي والسياسي. ولأنه تركي الصارم، لكل من عرفه، أمام قضايا أمته وثوابتها. ماذا كان يمكن لكل واحد منا أن يفعله لو كان في نفس الموقف، والقرار يجب أن تتخذه في ثوان هي أقل من دقيقة، أكثر مما فعله تركي الفيصل حين طلب من أيالون أن ينزل من المنصة إليه، ثم حين صافحه الأمير أعطاه ظهره قبل أن ينصرف أيالون إلى مقعده. ستقولون هذه شكليات اعتذارية، وسأقول لكم نعم! هي كذلك لتخفيف أعراض وآلام الموقف الحرج الذي يُفرض عليك أحياناً. وقد قال الأمير: «أعلم أنهم حريصون على المصافحة وأنا حريص على تفادي ذلك، كما أعلم سعيهم للإحراج»!... صدقت. ندافع هنا عن تركي الفيصل، كما قد لا ندافع عن غيره، لأن لديه سجلاً مشرفاً من قبل يحميه من سوء ظنوننا. فهو ابن الفيصل، وهو أحد أعمدة جائزة الملك فيصل العالمية التي قُدّمت هذا العام لأردوغان الذي أجبر إسرائيل على الاعتذار لأول مرة في تاريخها الأسود. 3 برهان الاشمئزاز من المصافحة «المفخخة» والاعتذار عما قد تُحمّل به من تبعات وتفسيرات، أبانه الأمير في عبارته الموجزة: «لو ندمت على من صافحتهم في حياتي لمتّ كمداً». * كاتب سعودي [email protected]