وقف جحا على المنبر وقال هل تعلمون ما سأقوله لكم، قالوا لا، فقال: ما فائدة التكلم مع من لا يعلم. وفي المرة التالية قال هل تعلمون ما سأقول قالوا نعم، قال لا حاجة للحديث مع من يعلم، وفي الثالثة اتفق الناس على أن ينقسموا بين الإجابة بنعم ولا فقال من يعلم يخبر من لا يعلم، وذهب لا يحمل رسالة أصلا. وهو بزعمي رائد فن المسرح التجريبي فقد جرب التملص ورمي التهمة على مفاهيم الآخرين ليخفي فقد (النص) الفكرة الواضحة التي يجب أن تصل. لم أجد مسرحا في أي ثقافة إنسانية يصطدم مع ثقافة بيئته، فلا مسرح بدون جمهور ولا جمهور سيأتي لمسرح يعجز عن فك طلاسمه!. المسرح التجريبي في حضارات أخرى أتى بعد أن تم بناء علاقة تفاعلية بينه وبين الجمهور أمدا طويلا، بحيث أصبح حتى للحركة أو للإضاءة والصوت والمؤثرات دلالة واضحة تساعد المتفرج على تلقي الرسالة بعد أن تتلمذ الجمهور على تاريخ طويل من العروض الجماهيرية التي عرفته بقواعد المسرح، ليتم الاستغناء على ترف الحوار المطول واختزاله بشكل حركي مفهوم لدى الطرفين الممثل والمشاهد، بعيدا عن اللعب على اختبار مفاهيم الحضور. وهذا لا يعني بحال من الأحوال أن نصفق لنمط المسرح العبثي المعتمد على الضحك على الشكل أو القائم على (الذبات) وأقصد تلك النمطية التي يقف فيها البطل ليشتم الممثل الآخر، فلسنا في عرض “سادي” أو في حاجة إلى تعلم شتائم نلقيها فيما بعد على من يقف أمامنا والإشارة خضراء. فما بين نموذجين خدع جمهور متعطش بوجود مسرح لم يتناول قضاياه اليومية في تغييب لمعاناته. خدع فلم نلحظ ضحكة بغرض التنفيس خرجت من قلب أحدهم لعرض مسرح سوقي بألفاظه، أو لم أر عقلا تجاوب مع عرض تجريبي جمبازي بحركات مؤديه وصاخب بصوت موسيقاه ومثقل مترهل بحجم الإسقاطات المزعومة في ثناياه. كما أن أحد التجاوزات التي يجب تدريب الممثلين على عدم اقترافها ثانية، قيام أحد الممثلين بتوجيه أصبعه بالإشارة إلى مدرجات النساء حينما تحدث عن قضية وصم المرأة بالخيانة!. فإذا كان إدخال الجمهور ضمن العمل المسرحي بهذا الشكل فلا أعتقد أن الجمهور يفضل ذلك!. وهذه بزعمي غلطة يجب عدم تكرارها في حال حرصنا على جعل المسرح صديقا للجمهور وليس عدوا له!!.