السعودية.. مسيرة نجاح بقيادة حازمة ورؤية طموحة    مركز الملك سلمان للإغاثة يُنظم جلسة عن "النهج الترابطي بين العمل الإنساني والتنمية والسلام" بنيويورك    القيادة تهنئ رئيسة جمهورية ترينيداد وتوباغو والقائد الأعلى للقوات المسلحة بمناسبة ذكرى يوم الجمهورية لبلادها    القبض على مواطن لترويجه الحشيش وأقراصا خاضعة لتنظيم التداول الطبي بجدة    (الهفتاء ) يتلقى تكريمًا واسعًا من إعلاميي السعودية والعالم العربي    احتفالا باليوم الوطني 95..أسواق العثيم تؤكد استمرار مساهماتها الداعمة للقطاعات الاقتصادية والاستثمار المحلي    أبناء وبنات مجمع الأمير سلطان للتأهيل يزورون مرضى مجمع الدمام الطبي    مشاركة واسعة من الأهالي والزوار في فعاليات المنطقة الشرقية في اليوم الوطني 95    «ناسا» تكشف عن فريقها ال24 من روّاد الفضاء 23 سبتمبر 2025    مؤتمر حل الدولتين انتصار تاريخي لصوت الحكمة والعدالة والقيم على آلة الحرب والدمار والصلف    ارتفاع أسعار النفط    الأمير سعود بن مشعل يشهد الحفل الذي أقامته إمارة المنطقة بمناسبة اليوم الوطني 95    تمكين السياحة.. إبراز الهوية وتعزيز المكانة العالمية    وزارة الداخلية تختتم فعالية "عز الوطن"    فقيد الأمة: رحيل الشيخ عبد العزيز آل الشيخ وعطاء لا يُنسى    وزير النقل يعلن تبرع خادم الحرمين بمليون دولار دعما لمنظمة الطيران المدني الدولي    الجبير يلتقي رئيسة وزراء جمهورية باربادوس    وصفها ب«الثمينة» مع السعودية ودول الخليج.. ترمب: علاقات واشنطن والرياض دعامة أساسية للاستقرار العالمي    «كروز» ترسخ مكانة السعودية في السياحة البحرية    ضبط 4 مقيمين مخالفين لنظام البيئة    تغلب على الأهلي بثلاثية.. بيراميدز يتوج بكأس القارات الثلاث «إنتركونتنتال»    أوقفوا نزيف الهلال    أخضر 17 يتغلب على الكويت برباعية في «الخليجية»    الكرة في ملعب مسيري النادي أيها الفتحاويون    التقي القيادات في منطقة نجران.. وزير الداخلية: الأمنيون والعسكريون يتفانون في صون استقرار الوطن    القيادة تتلقى تعازي قادة دول في مفتى عام المملكة    الملك سلمان: نحمد الله على ما تحقق من إنجازات في بلادنا الغالية    الصحة تحذر من تفاقم الأزمة الإنسانية.. مستشفيات غزة على وشك التوقف    قصص شعرية    أحلام تتألق في الشرقية بليلة غنائية وطنية    علماء يبتكرون خاتماً لاحتواء القلق    47 منظمة إنسانية تحذر من المجاعة باليمن    المشي يقلل خطر الإصابة بآلام الظهر المزمنة    فيصل بن مشعل يرعى مسيرة اليوم الوطني واحتفال أهالي القصيم    سعوديبيديا تصدر ملحقا عن اليوم الوطني السعودي 95    رياضتنا في 95 عاماً.. إرشيف رياضي وصفحات تاريخية خالدة    اليوم الوطني.. الدبلوماسية السعودية باقتدار    محافظة طريب تحتفل باليوم الوطني ال95    الدفاع المدني يشارك في فعالية وزارة الداخلية "عز الوطن" احتفاءً باليوم الوطني ال (95) للمملكة    الاتحاد يتأهل لثمن نهائي الكأس على حساب الوحدة    القوات الخاصة للأمن والحماية تشارك في مسيرة احتفالات اليوم الوطني السعودي ال(95) بمحافظة الدرعية    المحائلي تبدع بالفن التشكيلي في