وتمضي الأيام والسنوات إلا أن الذاكرة ترفض التخلي عن بعض من سكنها .. ربما وفاء منها لوجه زرع فيها الولع بكل ما هو جميل كجمال زرعه الذي مازال مخضرا كما لو أنه يرعاه بلطف العاشق الصادق . خالد زارع : الإعلامي والشاعر الذي نثر قلبه حبا في كل أرجاء الوطن حتى أصبح الوحيد الذي لا يطرق الأبواب عند قدومه لأنه الابن، والأخ، والصديق، والمربي الشامخ في كل معانيه . هل تسمعون صوته مثلي ؟ مازال صوته يبعثر ظلمة الغياب وكأن الوقت توقف معه وهو يكتب : ربوع بلادي علينا بتنادي تقول تعالوا شوفوني يا ولادي خالد زارع سندباد الوطن الذي جاب بعقولنا وأفئدتنا أرجاء وطنٍ كبر معنا قبل أن نكبر، سكننا قبل أن نسكنه . زارع الحب الذي تجاهل ألمه وهو يشاهد قطافه اليانعة فمضى يركض نحو المعالي وجسده المنهك يئن بصمت . أعرف أنك تسأل عنه يا وطني، اشتقت لخفقان قلبه الطيب، ولوجهه المرسوم في كل جزء منك لوحة تعبق بعطر ابن البلد البار .. ونحن كذلك يا وطني ... لا أحد ينكر أن صاحب الصوت الرخيم والقلب الرحيم امتطى صهوة فكره ليسبق الزمان والمكان .. يطرز بلون الإبداع وجه السماء وخد الأرض، وكأني أشاهده كالنحلة التي لا ترضى بغير البستان كي تعانق كل زهرة فيه . من أي مساء جئت يا زارع الحب ؟ جئت كقطرة سحر شفافة نقية تهفو إليها أرواحنا، ونسمة فجر تنام بين ذراعيك طفلة تنتظر صباح العيد . من أي الوجوه نسجت تهلل وجهك الطيب ؟ من أي الحارات حملت مواويل المسافرين إلى حيث الأفق ؟ هل تسمعون صوته الشجي كما أسمعه ؟ خالد زارع .. للاسم أبعاد عندما اجتمعت شكلت لوحة من خلود لا يزول . خالدٌ في قلوب محبيه الذين كلما قلبوا صفحاتهم وجدوا له صورة تبتسم، و زارعٌ يغرس البقاء بذكراه العطرة أينما حط رحاله . كم أتمنى لو يخطفني الماضي لأعود طفلا يلعب مع صوتك المهاجر عبر كل الأزمنة .. طفل يهرب من بين الطين ليسكن كلماتك المسكونة بالحياة . زارع الحب نحت الصخر في زمن الشح، فكل قطرة عرق كان ينزفها جبيه تهطل ممزوجة ببعض روحه الصافية الشفافة لذلك لم يك ليعرف الأطباق المذهبة التي تأتي محملة بالطموح والسعي . وعندما نغمض أعيننا ونحن نسمع كلمات الشاعر خالد زارع فنحن بلا أدنى شك نقف أمام باعث للكلمة الرقيقة المغموسة ببساطة حارات جدة القديمة وأهلها الطيبين وأصوات النوارس المحلقة في القريب .. زارع الحب الشاعر سرقته منا مشقة الحياة والشعور بالمسؤولية اتجاه جيل نهل منه مبادئ التسامح والوفاء . سهرانين في بحور العيون السود ولا نرحم ليالينا مشتاقين للحب اللي ماله حدود ومتعبنا ومشقينا من يغزل هذه الكلمات الوجدانية غير زارع الحب الذي كّون من كل العصور عصرا يحمل رائحته ولونه رحل برحيله وانتهى بصمت النبلاء الذين يعبرون بخفة النسائم التي تعطر المكان بأنفاسها وترحل . وتوقف زارع الحب عن الركض، تعب جسده الذي حمل لسنوات روحا معطاءة لا تقف عند حدود النجاح ترجل الفارس الذي لم يحمل سيفا ولا قوسا بل حمل شعرا و فكرا مازال يسكننا ونسكنه وكأني بالجسد المتعب يخاطب زارع الحب: شد الشراع فوق السفينة وامخر بها بحر السكينة غاب وجهه ذات يوم فذرفت شمس النهار دموع الرحيل التي تعرفه جيدا بغروب تعانق به وجه البحر الممتد .. رحل بهدوء الطيور المهاجرة وصمت كل حديث كان ينحني أمام نبرة صوته البديع . طبت نفسا يا زارع الحب .. طبت نفسا . [email protected]