"الغروي" مديرًا لإدارة جودة الخدمات بتعليم جازان    مشروع "واجهة زان البحرية".. يعزز القطاع السياحي والترفيهي والاستثماري بجازان    أمانة منطقة جازان تحقق المركز الثاني على مستوى أمانات المملكة في مؤشر الارتباط الوظيفي    اليونان تصدر تحذيرًا من خطر حرائق الغابات في ست مناطق    أسواق الطيور تجربة سياحية رائعة لعشاق الحيوانات الأليفة في جازان        تكليف الدكتور مشعل الجريبي مديرًا لمستشفى الملك فهد المركزي بجازان    ضبط (13532) مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    استشهاد 17 فلسطينيًا في قصف الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة    الهلال يواصل استعداداته بعد التأهل.. وغياب سالم الدوسري عن مواجهة السيتي    الأرصاد: استمرار الحرارة والغبار.. وأمطار رعدية متوقعة جنوب المملكة    المركزي الروسي يخفض سعر صرف الروبل مقابل العملات الرئيسة    نيوم يعلق على تقارير مفاوضاته لضم إمام عاشور ووسام أبو علي    موقف ميتروفيتش من مواجهة مانشستر سيتي    حقيقة تعاقد النصر مع جيسوس    رئيسة الحكومة ووزير الصحة بتونس يستقبلان الرئيس التنفيذي للصندوق السعودي للتنمية    رابطة العالم الإسلامي تُدين العنف ضد المدنيين في غزة واعتداءات المستوطنين على كفر مالك    ليلة حماسية من الرياض: نزالات "سماك داون" تشعل الأجواء بحضور جماهيري كبير    عقبة المحمدية تستضيف الجولة الأولى من بطولة السعودية تويوتا صعود الهضبة    «سلمان للإغاثة» يوزّع (3,000) كرتون من التمر في مديرية القاهرة بتعز    فعاليات ( لمة فرح 2 ) من البركة الخيرية تحتفي بالناجحين    لجنة كرة القدم المُصغَّرة بمنطقة جازان تقيم حفل انطلاق برامجها    دراسة: الصوم قبل الجراحة عديم الفائدة    أمير الشرقية يقدم التعازي لأسرة البسام    نجاح أول عملية باستخدام تقنية الارتجاع الهيدروستاتيكي لطفل بتبوك    صحف عالمية: الهلال يصنع التاريخ في كأس العالم للأندية 2025    12 جهة تدرس تعزيز الكفاءة والمواءمة والتكامل للزراعة بالمنطقة الشرقية    الشيخ صالح بن حميد: النعم تُحفظ بالشكر وتضيع بالجحود    إمام وخطيب المسجد النبوي: تقوى الله أعظم زاد، وشهر المحرم موسم عظيم للعبادة    بلدية فرسان تكرم الاعلامي "الحُمق"    رئاسة الشؤون الدينية تُطلق خطة موسم العمرة لعام 1447ه    استمتع بالطبيعة.. وتقيد بالشروط    د. علي الدّفاع.. عبقري الرياضيات    في إلهامات الرؤية الوطنية    ثورة أدب    أخلاقيات متجذرة    نائب أمير جازان يستقبل رئيس محكمة الاستئناف بالمنطقة    البدء بتطبيق نظام التأمينات الاجتماعية على اللاعبين والمدربين السعوديين ابتداءً من 1 يوليو    الأمير تركي الفيصل : عام جديد    تدخل طبي عاجل ينقذ حياة سبعيني بمستشفى الرس العام    محافظ صبيا يرأس اجتماع المجلس المحلي، ويناقش تحسين الخدمات والمشاريع التنموية    مفوض الإفتاء بمنطقة جازان يشارك في افتتاح المؤتمر العلمي الثاني    ترامب يحث الكونغرس على "قتل" إذاعة (صوت أمريكا)    لوحات تستلهم جمال الطبيعة الصينية لفنان صيني بمعرض بالرياض واميرات سعوديات يثنين    