في قلب صحراء الدهناء، حيث تتراقص الرمال مع نسيم الشتاء البارد، يستمر مهرجان الملك عبدالعزيز لمزاين الإبل في نسخته العاشرة في جذب الأنظار والقلوب، محولاً أرض الصياهد إلى ملتقى حيوي يجمع بين الأصالة والحداثة. وقد شهد اليوم الثالث والعشرون، الموافق 23 ديسمبر 2025، حضوراً جماهيرياً ملفتاً وحماساً غير مسبوق، خاصة أثناء مسيرة المشاركين، وإعلان نتائج شوط شلفا ولي العهد لفئة "شعل"، أحد الأشواط الرمزية الأبرز التي تجسد التنافس الشريف بين ملاك الإبل من قبائل ومناطق المملكة المختلفة. انطلقت النسخة العاشرة من هذا الحدث العالمي الأكبر للإبل في الأول من ديسمبر 2025، تحت شعار "عزّ لأهلها"، بتنظيم نادي الإبل برئاسة فهد بن فلاح بن حثلين، ويستمر حتى 3 يناير 2026. ويُعد المهرجان تجسيدًا حيًا للرمزية العميقة، التي تحملها الإبل في الهوية السعودية، ك"سفينة الصحراء" التي نقلت التاريخ والتجارة والحياة البدوية عبر العصور المتعاقبة، محملة بقصص الأجداد وإرث الأمة.
مشاركة وإقبال جماهيري واسع يشهد المهرجان مشاركة واسعة النطاق من ملاك الإبل من داخل السعودية، ودول الخليج، والدول العربية الأخرى، مع توافد آلاف الزوار يوميًا للاستمتاع بالمنافسات الرئيسية والفعاليات المصاحبة. سجل هذا العام نموًا ملحوظًا في الإقبال الجماهيري، مدعومًا بمبادرات رؤية 2030، التي تهدف إلى تعزيز السياحة الثقافية، وتحويل صناعة الإبل إلى رافد اقتصادي مستدام، من خلال إبراز جودة السلالات السعودية الأصيلة، ودعم الصادرات إلى الأسواق الإقليمية والعالمية. المنافسات الرئيسية تشكل مسابقات مزاين الإبل النواة الأساسية للمهرجان، حيث تقسم إلى فئات متعددة؛ تشمل المفاريد، والجل، والدق، والحقايا، وفقًا للألوان الرئيسية (شقح، حمر، صفر، سود، وضح) والسلالات التقليدية (مجاهيم، سواحل، أصايل). يتنافس المشاركون بشراسة على جوائز قيمة، تشمل سيف الملك، وبيرق الموحد، وشلفا ولي العهد، مع إجمالي جوائز يتجاوز 200 مليون ريال سعودي، موزعة على 79 شوطًا على مدار 34 يومًا من الفعاليات. يوم مثير في اليوم ال23، بلغ التنافس ذروته في شوط شلفا ولي العهد لفئة "شعل"، حيث استعرضت الإبل المشاركة أمام لجنة التحكيم المتخصصة، وسط تشجيع حار من الجماهير. وأعلنت اللجنة النتائج النهائية، محتفلة بجودة السلالات وأصالتها، مع لحظات إنسانية أضفت دفئًا على الأجواء. الفائزون في هذا الشوط البارز هم: المركز الأول: عبدالله بن عايض بن ظبية (غزايز مضيم) – من قبيلة قحطان. المركز الثاني: فيصل بن نايف الضبعاني (الفيصليات) – من قبيلة حرب. المركز الثالث: عبدالعزيز العميري (شعل بن دهيران). المركز الرابع: عبدالعزيز الشلاحي (مدللات). المركز الخامس: بداح الدوسري (العوب). مشهد إنساني ل"ابن حثلين" شهد الشوط لحظة إنسانية مؤثرة جدًا، حيث حضر فهد بن فلاح بن حثلين، رئيس نادي الإبل نيابة عن الفائز الأول عبدالله بن عايض بن ظبية، الذي غاب عن الاستلام؛ بسبب وفاة والده عايض بن ظبية – رحمه الله. وتسلم ابن حثلين البيرق بنفسه، في لفتة كريمة تعكس قيم التراحم والوفاء والتكافل الاجتماعي المتجذر في مجتمع ملاك الإبل وعشاق التراث. وقد لاقت هذه اللفتة إشادة واسعة من الحضور والمشاركين، الذين صفقوا بحرارة، مؤكدين أن المهرجان ليس مجرد منافسة، بل احتفاء بالقيم الإنسانية النبيلة. وعن هذه اللفتة قال فهد بن فلاح بن حثلين: ألف ألف مبروك لأخي عبدالله، ورغم