الأمين العام للأمم المتحدة يحذّر من مخاطر الذكاء الاصطناعي ويدعو لحظر الأسلحة ذاتية التشغيل    محافظ محايل يرعى أحتفال الأهالي باليوم الوطني 95 في صدر الكرامة والذي نظمته بلدية المحافظة    الدولار يقترب من أعلى مستوى له في ثلاثة أسابيع    اختتام برنامج سلطان بن عبدالعزيز العالمي للتدريب اللغوي في بشكيك    برعاية خادم الحرمين الشَّريفين تنظِّم جامعة أمِّ القُرى الملتقى العلمي 25 لأبحاث الحجِّ والعمرة والزِّيارة    رصد تحليق مسيّرات فوق مطارات دنماركية    وكيل وزارة التعليم للتعليم العام يشارك طلبة تعليم الطائف فرحة الاحتفاء باليوم الوطني ال95    بلدية وادي الدواسر تُفعّل مبادرات اجتماعية بزيارة المستشفيات    وزير الخارجية: لا يكفي إصدار البيانات ما لم تتحول إلى عمل حقيقي يغير واقع الاحتلال وعدوانه    ولي عهد الكويت يشكر السعودية على دورها في دعم حل الدولتين    أمانة تبوك تختتم احتفالاتها باليوم الوطني    تصعيد متبادل بالمسيرات والهجمات.. والكرملين: لا بديل عن استمرار الحرب في أوكرانيا    بزشكيان: طهران لن تسعى أبداً لصنع قنبلة.. إيران تتعهد بإعادة بناء منشآتها النووية المدمرة    رئيسة جمهورية سورينام تلتقي وزير الدولة للشؤون الخارجية    القادسية إلى دور ال16 في كأس الملك    في الجولة الرابعة من دوري روشن.. صراع القمة يجمع الاتحاد والنصر.. والهلال يواجه الأخدود    سجن لاعب مانشستر يونايتد السابق لعدم دفع نفقة أطفاله    في احتفاليتها باليوم الوطني..ديوانية الراجحي: المملكة بقيادتها الرشيدة تنعم بالأمن والرخاء والمكانة المرموقة    15 رئيس دولة و600 متحدث.. مؤتمر مستقبل الاستثمار.. مصالح مشتركة وأمن التجارة العالمية    « البلديات والتجارة»: أبلغوا عن مخالفات السكن الجماعي    العمران والغراش يحتفلان بزواج مهدي    «راشد» يضيء منزل اليامي    إيداع مليار ريال لمستفيدي «سكني» عن سبتمبر    الرئيس الأمريكي وقادة دول عربية وإسلامية في بيان مشترك: إنهاء الحرب خطوة نحو السلام    أشرف عبد الباقي بطل في «ولد وبنت وشايب»    لجهوده في تعزيز الحوار بين الثقافات.. تتويج (إثراء) بجائزة الملك عبد العزيز للتواصل الحضاري    المركز السعودي للموسيقى بجدة يحتفل باليوم الوطني    كوب «ميلك شيك» يضعف تدفق الدم للدماغ    الرياض تستضيف مؤتمر العلاج ب«الجذعية»    الخطاب الملكي صوت الدولة ورؤية الحزم والعزم    الملك سلمان.. نبضُ وطنٍ وقلبُ أمة    الإبداع النسائي.. حكاية وطن    المملكة وقطر تدعمان الاستقرار في سوريا ب89 مليون دولار    وزير الخارجية يشارك في الاجتماع الرباعي بشأن السودان    إنزاغي: سأعالج مشكلة الكرات الثابتة    كيف يستخدم الناس ChatGPT فعليا    241 عقدا سكنيا يوميا    فهد العجلان: ذكرى البيعة تجسد التحولات العظيمة وتمكين الإنسان في عهد الملك سلمان    عزّنا بطبعنا: التعليم ركيزة القيم الوطنية    تداول يكسر الهبوط ويرتفع 5.06%    «كلاسيكو» الاتحاد والنصر.. مقارنة القيمة السوقية بين الفريقين    طرح تذاكر دورة ألعاب التضامن الإسلامي بالرياض    لوحات تشكيليين تزين اليوم الوطني    اتحاد الكرة يدشن أخضر الفتيات تحت 15 عامًا    تسعيني ينافس الشباب باحتفالات الوطن    مستشفى سليمان الحبيب بالتخصصي يعيد زراعة أصبع مبتور بنسبة «100» بعملية دقيقة    أمير منطقة جازان يستقبل الرئيس التنفيذي لتجمع جازان الصحي والفائزين بجوائز محلية ودولية    القبض على (6) إثيوبيين في عسير لتهريبهم (90) كجم "قات"    اليوم الوطني المجيد 95    وطن شامخ    البعثة الروسية لدى منظمة التعاون الإسلامي تحتفي باليوم