اليوم الوطني ال95 رغم صغر سنها    بلان يتحدث عن موقف بنزيما من لقاء النصر    رحيل مفتي المملكة.. إرث علمي ومسيرة خالدة    نمو أقوى في 2025 و2026 للاقتصاد الخليجي بقوة أداء القطاعات غير النفطية    صلاة الغائب على سماحة المفتي العام للمملكة في المسجد النبوي    السعودية ترحب بالاعترافات الدولية بفلسطين خلال مؤتمر حل الدولتين    الهلال الأحمر بالقصيم يكمل جاهزيته للاحتفال باليوم الوطني ال95 ومبادرة غرسة وطن وزيارة المصابين    الأحساء تشهد نجاح أول عملية بالمملكة لاستئصال ورم كلوي باستخدام جراحة الروبوت    أمير جازان ونائبه يزوران معرض نموذج الرعاية الصحية السعودي    صندوق الوقف الصحي يطلق النسخة من مبادرة وليد تزامنا مع اليوم الوطني ال95    المشي المنتظم يقلل خطر الإصابة بآلام الظهر المزمنة    فضيلة المستشار الشرعي بجازان: " قيادة وشعبًا متماسكين في وطنٍ عظيم "    100 شاب يبدؤون رحلتهم نحو الإقلاع عن التدخين في كلاسيكو جدة    الأمن يحبط تهريب 145.7 كجم مخدرات    حفاظاً على جودة الحياة.. «البلديات»: 200 ألف ريال غرامة تقسيم الوحدات السكنية    القوات الأمنية تستعرض عرضًا دراميًا يحاكي الجاهزية الميدانية بعنوان (حنّا لها)    عزنا بطبعنا.. المبادئ السعودية ركيزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القناعة أربح تجارة
نشر في تواصل يوم 10 - 10 - 2012

فَأوصِيكم أَيّهَا النَّاس وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ : ﴿ وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَه مَخرجاً * وَيَرزقْه مِن حَيث لا يَحتَسِب وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهوَ حَسبه إِنَّ اللهَ بَالِغ أَمرِهِ قَد جَعَلَ الله لِكلِّ شَيءٍ قَدراً ﴾ [الطلاق: 2، 3].
أَيّهَا المسلِمونَ:
تَقدِير النِّعَمِ أَوِ ازدِرَاؤهَا، سَبَبٌ لِلقَنَاعَةِ وَالرِّضَا، أَو سَبِيلٌ إِلى الطَّمَعِ وَالجَشَعِ، وَمَرَدّ ذَلِكَ في الغَالِبِ هوَ نَظر الإِنسَانِ إِلى مَن حَولَه، فَإِنْ هوَ مَدَّ عَينَيهِ إِلى مَا متِّعَ بِهِ أَقوَامٌ مِن زَهرَةِ الحَيَاةِ الدّنيَا، وَتَشَوَّفَ إِلى مَا يَملِكه الأَغنِيَاء وَالكبَرَاء وَالمترَفونَ، أَدَّى بِهِ ذَلِكَ إِلى ازدِرَاءِ مَا عِندَه مِن نِعَمِ اللهِ الكَثِيرَةِ، فَجَعَلَ يَتَطَلَّع إِلى مَا لا يطِيق،وَجَعَلَت نَفسه تَتَلَهَّف عَلَى مَا لا يحَصِّل، وَأَمَّا إِنْ رَزَقَه الله التَّبَصّرَ وَالتَّأَمّلَ في الأَكثَرِينَ، وَعَلِمَ بِأَنَّهم أَقَلّ مِنه في الدّنيَا حَظّاً وَأَضيَق رِزقاً، فَإِنَّ ذَلِكَ سَيورِثه تَقدِيرَ مَا أَنعَمَ الله بِهِ عَلَيهِ، وَالكَفَّ عَمَّا لَيسَ في يَدَيهِ، وَالالتِفَاتَ إِلى مَا يصلِح شَأنَه في أخرَاه، لِعِلمِهِ أَنَّه لَن يَكونَ إِلاَّ مَا قَدَّرَ الله، وَلَن يَنَالَ أَحَدٌ غَيرَ مَا قسِمَ لَه، وَفي الحَدِيثِ الَّذِي رَوَاه مسلِمٌ وَغَيره قَالَ – صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "انظروا إِلى مَن هوَ أَسفَلَ مِنكم، وَلَا تَنظروا إِلى مَن هوَ فَوقَكم، فَإِنَّه أَجدَر أَلاَّ تَزدَروا نِعمَةَ اللهِ".
