في مشهد تختلط فيه دموع العودة بأنقاض الذاكرة، امتلأ شارع هارون الرشيد في قطاع غزة، لليوم الثاني على التوالي، بآلاف الفلسطينيين العائدين إلى الشمال بعد أشهر من النزوح، في مشهد وصفه كثيرون بأنه أقرب إلى صور النكبة الأولى قبل أكثر من سبعة عقود. وشهد شارعا الرشيد وصلاح الدين ازدحامًا غير مسبوق، حيث تسير العائلات الفلسطينية على الأقدام لمسافات طويلة، بعضها قطع أكثر من 30 كيلومترًا عائدًا من جنوب القطاع نحو مدينة غزة، وسط دمار شامل وانعدام الخدمات الأساسية. فيما تحولت معظم المناطق في مدينة غزة إلى أطلال، إذ تغيب المياه والكهرباء وتغمر الركام الشوارع، فيما يقدّر عدد العائدين إلى شمال القطاع المدمر بنحو ربع مليون شخص. كما ما تزال جثث كثيرة تحت الأنقاض دون أن تُعرف هوياتها، بينما توثق مشاهد مصوّرة بثّتها قنوات فضائية حجم الدمار الهائل في أحياء تل الهوى وجباليا والشجاعية، التي لم تسلم من آثار القصف. وأكد المستشار الإعلامي لوكالة "الأونروا" عدنان أبو حسنة أن نحو 80% من قطاع غزة تعرّض للدمار الكامل أو الجزئي، مشيرًا إلى أن حجم الكارثة الإنسانية يتجاوز إمكانات الوكالة والمنظمات الإغاثية. من جانبه، أوضح المتحدث باسم الدفاع المدني في غزة محمود بصل أن عدد المواطنين العائدين إلى الشمال يقدّر ب 200 ألف نسمة، رغم استمرار تحذيرات الجهات الأممية من العودة إلى المناطق غير الآمنة. ويأتي هذا النزوح المعاكس بعد ساعات من إعلان الجيش الإسرائيلي وقف إطلاق النار وبدء تنفيذ اتفاق إعادة التموضع، الذي نصّ على انسحاب القوات الإسرائيلية من أحياء مدينة غزة باستثناء حي الشجاعية، مع منع الفلسطينيين من دخول بيت حانون وبيت لاهيا شمالًا، ورفح وشرق خان يونس جنوبًا. وكان الاتفاق قد تم التوصل إليه خلال مفاوضات شرم الشيخ التي رعتها مصر، بهدف تثبيت الهدنة وتهيئة الظروف لممرات إنسانية آمنة، غير أن الدمار الواسع والبنية المتهالكة يظلان العائق الأكبر أمام أي عودة حقيقية للحياة في القطاع.