على مدار أربعين عامًا من عملي في الخطوط الجوية السعودية، أدركت أنني وكثيرًا من زملائي لم ننجح في تحقيق التوازن بين الطموح المهني وحياتنا الشخصية. كنا نعتبر هذه المعادلة أقرب إلى الخرافة . وكأن النجاح في مجال معين يعني بالضرورة الفشل في مجالات أخرى. فمن يرانا ناجحين في حياتنا العملية ، لا يرى الجانب الخفي من القصة: التعب والإرهاق والغياب عن اللحظات العائلية المهمة والندم الذي يتسلل إلينا في لحظات الصمت. فقد كنا نركض خلف التميز الوظيفي ، نرتقي المناصب ، ونلبي متطلبات العمل بدقة ، لكننا في الوقت ذاته نتخلى – ولو دون وعي – عن تفاصيل إنسانية لا تُعوّض . الدكتور عادل صادق أستاذ الطب النفسي – رحمه الله- يرى أن فكرة التوازن المثالي غير واقعية. ويقول إن الناس يتخيلون التوازن كحالة دائمة من السعادة والاكتفاء لكنها لحظة لا وجود لها . وبدلاً من ذلك يجب أن نتقبل فكرة أن العمل والحياة الشخصية في صراع دائم . وعلينا السعي لدمجهما بأسلوب مرن نتقدم خطوة ونتراجع أخرى بحسب الظروف . من علامات غياب هذا التوازن الشعور المستمر بالإرهاق وتدهور الصحة النفسية والجسدية وإهمال العلاقات الشخصية بل وفقدان الشعور بالفرح حتى عند تحقيق الإنجازات. من المهم أن ننتبه لهذه الإشارات ونراجع أنفسنا. ليس المطلوب أن نتخلى عن طموحاتنا ، بل أن نضع له حدودًا ونُحسن إدارتها. يمكننا أن نبدأ بتحديد أولوياتنا ، ووضع حدود لوقت العمل واحترام حاجتنا للراحة والعائلة والنمو الشخصي. علينا أن نتعلّم التفويض ونتسامح مع أنفسنا عندما لا نستطيع أن ننجز كل شيء . اليوم ، وبعد أن مضت سنوات طويلة ، أرى أن النجاح الحقيقي لا يُقاس بما حققته من مناصب ، بل بما احتفظت به من علاقات إنسانية وأسرية وصحة وسلام داخلي. وفي النهاية ، التوازن ليس هدفًا نصل إليه ، بل هو رحلة مستمرة تتطلب وعياً وصراحة مع النفس. وإن أخطأنا الطريق ، فالمراجعة والنية الصادقة كفيلة بإعادتنا إلى المسار الذي يستحق أن نعيش فيه بشغف وهدوء .