إِنَّهَا وَصِيَّةٌ نَافِعَةٌ جَامِعَةٌ، وَتَوجِيهٌ نَبَوِيٌّ عَظِيمٌ، لَوِ اتَّخَذَه المسلِم مَنهَجاً لَه في هَذَا الجَانِبِ المهِمِّ مِن حَيَاتِهِ، لَرزِقَ شكرَ نِعَمِ اللهِ عَلَيهِ بِالاعتِرَافِ بها، وَلَتَحَدَّثَ بها وَلَو بَينَه وَبَينَ نَفسِهِ، وَلَرزِقَ الاستِعَانَةَ بها عَلَى طَاعَةِ الخَالِقِ المنعِمِ – سبحَانَه – وَلَسَلِمَ مِن كَثِيرٍ مِمَّا يَتَحَمَّله غَيره مِن ديونٍ، أَو مَا يَتَعَدَّونَ عَلَيهِ مِن حقوقٍ، أَو مَا يَتَّصِفونَ بِهِ مِن سَيِّئِ خلقٍ وَلَئِيمِ طَبعٍ، وَهِي السَّيِّئَات الَّتي يَدفَع الكَثِيرِينَ إِلَيهَا أَو إِلى بَعضِهَا، نَظَرهم بِتَلَهّفٍ إِلى مَن هوَ فَوقَهم، وَتَغَافلهم عَمَّن هوَ أَسفَلَ مِنهم.
إِنَّ القلوبَ لَتَمرَض وَإِنَّ النّفوسَ لَتَسقَم، وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَيبتَلَى بِالهَمِّ وَالغَمِّ، مِن دَوَامِ النَّظَرِ إِلى مَن هوَ أَكثَر مِنه في الدّنيَا حَظّاً، وَنِسيَانِ مَن هوَ أَقَلّ مِنه عَطَاءً وَنَصِيباً، وَلِهَذَا فَإِنَّ أَعظَمَ دَوَاءٍ لِتِلكَ القلوبِ الضَّعِيفَةِ وَالنّفوسِ الخَوَّارَةِ، أَن يَلحَظَ أَصحَابهَا في كلِّ وَقتٍ وَحِينٍ أَنَّهم لَيسوا الأَقَلَّ مِن غَيرِهِم نَصِيباً وَلا الأَسوَأَ حَظّاً،بَل ثَمَّةَ مَن هوَ دونَهم في عَقلِهِ أَو مَالِهِ، وَهنَاكَ مَن هوَ أَوضَع نَسَباً وَأَقَلّ شَرَفاً، وَمَن هوَ أَدنى جَاهاً أَو عِلماً، وَالدّنيَا مَلِيئَةٌ بِالمبتَلَينَ بِأَصنَافِ البَلاءِ في أَجسَادِهِم أَو دِينِهِم أَو خَلقِهِم أَو خلقِهِم، في حِينِ أَنَّ آخَرِينَ يوَازِنونَ أَنفسَهم بِالأَغنِيَاءِ وَأَهلِ الجَاهِ، فَيَزدَادونَ غَمّاً وَهَمّاً، وَلَو وَازَنوهَا بِالفقَرَاءِ وَالمَحرومِينَ، لَمَا وَسِعَتهم الدّنيَا مِنَ الفَرَحِ، وَلَطَفَحَ بِهِم السّرور، وَلأَكثَروا مِن شكرِ رَبِّهِم وَالثَّنَاءِ عَلَيهِ وَحَمدِهِ، فَعوفوا وَسَلِموا مِنَ البَلاءِ.
