وزير البلديات والإسكان يتفقد المشاريع التنموية والخدمية بالمنطقة الشرقية    برعاية أمير جازان.. نائب أمير المنطقة يدشّن أعمال المؤتمر العلمي الثاني لجمعية التوعية بأضرار المخدرات    من أعلام جازان.. الشيخ الدكتور علي بن محمد عطيف    إجراء أول عملية جراحية بالروبوت في مستشفى الأمير سعود بن جلوي بالأحساء    القيادة تهنئ رئيسة سلوفينيا بذكرى اليوم الوطني    الظبي الجفول رمز الصحراء وملهم الشعراء    تهاني البيز مبتعثون سعوديون من الجامعات العالمية إلى صناعة الحضور الرياضي الدولي    الأمير سعود بن نهار يبحث مع أمين الطائف المبادرات والفعاليات المقدمة في الصيف.    رئيس جامعة أم القرى يترأس الجلسة العاشرة لمجلس الجامعة للعام الجامعي 1446ه    استقرار أسعار الذهب    الجوازات تواصل جاهزيتها لاستقبال ضيوف الرحمن القادمين لأداء مناسك العمرة لعام 1447ه    «الوزاري الخليجي» يدين الهجمات الإيرانية على قطر    أمير الجوف يبحث تحديات المشروعات والخدمات    بنفيكا يكسب البايرن ويتأهلان لثمن نهائي مونديال الأندية    إنتر ودورتموند لتجنب المواجهة في ثمن النهائي    بايرن يتخلى عن التحضير للموسم المقبل    أخضر البليارد والسنوكر يحصد 6 ميداليات في بطولة كأس الاتحاد العربي    تسجيل محمية عروق بني معارض في القائمة الدولية لحماية الطبيعة    مؤشرات قوية لحضور القطاع السياحي في تنويع الموارد    108.5 آلاف وحدة سكنية فرزتها الهيئة العامة للعقار خلال عام    مبادرة السلامة المرورية على طاولة نائب أمير الرياض    حوافز ومزايا لرفع نسبة مستخدمي مشروعات النقل العام    أمير الشمالية يكرّم الطلبة المتفوقين    «الرواشين».. فن العمارة الخشبية في المدينة    حرفة تُعيد الآبار إلى الواجهة بالجوف    تقرير استخباري أميركي يشير إلى أن الضربات لم تدمّر البرنامج النووي الإيراني    الشؤون الإسلامية بالمدينة تكثف جهودها التوعوية    خدمات نوعية لكبار السن وذوي الإعاقة بالمسجد النبوي    جولات رقابية نسائية على جوامع ومساجد المدينة    الرئيس الأميركي: لا أريد «تغيير النظام» في إيران    إعلان نتائج القبول في البورد السعودي    العثور على سفينة من القرن ال16    جمعية لدعم المباني المتعثرة في الأحساء    الذكاء الاصطناعي والتعليم.. أداة مساعدة أم عائق للتفكير النقدي    أقوى كاميرا تكتشف الكون    انحسار السحب يهدد المناخ    الجوز.. حبة واحدة تحمي قلبك    الميتوكوندريا مفتاح علاج الورم الميلانيني    استشارية: 40% من حالات تأخر الإنجاب سببها الزوج    الطائف تستضيف انطلاق بطولة السعودية تويوتا صعود الهضبة 2025    ولي العهد لأمير قطر: عدوان إيران سافر لا يمكن تبريره    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على فيصل بن خالد    بعد حلوله وصيفاً ل" الرابعة".. الأخضر يواجه نظيره المكسيكي في ربع نهائي الكأس الذهبية    الإطاحة ب 4 أشخاص لترويجهم أقراصاً خاضعة للتداول الطبي    أشاد بالتسهيلات خلال المغادرة.. القنصل العام الإيراني: ما قدمته المملكة يعكس نهجها في احترام الشعوب وخدمة الحجاج    شدد على تطوير "نافس" وحضانات الأطفال.. "الشورى" يطالب بربط البحث العلمي باحتياجات التنمية    سمو ولي العهد يتلقى اتصالًا هاتفيًا من رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية    قطر توجه رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن