في ظل هذا التطور التكنولوجي والثورة في عالم الاتصالات، أصبح من المستحيل على أيِّ أمة أو جماعة أن تمنع فكر أو ثقافة الأمم والجماعات الأخرى من الوصول إليها، وأصبح ما نحتاج له فعلاً هو مناعة فكر وثقافة ضد الأفكار والثقافات الزائفة المُنحرفة، والتي تشتِّت عقولنا، وتشوش على ردود فعلنا، ولا بدَّ لنا من الحذر واليقظة حتى نحميَ فكرنا السليم وثقافتنا الصحيحة. ليس الخطأ أو الخطر في الحضارة أو التطور، إنما يكون الخطر في أن نُسارع لتناول وهضم كل ما يَصلُنا من الحضارات الأخرى، ودون إدراك أن هناك ما يناسب عقولنا وبيئتنا ونمطَ حياتنا، وأن هنالك ما لا يُناسبنا، لا بدَّ لنا من الموازنة بين التمسُّك بالجوهر والتغيير المطلوب. لذا؛ علينا أولًا أن نعود إلى ذاتنا لنحدِّد الأولويات والثوابت غير القابلة للتغيُّر، التي يجب الحفاظ عليها، والحرص على بقائها؛ لأنها هي أصلًا ما يميِّز ويحدِّد هُوِيَّتنا الحقيقية، وما يُمكن تطويره وتغييره. أظن أن هنالك فئةً قد افتُتنت بالغرب وفقَدت الثقة بموروثها الحضاري الثقافي الأصيل، لذا فهي تسعى لنقل تجربة الغرب الحضارية بشكل كامل لتطبيقها على أمَّتنا وحضارتنا، وكأنهم يغفلون أن لكل أمة شخصيتها وثقافتها وانتماءها المُختلِف عن باقي الأمم، وأن حضارتنا كانت قد سادت العالم، وقادت الحضارات عندما تمسَّك أفرادها بدينِهم ورسالتهم الأصلية السليمة. نحن نحتاج المناعة الفكريَّة والثقافية لمُجتمعاتنا، وأن نعرف الغثَّ من السمين، وأن نُدرك المفيد من الضارِّ مِن ثقافة الآخرين، وألا تَفتنَنا المادة، ونَنسى قيمة الأخلاق والقيم والمبادئ. ثامر عبدالغني فائق