أَيّهَا المسلِمونَ:
قَد يَظنّ بَعض النَّاسِ أَنَّ في هَذَا الحَدِيثِ تَحطِيماً لِلطّموحِ وَتَقيِيداً لِلتَّفكِيرِ، وَقَتلاً لِروحِ التَّنَافسِ الشَّرِيفِ، وَمَنعاً لِلنَّاسِ مِنَ التَّقَدّمِ وَالازدِيَادِ مِنَ الخَيرِ، وَلَيسَ الأَمر كَذَلِكَ، وَمَا كَانَ الإِسلام لِيَأمرَ أَتبَاعَه بِهَذَا وَلا يقِرّهم عَلَيهِ، إِذْ مَا هوَ بِدِينِ رَهبَنَةٍ وَلا تَبَتّلٍ تَامٍّ، وَلا انقِطَاعٍ عَمَّا يَقوت الإِنسَانَ وَيقِيم أَوَدَه، وَلا انصِرَافٍ عَمَّا يَضمَن لَه الحَيَاةَ الكَرِيمَةَ وَالعِيشَةَ النَّقِيَّةَ، وَلَكِنَّ المَقصوَدَ أَن يَتَّصِفَ المسلِم بِالقَنَاعَةِ وَالرِّضَا؛ لِيَهنَأَ بِحَيَاتِهِ وَيَصفوَ لَه عَيشه، وَلا يَكونَ كَحَالِ مَن شَغَلوا أَنفسَهم بِمطَارَدَةِ الآخَرِينَ وَالنَّظَرِ إِلى مَا أوتوا، ظَانِّينَ أَنَّهم بِذَلِكَ يَدفَعونَ أَنفسَهم لِلصّعودِ في مَرَاقي السَّعَادَةِ، وَمَا عَلِموا أَنَّ مَن كَانَ هَذَا شَأنَه، يَنظر فِيمَا عِندَ فلانٍ وَيَطمَع أَن يَكونَ مِثلَ فلانٍ، وَيَتَطَلَّع إِلى مِثلِ مَالِ هَذَا ولا يَقنَع بِغَيرِ جَاهِ ذَاكَ، فَلَن يحَصِّلَ السَّعَادَةَ أَبَداً؛ لأَنَّ مَعنى ذَلِكَ أَنَّه لَن يَسعَدَ إِلاَّ إِذَا أَصبَحَ أَعلَى النَّاسِ في كلِّ شَيءٍ، وَهَذَا مِن أَبعَدِ المحَالِ؛ وَقَدِ اقتَضَت الحِكمَة الرَّبَّانِيَّة في هَذَا الكَونِ، أَنَّ مَن كَملَت لَه أَشيَاء قَصرَت عَنه أَشيَاء، وَمَن عَلا بِأمورٍ سَفلَت بِهِ أمورٌ، وَيَأبى الله – تَعَالى – الكَمَالَ المطلَقَ لأَحَدٍ مِن خَلقِهِ كَائِناً مَن كَانَ؛ وَمِن ثَمَّ كَانَتِ القَنَاعَة وَالرِّضَا مِن أَجَلِّ النِّعَمِ وَأَعظَمِ المِنَحِ الَّتي يغبَط عَلَيهَا صَاحِبهَا، بَل هِيَ الفَلاح وَالنَّجَاة، قَالَ – عَلَيهِ الصَّلاة وَالسَّلام -: "قَد أَفلَحَ مَن أَسلَمَ وَرزِقَ كَفَافاً وَقَنَّعَه الله بما آتَاه" رَوَاه مسلِمٌ وَغَيره.
