قد تجد لكل شيء حي في هذه الدنيا ما يجعله ينمو، يوقف نموه أو يدمره، فالنبات يمكن أن ترعاه بالماء، الهواء، المساحة، ويمكن ايقاف نموه أو تدميره إذا ما أوقفت انواع الرعاية الهامة لهذا النبات. كذلك الإنسان، هنالك عوامل كثيرة تجعله ينمو و آخرى قد توقف نموه أو تدمره، والتدمير درجات و أنواع ولا يعني الموت في جميع الأحوال. من السهولة بناء جسم الإنسان ما لم يكن لديه اعاقة خلقية أو مرضية ومن السهل تدمير هذا الجسم وبوسائل كثيرة. يختلف الحال بالنسبة للنمو الفكري الذي يحتاج إلى إضاء فكرية لكي ينمو بالطريقة السليمة وفي الطريق الصحيح، لأنه قد ينمو ولكن بطريقة خاطئة وتجده لاحقاً في الطريق الخطأ. قد تلاحظ أن ابنك تظهر عليه أعراض المرض الجسدي فتجلب له الرعاية الطبية وغالباً ما تجده مطيعاً وممتناً لفعلك، لكن في حالة الاعتلال الفكري يصعب التشخيص بالنظر مالم تكن الحالة متقدمة العلة، وقد يكون اعتلال الفكر لا يعني الطريق للدمار عند العليل فكرياً كما هو طريق للموت عند العليل جسدياً، بل قد يصل الحال بالمعتل فكرياً أن يحاول خداعك إذا فكرت أن تصحح علته التي في الغالب تكون اسبابها سوء الرعاية الفكرية، وقد يسيئ إليك العليل إذا ما أصررت على علاجه لأنه لا يعترف بعلته الفكرية مثل اعترافه بالجسدية. الدمار الفكري يتأسس في بعض صوره عن طريق قطع الموارد التي تنمي الفكر، الحد من نمو الفكر أو من خلال عدم احترام الفكر الإنساني الذي قد يتحور ويتدور. والهدم الفكري غالباً ما يحدث في السنين الأولى للإنسان، وقد يكون المتسبب فيه عند الطفل والديه بسبب ثقافة أحدهما أو كليهما فيعتقدان أحياناً أنهم يحافظون على طفلهم وهم في الحقيقة يعملون على تدمير فكره من خلال مدخلات خاطئة يجتهدون على تأسيسها بل وترسيخها، يشاركهم في ذلك بعض المناهج الدراسية لبعض المراحل السنية اضافة إلى البرامج والمسلسلات التلفزيونية والإذاعية المعتلة. هنالك أدوات تدمير فتاكة يمارسها الوالدان وكذلك المجتمع دون قصد التدمير ولكن لجهل أدوات الدمار وآثارها على المتلقي، ففي حالة الطفل تكون بعض هذه الأدوات عبارة عن تصرفات سلبية صوتية (صراخ) أو عملية (عنف) يترجمها فكر الطفل إلى خوف وبكاء قد يتطور إلى اضطرابات مختلفة لاحقاً. في حالة الشباب قد تكون الأدوات عبارة عن توبيخ، عدم الثقة، حبس الحرية الشخصية، تعليم الكذب، الخداع و المطالبة بالتطبيق الأعمى دون قناعة، وجميعها تصنع نوعية معلومات وطريقة تلقي مشوهة عند جيل الشباب تؤسس من خلالها البنية التحتية لفكرهم أو ما يسميه علم النفس والاجتماع السلوك الشخصي. إن سلوكياتنا كمجتمعات أو أفراد تمثل العامل الرئيسي في الناتج القومي، العائلي أو الشخصي، والاهتمام بالسلوك يعتبر من أهم إن لم يكن أهم أساسيات حياة الإنسان، لأنه المصدر الرئيسي للأخلاق ولذلك رسول الله محمد عليه وعلى آله الصلاة والسلام من جاء بالقرآن الذي هو دليل إدارة الإنسان بعث ليتمم مكارم الأخلاق بصفتها الممثل الرسمي للسلوك، ولكل هذا يجب أن نجعل كلمة السلوك عنواناً رئيسياً في جميع خططتنا التنموية ولسنين طويلة إذا ما أردنا الإصلاح الفكري للإنسان العصري. إن العناية بالإنسان تبدأ برعايته صحياً وفكرياً، وكلاهما يعتمد على المدخلات التي يتلقاها هذا الإنسان عن طرق الفم، الأذن أو العين، ولأن الإنسان في بداية حياته يعتمد على الآخرين في جميع مدخلاته فلابد من تفهيم المجتمع بجميع الوسائل المتاحة خطورة المدخلات الغذائية والفكرية الفاسدة للأجيال القادمة سواء بسبب انتهاء صلاحيتها لللاستخدام العصري أو عدم مطابقتها للصفات الإنسانية. ولأن الشباب هم الغالبية في هذا العصر ولأن المساحة هنا لا تتسع للشرح أكثر، أجد أن عرض أهم أنواع العلاج لأغلب حالات الشباب الفكرية هو الأهم، ومن هذه الأدوية وعلى رأسها يأتي التشجيع، ويجب التأكد من توفر جو التشجيع المبكر ويكون مادة دراسية في مختلف المراحل، بالتشجيع ينمى فكر الشباب لاختيار نوعية المدخلات بمختلف أصنافها وبالتشجيع يتطور السلوك الحسن الإجابي وتطويره يكون بالإصرار والهمة لأنه رأس مال الأمة. إن الرعاية الاجتماعية يجب أن لا تقتصر على ذوي الاحتياجات الخاصة و المحتاجين مالياً فقط لأن المجتمع يمثل جميع شرائحه، ولهذا يجب الاهتمام بالرعاية الفكرية التي إذا لم تنمُ صحياً فهي ليست مثل الجسد تمرض وتموت، بل مثل النار قد يحرق شررها ويستفحل شرها.