أطلقت وزارة التعليم السعودية منصّة "قبول" لتنظيم القبول الموحّد في الجامعات الحكومية والكليات التقنية للعام الجامعي 1447ه، في خطوة ترسّخ ركائز التحول الرقمي في التعليم العالي، وتسهّل إجراءات القبول على الطلاب وأسرهم في مختلف مناطق المملكة. فمن خلال بوابة إلكترونية واحدة ترتبط بمنصة "نفاذ"، يمكن للمتقدم التقديم على أكثر من 26 جامعة ومؤسسة تعليمية، مع ضمان حماية بياناته وسهولة التحقق منها. تمتد إجراءات القبول عبر المنصة لعدة أسابيع، تبدأ باستقبال الطلبات، ثم المفاضلة بين المتقدمين، وإجراء المقابلات الشخصية لبعض التخصصات، يليها تأكيد الرغبات، وصولًا إلى إتاحة فرص إضافية لمن لم يتم قبولهم في الدفعة الأولى. ويستند نظام المفاضلة إلى معايير موضوعية معلنة مسبقًا، تشمل المعدل الدراسي، ونتائج اختبارات القدرات العامة والتحصيل الدراسي، إلى جانب المتطلبات الخاصة بكل تخصص. ويُسهم هذا التنظيم في ترسيخ مبدأ الشفافية والمصداقية، ويعزز ثقة الطالب والأسرة في عدالة الإجراءات وسلامة آلية القبول، بما يُحول هذه المرحلة من مصدر قلق إلى عملية منظمة ومبنية على أسس واضحة. ولا يمكن الحديث عن القبول الجامعي دون التوقف عند ما كانت تواجهه الجامعات، وبالأخص عمداء القبول والتسجيل، من ضغوط مجتمعية متكررة، تتمثل في سيل من الطلبات الفردية والاستثناءات والوساطات، التي كثيرًا ما وضعتهم في مواقف حرجة بين الرضوخ لضغوطات مجتمعية ومطالب شخصية مع المحافظة على العدالة الأكاديمية. فقد كانت مواسم القبول تزدحم بالاتصالات والتوصيات، في مشهد قد يربك سير العمل، أو يؤثر سلبًا على ثقة المجتمع بمؤسساته التعليمية. أما اليوم، فقد أصبحت هذه التحديات تُواجه بحسم مؤسسي، حيث باتت الأنظمة هي الحَكم، والمعايير هي الفيصل، وهو ما خفّف العبء على عمادات القبول والتسجيل، وأعاد الاعتبار إلى العدالة كقاعدة وليس استثناء. وأصبح الطالب وولي أمره يعلمان أن القبول يُبنى على الجدارة، وليس على العلاقات. نعم، مع إطلاق منصة "قبول"، بات القبول الجامعي أكثر تنظيمًا وإنصافًا، حيث يُقيَّم كل متقدم وفق معايير موحدة، تستند إلى بيانات مركزية واضحة، دون تدخلات أو اجتهادات شخصية. وهذا يمنح الطلاب القدرة على اتخاذ قراراتهم بثقة، ويحوّل القبول الجامعي من تجربة مرهقة إلى مرحلة تخطيط ناضج للمسار الأكاديمي. وفي المقابل، تستفيد الجامعات من هذا النظام في رفع كفاءة استثمار المقاعد، وتحسين التوزيع وفق معطيات دقيقة للعرض والطلب، ما يخفف كذلك من الأعباء المادية والنفسية عن كاهل الآباء والأمهات والأسر بشكل عام. نحن أمام مشروع وطني يجمع بين التقنية والتربية، بين طموحات الطلاب ومتطلبات سوق العمل، ويسهم في رسم خريطة تخصصات أكثر مواءمة مع مستهدفات رؤية السعودية 2030. وهو ما يتطلب منا –كأعضاء هيئة تدريس– دعم هذا التحول، والإسهام في توعية طلابنا باختيار التخصصات المناسبة لقدراتهم وطموحاتهم، بما يفتح أمامهم أبواب المستقبل بثقة ومسؤولية. وما كان لهذا النظام أن يرى النور لولا إرادة تطويرية جادّة، وإيمان؛ بأن العدالة ليست ترفًا تنظيميًا بل مبدأ أساسي في بنية التعليم الجامعي، ولقد عايشت عن قرب طلابًا شغوفين أنهكهم القلق وهم يركضون خلف مقاعد محدودة، واليوم يعود القبول الجامعي إلى معناه الأصيل: بوابة عادلة نحو المستقبل، وليس سباقًا تحكمه الصدفة أو الوساطة. نعم، لم يعد القبول الموحد مجرد إجراء إداري تقني، بل أصبح تعبيرًا صريحًا عن رؤية تربوية عادلة؛ رؤية تؤمن بأن الانتماء لا يُقاس بالوساطات، وأن الفرص لا تُمنح لمن يلحّ في طلبها، بل لمن يملك الكفاءة التي تؤهله لها، حين تكون المعايير هي الحَكم، والجدارة هي المعيار العادل. وهكذا، لا يكون القبول الموحّد مجرد مرحلة تسجيل، بل أول خطوة في رحلة تعليمية تبدأ بالشفافية، وتمضي بالعدالة، وتنتهي بمواطنٍ متعلّمٍ يعرف قدر وطنه… ووطنٍ يعرف كيف يُنصف أبناءه.