وَإِذَا كَانَ بَعض السَّلَفِ قَد جَعَلَ أَعلَى مَنَازِلِ القَنَاعَةِ أَن يَقتَنِعَ المسلِم بِالبلغَةِ مِن دنيَاه، وَيَصرِفَ نَفسَه عَنِ التَّعَرّضِ لِمَا سِوَاه، ثم جَعَلَ أَوسَطَ حَالِ المقتَنِعِ أَن تَنتَهِيَ بِهِ القَنَاعَة إِلى الكِفَايَةِ، وَيَحذِفَ الفضولَ وَالزِّيَادَةَ، ثم جَعَلَ أَدنى مَنَازِلِهَا أَن تَنتَهِيَ بِهِ القَنَاعَة إِلى الوقوفِ عَلَى مَا سَنَحَ، فَلا يَكرَه مَا أَتَاه وَإِن كَانَ كَثِيراً، وَلا يَطلب مَا تَعَذَّرَ وَإِن كَانَ يَسِيراً. فَإِنَّنَا نَقول لِلنَّاسِ: إن لم تَتَّصِفوا بِأَعلَى القَنَاعَةِ وَهوَ الزّهد في الدّنيَا وَالتَّقَلّل مِنهَا، فَكونوا مِن أَهلِ الكِفَايَةِ تَرتَاحوا وَتَسلَموا، وَإِلاَّ فَمَا لَكم عَنِ المَرتَبَةِ الثَّالِثَةِ، الَّتي تنَمّونَ فِيهَا أَموَالَكم وَتِجَارَاتِكم، وَتَضرِبون في الأَرضِ طَلَباً لِرِزقِ رَبِّكم، وَتَمشونَ في مَنَاكِبِهَا سَعياً فِيمَا يصلِح شَأنَكم، وَلَكِنْ بِلا تَجَاوزٍ لِحدودِ اللهِ، وَلا تَخَوّضٍ في مَالِ اللهِ، وَلا تَحَاسدٍ وَلا تَنَافسٍ وَلا تَكَاثرٍ، وَلا تَسَخّطٍ مِن مَرتَبَةٍ وَلا تَبَرّمٍ مِن مِهنَةٍ، وَلا اتِّصَافٍ بِالنِّفَاقِ وَإِذلالٍ لِلنّفوسِ لِغَيرِ اللهِ مِن أَجلِ مَنصِبٍ أَو جَاهٍ، وَلا تَنَازلٍ عَنِ المَبَادِئِ أَو تَميِيعٍ لِلثَّوَابِتِ رَغبَةً في المَالِ، فَإِنَّ كلَّ ذَلِكَ مِمَّا لا يقَرّ، قَالَ – سبحَانَه -: ﴿ وَلَا تَمدَّنَّ عَينَيكَ إِلى مَا مَتَّعنَا بِهِ أَزوَاجاً مِنهم زَهرَةَ الحَيَاةِ الدّنيَا لِنَفتِنَهم فِيهِ وَرِزق رَبِّكَ خَيرٌ وَأَبقَى. وَأْمرْ أَهلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصطَبِرْ عَلَيهَا لَا نَسأَلكَ رِزقاً نَحن نَرزقكَ وَالعَاقِبَة لِلتَّقوَى ﴾.
