لا أحب الحديث عن الخلافات المذهبية في الإسلام ليقيني أنها تشظيات طبيعية في كل الأديان وأعتقد أنه من حق كل مذهب أو طائفة أن تعتقد ما تشاء لكن الخطر الكبير يكون عندما تصبح المذهبيات آداة سياسية وإيديولوجية للدولة ليست لغرض تلهية الشعوب أو لمصلحة سياسية كما في بعض الدول المؤدلجة .. فإيران جادة تماما في المذهبية وأنها النواة الراسخة والزحم الجماهيري الذي يساعد على ابتلاع دول الخليج وما حولها وإذلال هذه الشعوب بعد ذلك انتقاما مذهبيا وتاريخيا منذ أن سقطت إمبراطورية فارس . التخطيط الإيراني مخيف جدا وقد بلغ ذروته وبدأ مخيما على المنطقة التي تحرسها الدول الغربية بسبب النفط ولا شيء غير النفط . إيران متوغلة ومخترقة دول الخليج ولها أذرع في كل دولة خليجية مخلصة لها تماما باطنا وظاهرا ولا ارتباط لهم بدول الخليج إلا بالجنسية فقط .. ومما زاد تعقيد الوضع أن طوائف الشيعة في دول الخليج تتذمر من تلك الحكومات السنية وهذا أمر طبيعي لأن مسائل الاعتقاد لا تفرض فرضا على الناس المخالفين فلن يتقبلوها إلا مرغمين والإنسان لا يقبل بالإرغام دائما وأبدا ومع مرور الوقت تزداد الترسبات والكره والبغض . يبدو أن الوقت متأخر جدا لتلافي السيناريو الإيراني في المنطقة خاصة وأن ميزان القوة يميل لإيران فهي تمتلك الآن القنبلة النووية وقريبا ستعترف بها الدول العظمى في النادي النووي وستكون إيران الند للند مع تلك الدول التي لا تعترف إلا بميزان القوة ولا شيء غير القوة . لا يمكن للأمريكان والغرب أن يضحي بأبنائه في حرب مدمرة مع إيران ويبقى الحوار والتفاهم هو الحل كما صرح الأمريكان بذلك ومعهم الغرب أيضا .. فما هذا الحوار الذي يتحدثون عنه ؟ وحوار حول ماذا ؟! إنه حوار حول المصالح وضمانها وكيف تكون الآلية من غير الدخول في حرب مدمرة ؟ أي إنسان لديه ذرة من عقل سيفهم السيناريو الذي ستؤول إليه الأحداث مستقبليا . ليس لدى الغرب وأمريكا من مصالح في المنطقة غير النفط وهو نقطة ضعفهم الوحيدة وخاصرتهم الرخوة التي تلعب عليها إيران كل مرة .. فمتى ما ضمنت لهم إيران النفط فإن كل شيء بعد ذلك محتمل ومن تلك الاحتمالات أن تتخلى أمريكا والغرب عن الدول الضعيفة لضمان مصلحتها فلا داعي للدخول في حرب خاسرة في كل الأحوال . ومما يعزز موقف إيران في هذا السيناريو أن دول الخليج لم توطد علاقتها مع الدول الأخرى ذات الوزن العالمي مثل روسيا والهند والصين ودول أمريكا الجنوبية بل اعتمدت على أمريكا التي لا يهمها إلا مصلحتها فمتى ما تحققت لها تركت كل شيء فالعلاقة علاقة مصالح مؤقتة في حين حسبناها علاقة سرمدية وهذا هو الذي أضعفنا لأننا اعتمدنا عليهم ولم نعتمد على أنفسنا . عندما سئل المفكر عبدالله النفيسي عن دور إيران والممانعة السورية ومقاومة حزب الله لإسرائيل قال : هذه حدوتة بلهجة المصريين أي حدوثة . إيران لديها استعداد كامل للانخراط في شراكة وعلاقة صداقة مع إسرائيل وأمريكا عندما تبتلع دول الخليج لكنها تعزف على نفس النغمة التي تعزف عليها الدول العربية ضد إسرائيل . خلاصة الكلام : كيف نتجنب ذلك السيناريو ؟ نعم الوقت متأخر جدا لكن علينا أن نقفز القفزة الكبرى التي ستربك إيران وغيرها وهذه تحتاج إلى بعد نظر وتغيير الخطاب الميت الذي نقتات عليه كل يوم .. إننا نحتاج إلى الانخراط في النظام العالمي بكل وضوح وأن يكون لدينا برنامج حياة يقنع شعوب العالم . إننا نحتاج إلى تخطيط وعمل وحزم مع تلك الأصوات الميتة التي تتحدث بلغة الموتى في غابر الأزمان . إن صراعنا الثقافي الداخلي اليومي هو أشبه بتناطح الغزلان في وقت تتربص بها الضباع من وراء الأشجار وتنتظر اللحظة المناسبة للصيد . إن إيران وبذكاء حاد تماهت مع خطابنا الثقافي مثل الفيروس المتماهي مع الخلية وهو يهدف إلى القضاء عليها من الداخل . يجب أن نعرف تماما أن علاقتنا مع دول العالم ترتكز على مدى قوتنا فإذا كنا ضعافا فلن يأبه أحد لما نريد بل إني أستغرب كيف لمنطقة تختزن طاقة العالم كله وبدون هذه الطاقة ستتوقف عجلة حضارتهم وطائراتهم ومصانعهم ومفاعلهم كيف لا يكون لها الكلمة الفصل في قضايا المنطقة وحتى في قضاياها ؟ يجب أن نأكل التراب وورق الأشجار حتى نمتلك القوة فكرا وعلما وصناعة ومنها القنبلة النووية ومن غير ذلك سنبقى صغارا ننتظر ذلك السيناريو الذي يلوح في الأفق .