- الرأي - بدرية عيسى - جازان : في أرضٍ تشكّلت فيها الحكايات بين رائحة البحر ونَفَس الجبال، وُلد رجال لم يكونوا مجرد أسماء في سجلّ الوظائف، بل علامات مضيئة في ذاكرة جازان… ملامح تُروى، وتجارب تُقتدى، وأثرٌ يبقى حين تمضي الأقدام. ومن بين تلك السير التي عبرت تاريخ المنطقة بصمت القادة وصدق المصلحين… تطلّ سيرة الدكتور عسيري بن أحمد الأحوس، واحدة من السير التي لا تُذكر إلا مقرونة بالعطاء، وببصمةٍ تركت أثرًا في كل موقع مرّ به. النشأة والتعليم وُلد الدكتور عسيري في قرية حلة الأحوس بمحافظة صبيا، حيث تنفتح الحياة الأولى على قيم الريف الجازاني: البساطة، الأصالة، والإصرار على أن يصنع الإنسان مساره بنفسه. واصل دراسته حتى نال الدكتوراه في أصول التربية عام 2013 من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، بعد أن حصل على الماجستير في أصول التربية والفلسفة والبكالوريوس في القرآن وعلومه من الجامعة نفسها. المسار المهني لم تكن مسيرته الوظيفية مجرد انتقال بين مناصب؛ كانت رحلة بناء ووعي وتطوير. بدأ معلمًا في إدارة تعليم صبيا، ثم مشرفًا تربويًا، ثم تولّى قيادة قسم رعاية الموهوبين، قبل أن يصبح مساعدًا للشؤون التعليمية. ومع كل موقع، كان يحفر لنفسه مكانًا في الذاكرة المهنية لمن عرفوه… إلى أن تولّى مسؤولية مدير تعليم محافظة صبيا، ثم ارتقى ليقود منظومة التعليم في المنطقة كاملة مديرًا عامًا للتعليم بمنطقة جازان. وفي عام 2018 التحق بوزارة التعليم خبيرًا تعليميا، وهو الدور الذي استمر فيه حتى تقاعده، مقدّمًا خلاصة خبرته لمشاريع التطوير الوطني. أثره وبصمته لا تُقاس قيمة الرجال بعدد المناصب، بل بما يتركونه من أثر. والدكتور عسيري… ترك أثرًا يمتد في: • قيادات تربوية تخرّجت على يده. • معلمين اكتشف فيهم الموهبة ودفعهم للأمام. • ميدانٍ تعليمي كامل شهد نقلة في زمنه ومساحته. • حضور إنساني يعرفه من تعامل معه عن قرب: التوازن، الحكمة، الهدوء، والقدرة على اتخاذ القرار. إنه من أولئك الذين إذا ذُكرت أسماؤهم قيل: "هذا أحد الذين صنعوا فرقًا". ختامًا تبقى سيرة الدكتور عسيري الأحوس جزءًا من ذاكرة التعليم في جازان، وسطرًا مضيئًا في سجلّ رجال حملوا الرسالة، وأدّوها بصدق، ورحلوا تاركين أثرًا لا ينطفئ.