أَيّهَا المسلِمونَ:
مَا كَانَتِ القَنَاعَة لِتَمنَعَ مِن ملكِ مَالٍ وَلو كَانَ وَفِيراً، وَلا مِن تَحصِيلِ جَاهٍ وَلَو كَانَ عَرِيضاً، وَلَكِنَّهَا تَأبى أَن يَلِجَ حبّ الدّنيَا قَلبَ المسلِمِ فَيَملِكَ عَلَيهِ عَقلَه وَيَستَحوِذَ عَلَى تَفكِيرِهِ، حَتى يَدفَعَه إِلى مَنعِ مَا عَلَيهِ مِن حقوقٍ أَو تَعَدِّي مَا يَردَعه مِن حدودٍ، أَوِ إِلى أَن يَتَكَاسَلَ عَن طَاعَةٍ أَو يفَرِّطَ في فَرِيضَةٍ، أَو يَرتَكِبَ محَرَّماً أَو يَستَسهِلَ مَكروهاً، أَلا فَاتَّقوا اللهَ وَالزَموا القَنَاعَةَ، وَاتَّخِذوهَا سِلاحاً وَاجعَلوهَا لِلسَّعَادَةِ مِفتَاحاً، واملَؤوا بها قلوبَكم تَرتَاحوا، وَيَحصلْ لَكم الأَمن وَالطّمَأنِينَة في الدّنيَا، وَالفَوزَ وَالفَلاحَ في الأخرَى، ﴿ يَا قَومِ إِنَّمَا هَذِهِ الحَيَاة الدّنيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَار القَرَارِ * مَن عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يجزَى إِلَّا مِثلَهَا وَمَن عَمِلَ صَالِحاً مِن ذَكَرٍ أَو أنثى وَهوَ مؤمِنٌ فَأولَئِكَ يَدخلونَ الجَنَّةَ يرزَقونَ فِيهَا بِغَيرِ حِسَابٍ ﴾ [غافر: 40].
الخطبة الثانية
أَمَّا بَعد:
فَاتَّقوا اللهَ – تَعَالى – حَقَّ التَّقوَى، وَتَمَسَّكوا مِنَ الإِسلامِ بِالعروَةِ الوثقَى.
أَيّهَا المسلِمونَ:
لَقَد ضَمِنَ الله لَكم أَرزَاقَكم بِقدرَتِهِ، وَقَسَمَهَا بَينَكم بِحِكَمَتِهِ، وَلَن يَسوقَ مَا لم يقَدَّرْ مِنهَا حِرص حَرِيصٍ، وَلَن يَردَّ مَا قدِّرَ كَرَاهَة كَارِهٍ، وَلَكِنَّ مَن قَنِعَ طَابَ عَيشه، وَمَن طَمِعَ طَالَ طَيشه، وَلا يَزَال الرَّجل كَرِيماً عَلَى عَامَّةِ النَّاسِ، يحِبّونَه وَيكرِمونَه وَيجِلّونَه، مَا لم يَتَطَلَّعْ إِلى مَا في أَيدِيهِم وَينَافِسْهم عَلَى مَا عِندَهم، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ استَخَفّوا بِهِ وَكَرِهوه وَأَبغَضوه، وَصَدَقَ رَسول اللهِ – صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ – حَيث قَالَ: "مَا الفَقرَ أَخشَى عَلَيكم، وَلَكِنْ أَخشَى أَن تبسَطَ عَلَيكم الدّنيَا كَمَا بسِطَت عَلَى مَن كَانَ قَبلَكم، فَتَنَافَسوهَا كَمَا تَنَافَسوهَا، وَتهلِكَكم كَمَا أَهلَكَتهم" رَوَاه البخَارِيّ وَمسلِمٌ. وَقَالَ – عَلَيهِ الصَّلاة وَالسَّلام -: "اِزهَدْ في الدّنيَا يحِبَّكَ الله، وَازهَدْ فِيمَا عِندَ النَّاسِ يحِبَّكَ النَّاس" رَوَاه ابن مَاجَهْ وَغَيره وَصَحَّحَه الأَلبَانيّ.