بشأن الهجوم على قاعدة العديد الجوية    47 أسيرة في السجون الإسرائيلية.. الاحتلال يواصل انتهاكاته في غزة والضفة والقدس    برامج التواصل الاجتماعي.. مفرقة للجماعات    أسرة الفقيد موسى محرّق تشكر أمير المنطقة على مشاعره النبيلة وتعزيته    نائب أمير منطقة جازان يتسلّم التقرير السنوي لسجون جازان للعام 2024م    صور إنسانية من الماضي عن مدينة أبها    تسجيل محمية عروق بني معارض في القائمة الخضراء للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة    أمير تبوك يطلع على تقرير أعمال فرع وزارة التجارة بالمنطقة    الرواشين.. ملامح من الإرث المدني وفن العمارة السعودية الأصيلة    جامعة أم القرى توقّع مذكرة تفاهم مع هيئة جامعة كامبردج لتعزيز التعاون الأكاديمي والبحثي في تعليم اللغة الإنجليزية    الهيئة الملكية تطلق حملة "مكة إرث حي" لإبراز القيمة الحضارية والتاريخية للعاصمة المقدسة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشيخ الطريفي: مجسمات مشروع (السلام عليك ايها النبي)باب ضلالة وعتبة من اعتاب الشرك
نشر في تواصل يوم 21 - 11 - 2012

وصف الشيخ عبدالعزيز بن مرزوق الطريفي مشروع (السلام عليك أيها النبي) بأنه باب ضلالة، وعتبة من أعتاب الشرك، مطالباً القائمين عليه بإزالة المجسمات التي تُحاكي المقتنيات النبوية. وطالب فضيلته أهل العلم والحسبة أن ينكروا مثل هذا العمل، مبيناً أن هذا المشروع شرك يجب التحذير منه.
وقال الشيخ الطريفي في رسالة وجهها لولاة الأمر- يحفظهم الله- عبر موقعه الرسمي: إن التساهل في ترك مثل هذا المتحف غير معهود، وهو تحوّل غير محمود، فالنهج المعروف درء الشرك ووسائله، والحفاظ على هذا النهج من أعظم واجبات الولاية، وحتميات الرعاية المنوطة بكل حاكم، خاصة حكام البلد الحرام.
وحذر القائمين على المشروع بأن يتقوا الله فيما يفعلون، وألا يكون ما يفعلون باباً من أبواب الشرك ولا وسيلة من وسائله، ولا يفتتحوا باب ضلالة في بلد الله الحرام، فإن كل الشرك في الأرض بدأت وسائله في صورة مباح، مع حسن قصد، وسلامة نيّة فتحوّلت مزارات تملأ بلاد العرب والعجم. مضيفاً أنه الأولى تبليغ الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفند الشيخ الطريفي المزاعم التي أطلقها القائمون على المشروع بأن هناك فوائد فقهية وهي التعريف بما يستعمله النبي صلى الله عليه وسلم من مقادير الأواني وصفاتها، وفوائد إيمانية تتمثل في تعلق الإنسان بنبيه إذا رأى ما يستعمله، مؤكداً أن هذه المزاعم وهمٌ علمي، وأن الفقه خلال خمسة عشر قرناً لم يحتج إلى الفهم من خلال أمثال المجسمات، وقد مضى خير القرون وخير الفقهاء، ولم يَصنع هذه الأواني أهل الحجاز والكوفة وأهل الشام ومصر واليمن والأندلس وخراسان ليُعرِّفوا ما غاب عنهم ويُقرّبوه.
وقال فضيلته إن هذه المجسمات التقريبية للمقتنيات النبوية كان يملك أُصولَها الصحابة خاصةً أمهات المؤمنين، فلم يتناقلوها ولم يُعرِّفوا بها، ولا استنسخوها- وهم قادرون- ليعرِّفوا بها أهل البلدان، وعمائم النبي وثيابه ونعاله لم يشبروها ولا قاسوها ولا فصّلوا مثلها- وهم قادرون- ليراها أهل الآفاق، ولم يحتفظ فقهاء السلف بعمامته ليعرفوا طولها ولا مقدار ذؤابتها ولا تحنيكها وسمكها وهي مسائل مشكلة عند بعض الفقهاء، ومن يقوم على هذا المشروع (السلام عليك أيها النبي) إما أنهم على ملّة هي أهدى من ملتهم أو أنهم مفتتحو باب ضلالة.