تخريج أول دفعة من "برنامج التصحيح اللغوي"    أسرة الزواوي تستقبل التعازي في فقيدتهم مريم    الإطاحة ب15 مخالفاً لتهريبهم مخدرات    غروسي: عودة المفتشين لمنشآت إيران النووية ضرورية    وزير الداخلية يعزي الشريف في وفاة والدته    تحسن أسعار النفط والذهب    الخارجية الإيرانية: منشآتنا النووية تعرضت لأضرار جسيمة    تصاعد المعارك بين الجيش و«الدعم».. السودان.. مناطق إستراتيجية تتحول لبؤر اشتباك    حامد مطاوع..رئيس تحرير الندوة في عصرها الذهبي..    استشاري: المورينجا لا تعالج الضغط ولا الكوليسترول    أمير تبوك يستقبل مدير فرع وزارة الصحة بالمنطقة والمدير التنفيذي لهيئة الصحة العامة بالقطاع الشمالي    من أعلام جازان.. الشيخ الدكتور علي بن محمد عطيف    أقوى كاميرا تكتشف الكون    الهيئة الملكية تطلق حملة "مكة إرث حي" لإبراز القيمة الحضارية والتاريخية للعاصمة المقدسة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دعاء السفر المأثور والصحفي المذعور
نشر في تواصل يوم 22 - 11 - 2010

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ فإذا كنتَ مسافرًا بالطائرة فسوف تجد حولك حالة مِن الخوف، والقلق، والاضطراب خلفتها التجارب السابقة؛ فكل المسافرون مشتبه فيهم! لابد من مرور الحقائب على أجهزة كشف "المفرقعات"؛ حتى حقائب اليد الأنيقة التي لا يشي منظرها بأي نوايا عدوانية لابد وأن تمر على هذا الجهاز! ثم لابد أيضًا من الكشف على الأسلحة البيضاء، ولا تندهش إذا عرفتَ أنه يدخل في تعريف الأسلحة البيضاء "آلة تقليم الأظافر"؛ فكم استُخدِمت مثل هذه الأدوات في أعمال اختطاف لطائرات! ولابد من مراعاة الوزن؛ فالطائرة ليست مركبة أرضية إذا حملتها وزنًا زائدًا تباطأت حركتها فحسب، بل إن الأمر يمكن أن يؤدي إلى سقوط في بحر أو مفازة لا يُعرف لها مدخل من مخرج. ولابد من الكشف الهندسي على الطائرة مع كل رحلة، وكم من طائرة عطلت رحلتها من أجل استبدال أجزاء كانت تطير بها للتو في رحلتها السابقة. ولابد في ذات الوقت من الكشف عن الحالة الصحية والذهنية والنفسية لطاقم الطائرة. ثم يصعد الركاب إلى الطائرة وقد أثقلتهم الإجراءات، وشوش ذهنهم بكثرة الأخطار. ومع كل هذه الاحتياطات فما زالت المفاجآت ممكنة مِن عاصفة جوية مفاجئة، أو مرض مفاجئ يصيب قائد الطائرة أو عمل معاد إلى غير ذلك.. ومن ثمَّ فتنص لوائح هيئة الطيران المدني العالمية على وجوب إعطاء محاضرة في كل رحلة عن كيفية مواجهة الطوارئ؛ فتأتي المضيفة لتشرح للركاب أماكن سترات النجاة، وكيف يرتدونها إذا حدث للطائرة مكروه؟ وكيف الحال إذا اضطروا إلى القفز من الطائرة، وهي على ارتفاع كذا ألف قدم؟ وكيف الحال إذا كانت الحادثة فوق الماء؟ وكيف الحال إذا كانت فوق الجبال أو الغابات أو الصحاري؟! وكيف.. وكيف.. ؟ يُلقى كل هذا على الركب المشغول الذهن أصلاً بأهل قد خلَّفهم، وبرحلة يستقبلها فتجتمع على قلبه هموم، وتملأ قلبه خواطر وأفكار. وهذا كله فرع على أن الإنسان جاهل عاجز لا يعلم كثيرًا من الواقع فضلاً عن الغيب، فربما كان على متن الطائرة من يريد بها السوء وهو لا يدري، وربما قصَّر الفنيون في مراجعة أحوالها الفنية، وربما.. وربما.. وربما هاجت الريح أو ثارت عاصفة ترابية أو غيرها من الأمور القدرية، ثم إذا علم ووجدت الريح، أو هاجت العاصفة؛ فإنه يعجز عن السيطرة على الكون أو التحكم فيه، وما يملكه من ذلك أقل بكثير مما لا يملك. يعجز إذا وجد اضطرابًا في بطنه أن يمنع القيء الذي إذا حدث أذاه وأذى من بجواره فكان المنظر كئيبًا له، ولمن حوله. فماذا يفعل الناس في مواجهة هذه الخواطر والمخاوف؟! هناك من يحاول أن يتشاغل بشاغل آخر مما حل أو حرم: كالنوم، أو قراءة المجلات، أو سماع الاغانى والموسيقى، وربما شرب بعضهم الخمر -والعياذ بالله-! وهؤلاء الذين يفرون من معالجة القلق في موقف تلو آخر، لا يفرون منه في الحقيقة، بل تجتمع المواقف على قلوبهم حتى تأتي عليها؛ فيصير مريضًا بالقلق حتى وإن لم يكن هناك ما يقلق. وهناك من يرتدي شيئًا حقيرًا في يده أو في عنقه يُسمى بالحظاظة "قطعة من الجلد أو المعدن"؛ فيهرع إليها يطيل إليها النظر ويتحسسها بيده متأملاً فيها تأمل الشارد، فيبقى في شروده ظانًا أن هذا الشيء قد نفعه، وإنما سكنه كفعل شارب الخمر تمامًا، بل أسوأ فإن مثل هذا الرجل يصير عبدًا لتلك الحظاظة الحقيرة حتى إذا فقدها ربما يقتل نفسه أو يعيش حياته، وهو إلى الموت أقرب منه إلى الحياة. وأما أهل الإيمان: فيعرفون أنهم فقراء، ولكنهم يعبدون الغني الحميد. ويعرفون أنهم ضعفاء، ولكنهم يلجئون إلى القوي المتين. ويعرفون أنهم جهلاء، ولكنهم يتوكلون على العليم الخبير. أهل الإيمان لا سيما من يتبع منهم سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يُقدِموا على سفرهم إلا بعد الاستخارة. أهل الإيمان تخلصوا من جزء كبير من القلق على أهليهم حينما استودعوهم الله -تعالى- الذي لا تضيع ودائعه. أهل الإيمان استبشروا لما استعانوا بالله عند خروجهم من منزلهم، واستعاذوا به أيضًا من شر أنفسهم، ومِن شر غيرهم. ولكن ماذا بعد ما أتوا المطار، ومثلت أمام أعينهم عشرات الأخطار، وسمعوا محاضرات عن احتمالات سقوط الطائرة، واحتمال تعرضها لكذا.. وكذا.. لا شك أنهم في حاجة إلى تجديد التوكل على الله -تعالى- والثقة به، وتفويض الأمر إليه. ولكنهم قبل هذا رأوا هذه المركبات العظيمة وكيف هدى الله الخلق إليها وما فيها من نعم، وهذه الكراسي الوثيرة وما فيها من رفه؛ فليبدؤوا بالشكر، ثم بالاستعاذة من المخوفات، ثم ليتوكلوا على الله -تعالى-. والشكر في دعاء ركوب الدابة المشروع سفرًا وحضرًا، والاستعاذة من هذه المخوفات يزاد في السفر؛ فأما دعاء ركوب الدابة المأثور عنه -صلى الله عليه وسلم- فقوله: (سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا، وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ، وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ) (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني). وأما دعاء السفر فعن ابن عمر -رضي الله عنهما-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ خَارِجًا إِلَى سَفَرٍ كَبَّرَ ثَلاثًا ثُمَّ قَالَ: (سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى وَمِنْ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وَالْخَلِيفَةُ فِي الأَهْلِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْمَالِ وَالأَهْلِ) (رواه مسلم)، هذا في سفر الذهاب، وأما سفر العودة فيزيد فيه: (آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ). وقد أحسنت شركة "مصر للطيران" بإذاعة تسجيل صوتي لهذا لدعاء؛ تذكيرًا للركاب به، والركاب فيهم: الصالح والطالح، والعالم بهذه الأدعية والجاهل بها، ولكن في هذا المشهد الذي تجتمع فيه على الإنسان هذه الهموم يجد أن هذا الدعاء هو البلسم الشافي؛ لتبديد كل هذه الهموم فترى الركاب جميعًا يهمهمون بهذا الدعاء، وكأنك في مسجد أو في حلقة ذكر، بل تجد أن كثيرًا من الركاب يزيد على هذا بالتكبير كلما علت الطائرة، والتسبيح إذا نزلت كما جاءت بذلك السنة. وهذه الطائرات يركبها أيضًا من الكفار مَن يركب، ونحن على يقين أن من يفهم منهم هذا الدعاء وما فيه من معان جامعة وكأنها لم تقال إلا في شأن أخطار الطيران مع أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- سنها لأمته يوم كان السفر على الدواب، وكان غاية ما فيها من خطر أن ترمي صاحبها فتقلته، وهو أمر لا يكاد يقع. ثم إذا نظر في الأديان الأخرى وخلوها مِن الذكر المأثور عن الأنبياء حيث ضيع هؤلاء سنن الأنبياء، وانشغلوا بنسج الأساطير حولهم! إلا أن منهم من يعرض عن التأمل في هذا الأمر، ومنهم: من يتأمل ويمصمص الشفاه؛ فقد عقد عزم قلبه على ألا يفارق دين الآباء والأجداد مهما كان الثمن! ويتصور أن يحاول بعضهم منع إذاعة هذا الدعاء حقدًا وتغيظًا على المسلمين. ويتصور أن يستأجر من يفعل ذلك نيابة عنه ممن هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا. هذا.. وقد قام صحافي يعمل في جريدة مشبوهة، ويرأس تحرير جريدة أشد شبهة بتوجيه نقد إلى شركة الطيران؛ لأنها اختارت هذه الآية: (سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ . وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ) (الزخرف:13-14)، مع ما فيها من قوله -تعالى-: (وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ)، و"هو أمر لا يجمل أن يواجه به المسافر" -في زعمه-! "كما أنه استنكر أن يختار من أدعية النبي -صلى الله عليه وسلم- الدعاء الذي فيه وعثاء السفر، وكآبة المنظر حتى يواجه به المسافر في أول جلوسه على كرسي الطائرة". ثم لما نوقش.. قال: "إنه ينبغي أن يراعى أن الطائرة يركبها غير المسلمين"! هذا حاصل كلامه.. "فض فوه". ونحن بعد المقدمة السابقة نعلق عليه في نقاط محددة نجملها فيما يلي: 1- دأب العالمانيون على أنهم إذا أرادوا أن ينتقدوا شيئًا من دين الله نسبوه إلى أحد الناس على أنه فهم فلان للدين، ثم انبروا يعلمون ذلك الغير صحيح الدين على حد فهمهم. وهكذا فعل هذا الصحفي هنا؛ فادعى أن اختيار الآية والدعاء كان من فعل شركة الطيران، ومِن ثمَّ فالنقد موجه لهم لا إلى الآية، ولا إلى الدعاء النبوي، والكاتب مخير هنا بين احتمالين أحلاهما مر: إما أن يعترف أنه جاهل جهلاً مطبقًا للكتاب والسنة؛ حيث يعرف القاصي والداني أن هذا الدعاء هو الذي كان يدعو به