الظروف المعيشية والأحلام و الأهداف بعيدة المدى تطوق الإنسان في بعض الأحيان وتضطره للرضوخ رغماً عنه والتنازل عن أمور كثيرة يحبها أو اعتاد عليها. هذا الرضوخ وتبعاته من حرمان يستمر لفترة من الزمن قد تطول وقد تقصر مع اختلاف أسبابه، فهناك من يكسب قوته وهناك من يحلم بالارتقاء بوظيفته أو بنيل درجة علمية معينة. لكني أود الإشارة هنا إلى نقطة معينة في مقالي هذا، فالموظف الذي شاءت له الأقدار أن يترك زوجه وأبناءه صباح كل يوم ولا يعود إليهم إلا بعد غروب الشمس مكرهاً لتأمين حياة كريمة لهم ويقضي أجمل أيام شبابه كادحاً وهو يبتسم والسعادة تملأ قلبه لأنه يشعر بقدرته على العطاء وتأثيره الإيجابي على من هم حوله.. يستحق أن يقابل وفاؤه بوفاء ..وحبه بحب .. وعطاؤه بعرفان ..أليس كذلك ؟. لكن وللأسف الشديد هناك فئة من أرباب العمل ممن يستغلون حاجة هذا الموظف أو حبه ووفاءه لذلك المكان الذي ارتبط بكل ركن فيه لسنين طويلة، وتختلف أنواع هذا الاستغلال وأشكاله فتجده مثلاً لا يعير الاهتمام الكافي لما يتلفظ به ..فلا يتحدث إلا ويجرح، فقد اقنع نفسه بأحقيته بقول ما يشاء وساعة ما يشاء وبالطريقة التي يريدها دون أن يراعي مشاعر الآخر أو مكانته أو حتى " سنين العِشرة" ظناً منه بأن هذا الموظف لا يجرؤ على تركه فظروفه تمنعه وإن شعر بأنه مهدد وبأن الموظف سيتخذ موقفاً مما حدث سارع بالاعتذار و "الطبطبة" حتى تعود الأمور في أسرع وقت إلى سابق عهدها، ليس لأنه أدرك خطأه ..بل لأنه يفكر بمصالحه أولاً وأخيراً, ولكن مع ذلك يتكرر نفس الخطأ ويعاد المشهد مراراً دون توقف، لأن الخلل يكمن في الداخل.. هذا الخلل في بعض الأحيان لا يمكن إصلاحه ..لذا فالحل هنا هو الابتعاد. قد يتلفظ هؤلاء بأجمل عبارات الحب و الثناء في خطبهم أمام موظفيهم وفي اجتماعاتهم الدورية المغلقة، لكنهم للأسف لا يشعرون بنصف ما يقولون، وكم هو مسكين هذا الحب الذي أصبح "علكة" في فم الكثيرين .. ممن للأسف يجهلون قيمته ومعناه. كاتبة إعلامية