وذكّر بأن الشرك في الأمم لم يبدأ في صورة شرك وإنما بدأ بقصد المباح، وحسن المقاصد لا يغني من الحق شيئاً.
ثانياً: أن النبي صلى الله عليه وسلم حذّر من اتخاذ جسده الطاهر بعد موته عيداً يتكرر الناس إليه بالأسفار كما في الصحيح عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تجعلوا قبري عيداً)، هذا وهو جسده فكيف بأوانيه وكيف بمجسمات تُحاكي أوانيه وأشباهها لتجعل مزاراً يُعتاد.
ثالثاً: أننا نعلم أن هذه المجسمات تماثيل معتَّقة تحاكي الأواني والمقتنيات النبوية، وأنها ليست هي مقتنياته صلى الله عليه وسلم الحقيقية.
الحمد لله رب العالمين، أحمده حقّ حمده، وأشكره حق شكره، لا إله إلا هو، ولا معبود بحقٍ سواه .. أما بعد:
فالأصل أن للعقائد أعماراً هي أطول من عمر الإنسان، ولكل عقيدة دورةٌ تُولد فيها وتنشأ وتستوي وتشتد في عدة أجيال من الناس، تتخلّق في كل جيلٍ خلقاً آخر، ولقِصَر نظر الإنسان يتدرّج الشيطان معه ببدء العقائد الباطلة بصورة المباح فالمكروه فالمحرم فالشرك وكل واحدةٍ في جيل، وهكذا نشأ الشرك أوّل مرّة في الأرض في قوم نوح، فلا يُعرف أن التصوير فيهم محرّم، فلما مات الصالحون منهم (ودّ وسواع ويغوث ويعوق ونسر) قالوا: لو صوّرناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذَكَرناهم، فلما مات المصوِّرون وجاء آخرون من بعدهم جاءهم إبليس فقال: إنما كان من قبلكم يعبدونهم وبهم يُسقون المطر .. فعبدوهم.
روي معناه عن ابن عباس ومحمد بن قيس وغيرهما.
وهكذا الوثنية في كل أمة، تبدأ في صورة وتنتهي في أخرى ولا يُشبه أولها آخرها، ولذا جاءت الشريعة بالتعريف ببدايات الشرك والتحذير من وسائله، وإن كان في صورة مباح في ظاهره لأنه يتحوّل في جيلٍ ثالثٍ أو رابع على غير أوله، والعالِم يرى ما لا يراه غيره من أحوال الأمم وتكوين عقائدها، وبدايات انحرافها عن الحق ونهايته، والعالِم يُفرق بين مباحٍ يكون بدايةً إلى حرامٍ وبين مكروه يبقى مكروهاً لا ينتهي إلى غيره، فيُشدَّدُ في المباح لأنه يعرف مآله ويتسامح في المكروه لأنه يعلم أنه لن يَبْرح مكانه، مع أن هذا مباح وهذا مكروه، وربما استنكر عليه قاصرُ النظر قليلُ العلم، لأن العالم ينظر إلى البدايات والنهايات، وغير العالم ينظر إلى البدايات فقط، وعلم النهايات والمآلات من أعظم مواضع الخلاف مع العامة وقليلٍ من الخاصة، خاصّة إذا امتزجت البدايات بشهوةٍ غيّبت خطر النهايات عن العقل، وكلما كان الإنسان بالنهايات أجهل كان على البدايات أجسر.
ومن هذا الباب كانت حياطة الشريعة للتوحيد، ودفع الشرك ووسائله فجاء النهي عن رفع القبور وإنارتها وعن التماثيل، بل وإزالة المعالم الطبيعية ولو لم يتصرف بها بشر إذا غلب على الظن تعظيم الناس لها كما فعل ذلك عمر بن الخطاب في قطع الشجرة التي بايع تحتها النبي صلى الله عليه وسلم، أزالها خشية تعظيمها والتبرك بها، كما روى ذلك ابن سعد وابن أبي شيبة عن عمر من وجوهٍ، مع أن كثيراً من الصحابة نسوا مكانها كما روى البخاري عن المسيّب بن حزن قال: لقد رأيت الشجرة ثم أُنسيتها بعد.