النبي -صلى الله عليه وسلم- في السفر، وليس دعاء مطلقًا وظفته "مصر للطيران" في غير مناسبته، كما ادعى ذلك الصحفي! وأخطر من هذا أن تخصيص النبي -صلى الله عليه وسلم- لهذا الدعاء لركوب الدابة لم يكن إلا امتثالاً لأمر الله -تعالى- في القرآن: (لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) (الزخرف:13). فإذن فالكاتب لا يعرف شيئًا عن الأذكار النبوية، وأظن أن هذا ليس بجديد عليه؛ كما أنه كمن لم يقرأ القرآن من قبل، أو على الأقل لم يكلف نفسه أن يراجع الآية من المصحف فضلاً عن مراجعة تفسيرها قبل أن يُسوِّد ما سَوَّد. وإما أن يعترف أنه قال ذلك نفاقًا وزندقة، وطعنًا في الدين، ولكنه جبن عن التصريح بالطعن في الدين؛ فنسب الأمر إلى شركة الطيران. 2- ثم لو حاولنا أن نفترض الاحتمال الأخف، وهو أنه ظن أن هذه الأدعية مطلقة وظفتها مصر للطيران في هذا السياق باجتهاد منها؛ فإن هذا يدعونا إلى التشكك في عقل الرجل، فإنك لو علَّمتَ طفلاً صغيرًا دعاء يستعيذ فيه بالله من وعثاء السفر -"أي تعبه"-، ثم سألته: متى سوف تقول هذا الدعاء يا "حبيبي".. ؟ فسوف يجيب على الفور: "عندما أكون مسافرًا -إن شاء الله-"، ولا تتصور إجابة غير هذا. لكن رئيس التحرير هذا كان له رأي آخر.. ! 3- وهذا ما يجعلنا نتشكك في كل حرف قاله؛ لا سيما أنه في غالب الظن لم تكن هذه أول رحلة له على خطوط مصر للطيران، ولا شك أنه سمع هذا الدعاء على خطوطها قبل هذا، وربما يكون ردده، وربما يكون قد انشغل في مشاهدة صور الفنانات في الجرائد التي يعمل بها، ولكنه على كل حال لم يستنكر على مصر للطيران فعلها.. فلماذا قفزت هذه الأغلوطة إلى عقله النير فجأة، وهو يستعد للقفز على كرسي رئاسة تحرير جريدة هاجم رئيس تحريرها السابق الإسلام أيضًا، ولكن أسياده غضبوا عليه فجأة لما بالغ في مطالبه المالية، وأرادوا أن يعلموه أن الحظيرة فيها من لا يقلون عنه زندقة، ولكن يرضون بأقل مما يطلبه من "علف"! 4- ومما يؤكد هذا أن يعلل ذلك الرجل الأمر في النهاية بأن خطوط مصر للطيران يركبها الكفار، ولا ينبغي أن نعرض ذلك عليهم! ونحن قد نتفهم أن هناك من المأجورين من يريد منع أي مظهر إسلامي في بلاد 95% من سكانه مسلمين بزعم مراعاة المواطنة التي لا تراعى إلا على حساب الإسلام، ولكن العجب هنا أن الرجل يريد فقط استبدال هذه الأذكار بأخرى قد اقترحها، وكأنه يريد أن يدفع عن نفسه تهمة معاداة الإسلام. أم أنه أخبث من هذا وهو يريد أن يفتح باب نقد الآيات والأحاديث؟! ونحن نقول له: إذا كنتَ قد ركبت الطائرة مع أحد الكفار فاستشكل هذا الدعاء، ولم تملك جوابًا.. فكان يجب أن ترد الأمر إلى عالمه، ولن نقول لك أن تسألنا نحن، ولكن: اسأل الأزهر الذي ما فتئتم تزعمون أنكم تتبعونه، ولا تتبعون المتشددين! وكنتَ ستجد عند علماء الأزهر -بفضل الله- شرحًا وافيًا لما غمض عليك أو على "صاحبك" أو "سيدك". 5- وفي النهاية.. نجيبك على ما أثرت من شبهات سواء كنت أنتَ صاحبها أم كنت أنت مصحوبًا لصاحبها: فأما ما زعمتَ من أن الذكر النبوي يدخل على نفس المسافر تشاؤمًا: فكلام لا يصدر من رجل سافر ولو مشيًا على قدميه، فضلاً أن يكون قد سافر بالطائرة ومر بتلك الإجراءات التي وصفنا شيئًا منها، ومثلت أمام عينيه كلمات المفرقعات والمتفجرات، والاختطاف، والسقوط والاحتراق؛ فالأخطار ماثلة، والحديث يسن للمؤمن أن "يستعيذ" بالله منها، وأخطار السفر