أن الفرحة لا تكتمل إلا بوجودهم، وبزوال أحزانهم، ولكن هذا قضاء الله وقدره. وأعزي أخي عبدالله، وآل ظبية جميعًا في وفاة والدهم، ووالد الجميع عايض بن ظبية- رحمه الله- وغفر له، والحمد لله على كل شيء. وأضاف فهد بن حثلين: حضوري واجب اليوم؛ لأن أخي عبدالله كان عنده حدث جلل بوفاة والده، ومع ذلك واحترامًا للمهرجان وجمهوره وعالم الإبل، جعل الإبل تكمل مسيرتها ومنافساتها، واليوم أقل واجب أن نحضر، ونتسلم البيرق نيابة عنه، ونقول له ولآل ظبية، كان الله في عونكم، وغفر لوالدكم. التقنية حاضرة إلى جانب مسابقات المزاين، تقام سباقات الهجن (الهجيج) في أشواط صباحية ومسائية، تغطي مسافات طويلة في فئات متنوعة؛ مثل الحقايق، واللقايا، والزمول. وقد أضيف هذا العام ابتكار تقني مهم باعتماد شرائح إلكترونية لتحديد الملكية والمشاركة، بالتعاون مع وزارة البيئة والمياه والزراعة؛ ما يعزز الدقة والشفافية في المنافسات ويحمي حقوق الملاك. وشهدت الأيام السابقة إعلان فائزين في أشواط أخرى بارزة، مثل شوط سيف الملك في فئات مختلفة، وسط حماس جماهيري مستمر يعكس شغف السعوديين بهذا الموروث الأصيل. ومن الفعاليات المصاحبة تحول الصياهد إلى قرية تراثية نابضة بالحياة لا يقتصر المهرجان على المنافسات بالإبل ، بل أصبحت صحراء الصياهد قرية تراثية كاملة الأركان، تجذب الزوار من مختلف الأعمار والجنسيات. أبرز الفعاليات خيمة الشعر الرئيسية: تستضيف أمسيات شعرية نبطية، يشارك فيها شعراء معروفون، ينشدون قصائد في مدح الإبل والتراث البدوي، وسط تفاعل حماسي من الجمهور. عروض الفنون الأدائية: مثل العرضة السعودية والسامري، التي تعيد إحياء التراث الشعبي بأزياء تقليدية وإيقاعات عفوية. تجارب تفاعلية مباشرة: يتيح المهرجان للزوار ركوب الإبل، وحلبها، وإطعامها، والمبيت في خيام بدوية أصيلة، ليعيشوا تجربة الحياة البدوية الحقيقية، ويفهموا دور الإبل في حياة الأجداد. معارض الحرف اليدوية: تشمل صناعة الخناجر التقليدية، ونسج السدو، وغيرها من الحرف التراثية التي تعرض منتجات يدوية أصيلة. أسواق المأكولات الشعبية: تقدم القهوة العربية الأصيلة، والتمور بأنواعها، والأطباق التقليدية مثل الكبسة والمضغوط، في أجواء عائلية دافئة. مسابقة "راعي النظر": بجائزة"جزيرة سنام" القيمة، تعتمد على تصويت الجمهور لأجمل الإبل. مزادات يومية للإبل: تشهد صفقات كبيرة، تصل أسعار بعض الإبل فيها إلى مئات الآلاف من الريالات، خاصة في فئات نادرة مثل"شعل". متحف العقيلات وممر الخيام: يعرض تاريخ القوافل التجارية، ويوفر مساحات للتجار والمربين لعرض منتجاتهم. برامج"علوم الرجال": ورش عمل ومحاضرات تنقل المعرفة التراثية عن تربية الإبل ورعايتها إلى الأجيال الجديدة. القرية الزراعية على هامش المهرجان، تشارك وزارة البيئة والمياه والزراعة بإقامة "القرية الزراعية" على مساحة تصل إلى 10 آلاف متر مربع، تضم أركانًا متنوعة للجهات الحكومية، المزارعين، والأسر المنتجة، مع فعاليات معرفية وترفيهية، تهدف إلى تعزيز الوعي البيئي والزراعي. واحة الأمن كما تشارك وزارة الداخلية بمعرض "واحة الأمن"، الذي يعرض المقومات التنموية والسياحية لإمارات المناطق المختلفة، مثل الجوف ومكة المكرمة. يأتي المهرجان ضمن مبادرات رؤية 2030 الطموحة، بدعم مباشر من هيئة السياحة السعودية ووزارة الثقافة، لترويج التراث السعودي عالمياً وتحويله إلى مصدر جذب سياحي واقتصادي مستدام.