أَيّهَا المسلِمونَ:
إِنَّ المؤمِنَ القَانِعَ في نَعِيمٍ وَرَاحَةٍ، إِن تَجَدَّدَت لَه نِعمَةٌ أَو رَبِحَ شَكَرَ، وَإِن أخِذَت مِنه أخرَى أَو خَسِرَ صَبَرَ؛ يَعلَم أَنَّه مَهمَا حَصَّلَ مِن زَهرَةِ الدّنيَا، فَإِنَّ ثَمَّةَ مَن هوَ أَفضَل مِنه في شَيءٍ، وَمَهمَا فَاتَه مِن حطَامِهَا، فَإِنَّ هنَالِكَ مَن هوَ أَقَلّ مِنه في أَشيَاءٍ؛ وَإِذَا كَانَ الفَقر قَد عَضَّه فَقَد أَكَلَ غَيرَه، وَإِذَا كَانَتِ المِحَن قَد أَضعَفَته فَقَد أَقعَدَت مَن سِوَاه، أَلا فَاتَّقوا اللهَ – أَيّهَا المسلِمونَ – وَإِذَا تَاقَت إِلى مَا عِندَ غَيرِكم نفوسكم، وَارتَفَعَت إِلى مَن هوَ فَوقَكم رؤوسكم، فَاخفِضوهَا وَلَو مَرَّةً لِتبصِروا مَن هوَ تَحتَكم، وَتَطَامَنوا لِتَعرِفوا مَوَاقِعَ أَقدَامِكم، قَبلَ أَن تفجَؤوا بِانقِضَاءِ الأَجَلِ وَانقِطَاعِ الأَمَلِ، فَيسَوِّيَ المَوت بَينَ غَنِيِّكِم وَفَقِيرِكِم، وَيلحِقَ مَالِكَكم بِأَجِيرِكِم، ثم لا يفَرِّقَ دود الأَرضِ بَينَ صعلوكٍ مِنكم وَلا أَمِيرٍ، وَلا بَينَ كَبِيرٍ وَلا صَغِيرٍ، وَ"أَكثِروا ذِكرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ المَوتَ؛ فَإِنَّه لم يَذكرْه أَحَدٌ في ضِيقٍ مِنَ العَيشِ إِلاَّ وَسَّعَه عَلَيهِ، وَلا ذَكَرَه في سَعَةٍ إِلاَّ ضَيَّقَهَا عَلَيهِ" وَقَبلَ ذَلِكَ وَبَعدَه، لِتَكونوا عَلَى ذِكرٍ مِمَّا رَوَاه مسلِمٌ عَن عَائِشَةَ – رَضِيَ الله عَنهَا – قَالَت: مَا شَبِعَ آل محمَّدٍ – صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ – مِن خبزٍ وَشَعِيرٍ يَومَينِ متَتَابِعَينِ حَتى قبِضَ رَسول اللهِ – صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ – وَرَوَى الشَّيخَانِ عَنهَا قَالَت: كَانَ فِرَاش رَسولِ اللهِ – صَلَّى الله عَلَيهِ وَسَلَّمَ – مِن أَدَمٍ وَحَشوه مِن لِيفٍ" وَلا تَظنّوا أَنَّ ذَلِكَ مِنه – عَلَيهِ الصَّلاة وَالسَّلام – كَانَ عَن قِلَّةٍ وَعَدَمٍ دَائِمَينِ، لا وَاللهِ وَبِاللهِ وَتَاللهِ، وَلَكِنْ لأَنَّه كَانَ أَزكَى النَّاسِ عَقلاً وَأَصلَحَهم قَلباً، وَأَكمَلَهم إِيمَاناً وَأَقوَاهم يَقِيناً، فَقَد صَارَ أَكثَرَهم قَنَاعَةً بِالقَلِيلِ وَرِضاً بِاليَسِيرِ، وَأَندَاهم كَفّاً وَأَسخَاهم نَفساً، حَتى كَانَ – عَلَيهِ الصَّلاة وَالسَّلام – يفَرِّق المَالَ العَظِيمَ عَلَى طَالِبِيهِ وَيعطِيهِ سَائِلِيهِ، ثم يَبِيت طَاوِياً ثِقَةً فِيمَا عِندَ اللهِ مِن عَاجِلِ الرِّزقِ في الدّنيَا وَآجِلِ الأَجرِ في الآخِرَةِ.
المصدر: شبكة الألوكة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.