وهذا الفعل من عمر لخشيته على من يليه لا على صحابة النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي هذه الأيام أُسس في مكة مشروع سُمِّي (السلام عليك أيها النبي) ومما احتوى عليه صناعة مجسمات من الفخار والجلد والجص والطين والمعادن مصنوعات حديثة بهيئة متكلّفة لتظهر قديمة لما يقتنيه أو يستعمله النبي صلى الله عليه وسلم في لباسه وطهوره وطعامه وجهاده وسائر عمله، وفائدة ذلك التقريب للناظرين، وليكون ذلك المكان موضعاً يزوره ويعوده من أراد معرفة حياة النبي صلى الله عليه وسلم، ويعللون ذلك بتعليلات لا تخلو من أمرين:

أولاً: فوائد فقهية: يَعرِف من خلاله الفقيه ما يستعمله النبي صلى الله عليه وسلم من مقادير الأواني وصفاتها، وهذا مع كونِ كثيرٍ منه ظناً فهو وهمٌ علمي، فالفقه خلال خمسة عشر قرناً لم يحتج إلى الفهم من خلال أمثال المجسمات، وقد مضى خير القرون وخير الفقهاء، ولم يَصنع هذه الأواني أهل الحجاز والكوفة وأهل الشام ومصر واليمن والأندلس وخراسان ليُعرِّفوا ما غاب عنهم ويُقرّبوه.
وما وُجِد من اقتناء آحاد الصحابة لبعض ما يلبسه النبي صلى الله عليه وسلم أو أوانيه فلم يعرضوه للناس فرجةً ولا جعلوه مزاراً، ولا نادوا الناس إلى رؤيته وهم أعلم الناس بعد نبيهم.

ثانياً: فوائد إيمانية: تُعلق الإنسان بنبيه إذا رأى ما يستعمله، وهذه العواطف هي سبب ضلال كثيرٍ من الطوائف ووقوعها في الشرك، وهو الذي أوقع قوم نوح في تعظيم الصور، وقوم موسى في تعظيم العجل وكفار العرب في تعظيم أصنام عمرو بن لحي.
فقوم نوح صوروا الصالحين للتعلق بهم وزيادة الإيمان عند تذكرهم، ولم يُعرف تحريم التصوير فيهم، فهم استعملوا مباحاً في ذاته في زمانهم أفضى إلى شرك، فإباحة الشيء في ذاته لا تُسوّغ التجاهل عن عاقبته، ولو كان له منفعة عاطفية وإيمانية وقتية في أول زمنه، فهذا لا يُغير الحكم، فصور قوم نوح لو لم تُؤثر في عاطفتهم وعبادتهم لله أوّل الأمر ما صنعوها ولا أبقوها ولا قبلها الناس منهم عقلاً، ولكنهم اغتروا بنفع قاصرٍ عاجل فأعماهم عن شرك عظيم آجل ضلت بسببه البشرية بعدهم قروناً.
وهذا المجسمات التقريبيبة للمقتنيات النبوية كان يملك أُصولَها الصحابة وخاصةً أمهات المؤمنين، فلم يتناقلوها ولم يُعرِّفوا بها، ولا استنسخوها -وهم قادرون- ليعرِّفوا بها أهل البلدان، وعمائم النبي وثيابه ونعاله لم يشبروها ولا قاسوها ولا فصّلوا مثلها -وهم قادرون- ليراها أهل الآفاق، ولم يحتفظ فقهاء السلف بعمامته ليعرفوا طولها ولا مقدار ذؤابتها ولا تحنيكها وسمكها وهي مسائل مشكلة عند بعض الفقهاء، ومن يقوم على هذا المشروع (السلام عليك أيها النبي) إما أنهم على ملّة هي أهدى من ملتهم أو أنهم مفتتحوا باب ضلالة.
ولمّا رأى عمر بن الخطاب الصحابة يختلفون في مكان شجرة البيعة قال: (هذا التكلّف) لأن النبي صلى الله عليه وسلّم ورّث ديناً وأوصى به، ولم يوص في نصٍ واحدٍ بثيابه أو أوانيه أو سلاحه أن يُحفظ أو يصنع عليه، بل سائر النصوص على خلاف ذلك، وقد حنّ جذع النخل الذي كان النبي يجلس عليه في خطبة الجمعة أمام الناس ثم تركه هو وأصحابه ولم يحتفظ به أحد من بعده وهو مُعجز، ويرونه يُرمى كسائر بقايا المسجد وما لا ينتفع به، ولو كان عند المتأخرين لأفتى بعض متساهلة الفقهاء بصيانته وحفظه، وقد تكاثر الماء والطعام بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم في أواني متعددة ولم يُذكر أن أحداً من الصحابة عظّم ذلك الإناء ولا قبّلوه ولا تناقلوه ولا صوروه ولا يُعرف له ذكر بعد الانتفاع مما فيه طعام أو شراب.
