في خطوة تكشف تحوّلاً جذرياً في الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه قطاع غزة، سرّبت وسائل إعلام إسرائيلية معلومات تفيد بمصادقة الحكومة على خطة لاحتلال كامل للقطاع، متجاوزة بذلك سنوات من الاكتفاء بالتوغلات المؤقتة والعمليات المحدودة. هذا التحوّل، الذي وصفته قناة 12 العبرية بأنه أقرّ في الكابينت الأمني، يأتي ضمن تصور أشمل لإعادة صياغة الواقع الجغرافي والديموغرافي والسياسي في غزة. اللافت أن توقيت هذا الإعلان يأتي متزامناً مع استدعاء عشرات الآلاف من جنود الاحتياط، ما يؤشر إلى أن العملية العسكرية القادمة لن تكون مجرد تصعيد تقليدي، بل تدخل ضمن رؤية استراتيجية تكرّس الوجود الإسرائيلي في القطاع. وبحسب التسريبات، تشمل الخطة نقل سكان شمال غزة إلى الجنوب، وهي خطوة توصف بأنها "إعادة تموضع قسرية"، تحمل في طياتها بعداً ديموغرافياً حساساً يُعزز من فرضية التهجير الجماعي تحت غطاء "حماية المدنيين". نتنياهو، في تصريحاته الأخيرة، أشار إلى أن هذه الخطة تخدم هدفين: القضاء على حماس واستعادة الأسرى، غير أن مراقبون يكشفون أن الأهداف تتجاوز ذلك بكثير. فالخطة، وفقاً لكلامه، تنقل الجيش الإسرائيلي من مرحلة الاقتحام المؤقت إلى مرحلة الاحتلال والبقاء، وهو تحول مفصلي يعكس فشل الرهانات السابقة على تقويض حماس من دون إدارة مباشرة للقطاع. أما على المستوى الشعبي داخل إسرائيل، فقد بدأت ملامح التصدع تظهر. تظاهرات اندلعت أمام مكتب رئيس الوزراء في القدس، وعائلات الرهائن عبّرت عن غضبها ورفضها للخطة، التي رأت فيها "مقامرة بأرواح المحتجزين"، ما يعكس تناقضاً داخلياً بين المؤسسة الأمنية والسياسية وبين قطاعات من المجتمع الإسرائيلي. في المقابل، يستمر نتنياهو في طرح "الهجرة الطوعية" كحل نهائي لقضية غزة، مستلهماً أفكار إدارة ترامب السابقة. التصور يقوم على دفع الفلسطينيين، بشكل غير مباشر، نحو مغادرة القطاع باتجاه مصر أو الأردن، في إعادة إنتاج لفكرة "الترانسفير" بثوب إنساني، عبر مناطق تُسمى "مساعدات إنسانية" تحت إشراف إسرائيلي مباشر. التصريحات المنقولة عن وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، والتي تؤكد أن "الاحتلال هذه المرة نهائي ولا انسحاب بعد اليوم"، تكشف عن حقيقة النوايا الإسرائيلية: إعادة هندسة قطاع غزة سياسياً وديموغرافياً وأمنياً. إنه إعلان غير مباشر عن نهاية مرحلة "الردع"، وبداية مرحلة "الإدارة بالقوة". وعلى الرغم من التقدم العسكري النسبي الذي أحرزته إسرائيل وسيطرتها على ما يقارب ثلث القطاع، تبقى المعادلة الدولية ضاغطة. فاستمرار الحصار على المساعدات منذ مارس يضع إسرائيل في مواجهة مباشرة مع أطراف دولية تطالب بفتح ممرات إنسانية، وهو ما قد يشكل قيداً على تطبيق الخطة بكامل أبعادها. وما يجري ليس مجرد تصعيد ميداني، بل تحوّل في العقيدة الأمنية والسياسية الإسرائيلية تجاه غزة. خطة الاحتلال الكامل ليست فقط رداً على حماس، بل مشروع متكامل لإعادة صياغة الجغرافيا السياسية في جنوبفلسطين، وسط مقاومة محلية وضغوط دولية قد تعيق أو تعيد توجيه المسار.