تكون ماثلة بطبيعة الحال في ذهن كل مسافر؛ لا سيما سفر الطائرة حيث تلقى على أسماعه كلما حل أو رحل. وأما إذا زعمت أن الاستعاذة هي التي أصابتك بالتشاؤم دون أخبار المخاطر؛ فنظن أنك في هذه الحالة قد تكون في حاجة للعرض على "قومسيون" طبي! 6- وأما زعمك أن الآية تذكر بالانقلاب إلى الله، وهو أمر يصيب المسافر بالتشاؤم، فبعد أن عرفتَ أن هذا الدعاء قد أمر به القرآن عند ركوب الدابة خاصة، وأن اختياره لهذا الموطن لم يكن اختيارًا من النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فضلاً أن يكون اختيارًا من شركة الطيران.. فماذا أنت فاعل؟! إذن يجب عليك أن تعلم إن كنتَ مسلمًا أن استمرار ذكر المسلم للدار الآخرة هو الذي ينفعه عند الله؛ حتى لا يستدرجه الشيطان فيبيع دينه بعرض من الدنيا قليل، وكل الدنيا عرض زائل حتى رئاسة الدنيا بأسرها، وليس فقط رئاسة تحرير صحيفة ساقطة فيها! والآية تأمر بشكر نعمة الفلك والأنعام، ثم تُذكِّر الخلق أنهم منقلبون إلى الله؛ لتنظر كل نفس ما قدمت حتى يرغب الناس في عدم الزهد بهذا الشكر، ومع ذلك: (فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلا كُفُورًا) (الإسراء:89)! وهذا لأن هذا الذكر هو لركوب الدابة بصفة عامة في الحضر والسفر، وأما في السفر فالحكمة فيه أظهر، حيث يشبه السفر الحسي السفر إلى الله من وجوه كثيرة، وحيث يحتاج المسافر إلى الله زادًا كما يحتاج المسافر السفر الحسي زادًا، وزاد سفر الآخرة التقوى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) (البقرة:197). كما أن أخطار السفر وما يوجد فيه من احتمالات انقلاب إلى الله تستدعى توبة وكتابة وصية بالديون واستئذان الوالدين، واستئذان المدين من دائنه، وأحكام فقهية لا نظن أن الكاتب يدري عنها شيئًا. وإذا كان الكاتب يصيبه الذعر من ذكر الموت فيحتاج إلى أن يسأل نفسه: هل لأنه خرب آخرته من أجل دينه؟ أم لأنه لا يقرأ القرآن الذي هو من أوله إلى آخره تذكير بيوم الدين، كما قال -تعالى- في الفاتحة: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)؟! في الواقع.. نحن نتعامل مع كاتب مذعور من الموت.. وهذه مشكلته لابد أن يعالجها! مذعور من أن يذكره أحد بوعثاء السفر، وكأنه يسافر بلا ألم مادي أو معنوي! ولكنه يبدو أنه قبل هذا كان مذعورًا من أن يطير منه كرسي رئاسة تحرير الجريدة المشبوهة كما طار من أستاذه من قبله. ومِن ثمَّ فلا مانع عنده أن يطعن في دين الأمة كلما كان هذا الطعن يساوي زيادة في راتبه، وتثبيتًا في كرسيه الذي سيأتي اليوم الذي يُركل مِن عليه كما ركل أستاذه، أو ينقلب إلى الله وهو عليه؛ فيسأله عما كان يفعل. فهل تدركه رحمة الله قبلها فيتوب أم ينقلب إلى الله بشر وجه وبشر عمل؟! فليختر لنفسه.. و(كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) (الطور:21).

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.