والشرك له باب وأوّل أبوابه الترخص بيسير التعظيم، وتقديم العاطفة على العقل المستنير بالشرع، والوحي ناطق أن الشرك عائدٌ في جزيرة العرب كما قاله صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح: (لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس حول ذي الخلصة – وكانت صنما تعبدها دوس في الجاهلية بتبالة-)، ولن يعود الناس إلى الشرك إلا على أعتاب تعظيم وعاطفة متوهمة، ولن يتحولوا من توحيدٍ إلى شركٍ إلا بتدرّجٍ كما تدرج أسلافهم، والتساهل بمباحاتٍ وإغلاق البصيرة عن مآلاتها، فالشرك عقيدة تتخلّق في أجيال من الناس، يمر بهم لا يعرفونه بعقلٍ بلا نقلٍ حتى يكتمل ويستحكم فيصعب اقتلاعه، ولهذا لم ينبه الوحي ويُعرّف ببدايات شيء كما عرّف بالشرك وحذر من أوله، وأمر بنزع بذوره باليد والقلم قبل أن لا تُقتلع إلا بالسيف والدماء كما هو حال الأنبياء.
والواجب على القائمين على هذا المشروع إزالة المجسمات التي تُحاكي المقتنيات النبوية لأنها باب ضلالة، وعتبة من أعتاب الشرك.

ومن المهم التنبيه إلى أمورٍ:
أولاً: أن الشرك في الأمم لم يبدأ في صورة شرك وإنما بدأ بقصد المباح، وحسن المقاصد لا يغني من الحق شيئاً.
ثانياً: أن النبي صلى الله عليه وسلم حذّر من اتخاذ جسده الطاهر بعد موته عيداً يتكرر الناس إليه بالأسفار كما في الصحيح عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تجعلوا قبري عيداً)هذا وهو جسده فكيف بأوانيه وكيف بمجسمات تُحاكي أوانيه وأشباهها لتجعل مزاراً يُعتاد.
ثالثاً: أننا نعلم أن هذه المجسمات تماثيل معتَّقة تحاكي الأواني والمقتنيات النبوية، وأنها ليست هي مقتنياته صلى الله عليه وسلم الحقيقية، وأن القائمين على هذا المشروع يُبيّنون ذلك للناس، ولكن التماثيل تفعل فعلاً مقارباً من الحقيقة مع تقادم الزمن، فهؤلاء الرافضة صوروا صورة للحسين ويعلمون أنها ليست هو ومع هذا يعلقونها ويعظمونها ويبكون إذا رأوها، وقبلهم النصارى صوّروا بأذهانهم صورةً لمريم بنت عمران، ويعلمون أنها خيالٌ فعظموها وعبدوها، وقد بدأوها تعريفاً وتوثيقاً لا عبادة.
ولذا أنكر الصحابة – كعمر وابن مسعود- صور مريم بنت عمران ويعلمون أنها خيال لا تقارب حقيقتها، لأن العبرة حينها بالغاية المؤثرة لا بالوسيلة.
