لقد فقدت الأمة العربية شاعر مقاومة من الطراز الأول لكن مخزونها الإبداعي المتلون فى جميع التوجهات بمن يفوق درويش علما وادبا وثقافة راقية بملايين المرات وحفاظا على الزمان والمكان أردت أن ينحصر الحديث فى هذه الشخصية العملاقة على جانبين وليعذرني القارئ الكريم إن قصرت فى هذين الجانبين أو الجوانب المضيئة من حياة وكفاح هذا الفارس الذى ترجل عنوة وفجأة اثر مرض قلبي لم يمهله حتى الرد على معارضيه رغم انه كان يبادله الصراع ندا بند لكن قدر الله إذا جاء لا يقدم ولايأخر وأبدأ بموقع درويش من المقاومة وهل هذا السبب الذى جعل شاعرنا يتفوق حتى فى مفردات اللغة ويوظفها ليحارب بها المحتل وحقيقة شعر المقاومة لم يكن وليد العصر الذى عاشه الشاعر الفلسطيني المقاوم محمود درويش أو من قبله أو من بعده لكنه كان هذا الشعر معروفا منذ الجاهلية وتناوله الفطاحل من شعرائهم ومن ابرز ما قاله فى ذلك طرفة بن العبد وهو من أصحاب المعلقات وأمير شعراء الصعاليك ...فهل من خالد إما هلكنا ...وهل بالموت يا للناس عار؟ ... كما تغنى العرب آنذاك بالفروسية التى كانوا يعدونها نوعا هاما من المقاومة فدريد ابن الصمه أوضح هذا جليا عندما رثى أخاه عبد الله الذى قتل فى إحدى الغارات بقصيدة أصبحت فيما بعد من عيون الشعر العربي نورد أهمها فى بيتين حفاظا على ملاحقة الموضوع وهما ...دعاني أخي والخيل بيني وبينه ...فلما دعاني لم يجدني بقعود ....البيت الثاني : فطاعنت عنه الخيل حتى تنهنهت .....وحتى علانى حالك اللون اسود ....وحتى شعر المقاومة نراه واضحا جليا فى شعر ألئك الذين غلبهم اللون العذري كعنترة العبسى فى قوله : إني امرؤ من خير عبس منصبا ....شعرى وأحمى سائرى بالمنصل ...والغريب فى فهم المقاومة بشكل عام أن هناك من يخلط بينها وبين الجهاد الذى شرعه الدين الحنيف وفق خطط تنظيمية منذ فجره وجاءوا بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية دون شرح أولى يترتب على أسباب وقوعها ولانستبعد ضلوع أعداء الإسلام فى ذلك وعلى كل ليس هذا موضوعنا إلا أننا قد نتطرق إليه فى أحاديث لاحقة . ومما قاله الصحابي الجليل عامر بن الأكوح عن المقاومة فى غزوة خيبر والنبي صلى الله عليه وسلم يسمعه ولم ينكر عليه ...قد علمت خيبر أنى عامر ....شاكى السلاح بكل مغامر ...ثم ارتجز والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا ...انا إذا قوم بغوا علينا ...وان أرادوا فتنة أبينا ...فانزلن سكينة علينا ....وثبت الأقدام إن لاقينا وان دققنا فى البيتين الأخيرين نلاحظ أن جهاد المقاومة محكوم بأمرين الأول مقاومة المعتدى مثل المستعمر أو من يعتدي على حقوق الغير فى المال والحرمات والثاني مقاومة الباطل بأي شكل من الأشكال واعتقد أن الصورة قد وضحت لمن يخلطون بين الجهاد والإرهاب وبهذه المناسبة أود من علماء المسلمين جزاهم الله خيرا أن يركزوا كثيرا فى هذين الجانبين المهمين الذى تفرعت منهما سبلا قادت جل شباب المسلمين إلى الهاوية باسم الجهاد المنتهى إلى الجنة حتى وصل بهم ذلك إلي قتل الأنفس البريئة تحت سوء فهم هذين المسلكين ونجيب هؤلاء بقول الشاعر : فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها ..فالذكر للإنسان عمر ثان .... واخيرا فى هذا الجانب من الحديث نتعرض لشعر المقاومة الحديث للشاعر محمود سامي البارودى حيث قال : لافارس اليوم يحمى سرجه الوادي طاح الردى بشهاب الحرب والنادى مات الذى ترهب الأقران صولته ويتقى بأسه الضر غامة العادي وكي أوضح العلاقة فيما سبق وفيما قاله الشاعر الفلسطيني الخالد محمود درويش اترك المقارنة للقارئ الكريم هل يحق لهذا الشاعر اللحاق بركبهم واختم ذلك بهذا البيت لشاعر النيل حافظ إبراهيم الذى قال فيه : إن المناصب فى عزل وتولية .... غير المواهب فى ذكر وتخليد ... انا لا أتعرض للشعر الحر لأني لا أتذوق منه إلا اللفظ البديع هذا إن تجانست الفكرة مع النص وان سمعته أيضا وأُكبر الشاعر محمود درويش فى عدم اعترافه بشعره الحر بدليل انه لم يضفه إلى ديوانه كما اشكر من تأثر بمقالتي التى نشرتها فى احدى الصحف المحلية بعنوان شعرنا المنظوم ..وتاريخنا الصادق وعلى اثر ذلك بعث لي الأستاذ خشان محمد خشان كتابه العروض الرقمية ولازلت إلى الآن اعكف عليه لاستخراج آلياته الفنية على التفعيلة العروضية لأن الهدف من هذا هو اختصار الوقت فى معرفة الشعر الرديء من الجيد فى زمن قياسي والله الموفق .. المدينةالمنورة : ص .ب: 2949 Madenah-monawara .com