نشرت مجلة اللانسيت البريطانية الطبية العريقة في عددها الصادر بتاريخ الأول من أغسطس عام 2025م مقالًا عن كارثة صحية، يجري تجاهلها في السودان. حيث تدفع النساء والأطفال الثمن الأغلى للحرب. اثنا عشر مليونًا نصفهم من الأطفال، تم تهجيرهم بسبب الحرب، عدد كبير منهم يعاني من صدمة القسوة والانفصال عن عائلاتهم، أو الإصابات الجسدية، و تشيع بينهم أمراض سوء التغذية. لا تجد الحوامل الرعاية المناسبة، لا يتم توليدهن بمساعدة من أحد تدرب على فنون الولادة، لا توجد أدوات معقمة لاستعمالها، و ليس لديهن فرصة للوصول إلى مراكز الرعاية الحرجة للولادة. إضافة إلى ذلك؛ فإن منظمات حقوق الإنسان وثقت جرائم جنسية منتشرة تستخدم الاغتصاب كسلاح من أسلحة الحرب؛ سلاح لم يستثن صغار الإناث. المعروف أنه في حالات الصراع؛ فإن أول ما ينهار هو الخدمات الصحية الموجهة للنساء والأطفال وحديثى الولادة. وهذا الانهيار يتفاقم بسرعة في السودان خاصة، أن المؤسسات الصحية قد تم استهدافها بشكل متعمد خلال الأزمة التى تجاوزت عامها الثالث، ومع وصول عدد القتلى إلى حوالى مائة وخمسين ألفًا، لم يبق إلا أقل من ثلاثين في المائة من المنشآت الصحية قادرة على العمل. إحدى المنش0ت الصحية في الخرطوم تم استهدافها بالمدفعية بشكل مباشر فقُتل أربعون من العاملين الصحيين. وفي النصف الأول من عام 2025 قُتل ما يزيد على 1000 من العاملين الصحيين في 38 غارة استهدفت المنش0ت الصحية، وعربات الإسعاف وقوافل الإغاثة. وكذلك يتم نهب المستودعات الخاصة بالمواد الطبية؛ ومنها المواد الإغاثية الموجهة للأطفال سيئي التغذية. كذلك يضطر كثير من العاملين الصحيين إلى التخلى عن أعمالهم؛ بسبب ما يتعرضون له من العنف والاعتقال والتهديد بالاغتيال. لم يعد هناك أي ضمان للتوازن في تقديم الخدمة الطبية لكافة الأطراف. من النتائج الكارثية لاستهداف الخدمات الصحية إطلاق موجات من الأوبئة؛ مثل الكوليرا، والحصبة، والملاريا. و قد أدى تفشي وباء الكوليرا في يوليو عام 2024 إلى إصابة ثلاثة وثمانين ألفًا، مات منهم ألفان ومائة. عشرون مليونًا أصبحوا مهددين بالمجاعة، بمعنى الافتقار للدعم الغذائى المتكامل، منهم ما يقارب تسعة ملايين وصلوا إلى مرحلة الكارثة، التى تعنى حدوث وفيات بسبب المجاعة، وهي نفس الحالة التى وصل إليها أهلنا في غزة. وتقدر منظمات الأممالمتحدة للصحة ورعاية الطفولة عدد الأطفال الذين فاتهم أخذ التطعيم ضد الكزاز والخناق والسعال الديكي بحوالي تسعمائة ألف طفل، وقد تدنى مستوى المناعة لهذه الأمراض إلى حد لم يسبق الوصول إليه منذ أربعة عقود، ومع استمرار التدهور في القطاع الصحى السودانى؛ فإن انتشار هذه الأوبئة إلى الأقطار المجاورة يصبح خطرًا حقيقيًا. ومن المحزن أن المنظمات الدولية التى تحاول إيصال الرعاية الصحية لم تتلق أكثر من 23 %من التمويل اللازم للتعامل مع هذه المخاطر في السودان، علمًا بأن هذا العجز مهدد بالتفاقم، فإن الولاياتالمتحدة في عام 2024 قد قدمت 40 %من التمويل المدفوع، وبانسحاب حكومة الولاياتالمتحدة من تقديم الدعم المالي لمنظمات الأممالمتحدة؛ فإن العجز المتوقع لعام 2025 سيتزايد. يا رب غوثًا. السودان البلد الطيب يموت في صمت!