رابعاً: أن هذه التماثيل للمقتنيات النبوية تُعرَف اليوم أنها شبهٌ لا حقيقة، ومن يأمن بعد قرنٍ أو قرنين أو أكثر أن تستحيل في الأذهان إلى أصل وحقيقة، فيُزعم أنها هيّ، والقرائن تدل على ذلك فهي بجوار المسجد الحرام مبعث النبي صلى الله عليه وسلم ومسكنه أكثر من خمسين عاماً وعمره ثلاث وستون، وأكثر شرك الأمم بأوهام لا حقيقة، فهذا الحسين جُعل لرأسه قبرٌ في دمشق والقاهرة وعسقلان والرقّة وكربلاء وغيرها، ومن أظهر الحقائق العقلية عند البشر أن الإنسان ليس له إلا رأس واحدٌ، فكيف تعددت الرؤوس عبر التاريخ إلا بالوهم الذي يتحول من زمن بعد زمن إلى حقيقة، ومثله قبر علي بن أبي طالب يعرفه الناس في زمنه، ثم مع القرون أصبح بعد الكوفة له قبرٌ في النجف والرملة ونابلس وعكا في فلسطين بل يطوف الناس في أفغانستان على قبرٍ يزعمونه لعلي، وهذه شعرات النبي صلى الله عليه وسلم في كل بلد، وسيوفه وأوانيه وملابسه المنسوبة إليه في العالم أكثر من أن يستعملها إنسان في عمره كله، فالعقائد الشركية لولا الأوهام لم تنشأ، ومن أعظم الزلات أن يقوم أحدٌ بجوار المسجد الحرام وعلى طريق قاصد البيت العتيق من العرب والعجم بصناعة تماثيل للمقتنيات النبوية، ثم يقول للناس هذا قريب من أواني النبي وهو يرى غير القريب لأوانيه يُنسب إليه مع الزمن، فكيف بالقريب إذا تقادم عليه الزمن وفي البلد الحرام.
خامساً: أن مجاورة هذا المتحف للبيت الحرام رسالة تعظيم لما فيه خاصة في نفوس العجم، ولا تغني عنه الكتابات التعريفية ولا المترجمون الذين يُعرِّفون الزوّار بهذه المجسمات ففي الزوار عجم وهم كثير لا حدّ للغاتهم ولا ضابط لها، وفي العجم يكثر الشرك أكثر من غيرهم.
سادساً: العجم إلى اليوم يتمسحون بحيطان وسواري بمكة مبنيّة حديثاً وهم يعلمون حداثتها، ولكن تعظيماً لمكانها أو لمن تذكرهم به، فكيف تُعتَّق لهم المجسمات والأواني لتحاكي مقتنيات النبي صلى الله عليه وسلم ومستعملاته ثم يُزعم بُعْد مآلها عن الشرك.

وفي الختام هذه ثلاث رسائل:
أولها: إلى أهل العلم والحسبة: أن ينكروا مثل هذا العمل، فالعلم بصيرة والعالِم وإن عاش قرنه إلا أن بصيرته أمامه قروناً، يقضي بها بالحق ويُنذر، وإن سخر به من لا يرى ما يراه، فقد جاء ليحفظ على الناس الدين بأجياله لا بما يراه في يومه، فهو دقيق الملاحظة يعرف كيف تشكلت المذاهب قبله وبعده، دينه أمانة لا يُسلّمه لمن بعده وهو يعلم أن الذي سَلّمه سيستحيل بعد جيلين الى شركٍ ثم لا يُحذّر منه، فيظن أنهم يأثمون ويسلم، وهو شريك لهم في الإثم.

ثانيها: إلى حكّام البلد الحرام:
إن التساهل في ترك مثل هذا المتحف غير معهود، وهو تحوّل غير محمود، فالنهج المعروف درء الشرك ووسائله، والحفاظ على هذا النهج من أعظم واجبات الولاية، وحتميات الرعاية المنوطة بكل حاكم، خاصة حكام البلد الحرام.

ثالثها: إلى القائمين على المشروع (المتحف):
أن يتقوا الله فيما يفعلون، وأن لا يكون ما يفعلون باباً من أبواب الشرك ولا وسيلة من وسائله، ولا يفتتحوا باب ضلالة في بلد الله الحرام، فإن كل الشرك في الأرض بدأت وسائله في صورة مباح، مع حسن قصد، وسلامة نيّة فتحوّلت مزارات تملأ بلاد العرب والعجم.
والأولى بالقائمين عليه تبليغ الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو رسالته العظيمة من ربه{يا أيها الرسول بلّغ ما أُنزل إليك من ربك}، ووصية النبي لأمته من بعده كما في الصحيح قال صلى الله عليه وسلم: (بلغوا عني ولو آية)، فالآثار الحقيقية هي الأخبار وليست النحوت والأحجار.
وفق الله إلى الحق وهدى إليه، هو المعين وحده لا شريك له.
وصلى الله وسلم على النبي وآله وصحبه ومن اتبع.

كتبه/ عبدالعزيز الطريفي
غرة محرّم 1434 للهجرة .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.