الوطني السعودي ال95    أبناء وبنات مجمع الأمير سلطان للتأهيل يزورون مرضى مجمع الدمام الطبي    إنطلاق فعاليات الاحتفاء باليوم الوطني ال95 بمدارس تعليم جازان    رحيل المفتي العام السابق الشيخ عبدالعزيز آل الشي "إرث علمي وديني خالد "    "هيئة الأمر بالمعروف" تشارك في فعاليات اليوم الوطني 95    فقيد الأمة: رحيل الشيخ عبد العزيز آل الشيخ وعطاء لا يُنسى    القيادة تتلقى تعازي قادة دول في مفتى عام المملكة    المشي يقلل خطر الإصابة بآلام الظهر المزمنة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حدث في قمة البحيرات المرة .. استعادة لوقائع اللقاء التاريخي بين الملك عبدالعزيز وروزفلت
نشر في شبرقة يوم 02 - 04 - 2008


حدث في قمة البحيرات المرة
استعادة لوقائع اللقاء التاريخي بين الملك عبدالعزيز وروزفلت
بقلم : السيد زهره
-----------------------
هذه صفحة من تاريخنا العربي، لطالما احببت أن افتحها واتحدث عنها. ربما يكون البعض لا يعرف عنها الكثير وخصوصا من الاجيال العربية الشابة. في الشهر الماضي، وتحديدا في الرابع عشر منه، مرت الذكرى الثالثة والستون للقمة التاريخية التي عقدت بين الملك عبدالعزيز آل سعود والرئيس الامريكي فرانكلين روزفلت في 14 فبراير عام 1945 على متن المدمرة الامركية كوينسي في البحيرات المرة بقناة السويس.
وقائع ما جرى في هذه القمة التاريخية
على نحو ما سجله الشهود، وتحدث عنه مؤرخون بعد ذلك، تكشف أولا عن مواقف مشهودة وقدرات وسجايا زعيم عربي كبير هو الملك عبدالعزيز. وهذه الوقائع تتعلق بقضيتنا الأم حتى يومنا هذا.. قضية فلسطين.
واستعادة هذه الوقائع تكشف عن التحولات الرهيبة التي طرأت على مواقف وسياسات الولايات المتحدة الامريكية ليس فقط ازاء قضية فلسطين، وانما إزاء كل القضايا العربية. ثم ان استعادة هذه الوقائع هي بالنسبة إلى أي مؤرخ أو محلل سياسي مناسبة لتأمل بعض من الاحوال والتحولات الغريبة جدا للتاريخ والسياسة وكيف تجري بهما المقادير. قبل ان نستعيد بعضا من وقائع هذه القمة التاريخية، نشير الى ان شهودها والذين سجلوا وقائعها ليسوا كثيرين. فلم يحضر هذه القمة، بالاضافة الى الملك روزفلت، إلا شخصان.. الشيخ يوسف ياسين، الذي كان مستشارا للملك، والكولونيل ويليام ادي، الذي تولى الترجمة. وقد تولى الاثنان فور انتهاء القمة كتابة محضرها ووقائع ما جرى فيها في تقرير مشترك صاغاه معا. وبناء على هذا المحضر، نشر ادي بعد انعقاد القمة بنحو عشر سنوات، وتحديدا في عام 1954 كتيبا بعنوان «عندما التقى روزفلت بابن سعود« وهو حتى اليوم المرجع الاساسي لهذا اللقاء . وفي مقدمته يصف ادي الملك عبدالعزيز بأنه «واحد من أعظم رجال القرن العشرين«. } } }
الطريق إلى القمة
كي نعرف الظروف والملابسات التي قادت إلى القمة، لا بد من القاء نظرة سريعة على المناخ العالمي السائد في ذلك الوقت. في ذلك الوقت، أي في بداية عام 1945، كانت الحرب العالمية الثانية في طريقها إلى النهاية، وكان انتصار الحلفاء على المانيا ودول المحور الاخرى يلوح في الافق. كان روزفلت قد انتهى لتوه من المشاركة في قمة «يالطا« مع كل من رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل والزعيم السوفيتي جوزيف ستالين. وهي القمة التي رسمت كما نعلم معالم النظام العالمي الجديد بعد ان تنتهي الحرب، وتقرر فيها انشاء منظمة الامم المتحدة.
كان روزفلت قد طلب ان يتم الترتيب كي يلتقي في طريق عودته من يالطا إلى الولايات المتحدة بثلاثة من الزعماء هم الملك فاروق والملك عبدالعزيز والامبراطور الاثيوبي هيلاسلاسي. في ذلك الوقت، كان الاهتمام الامريكي بالمنطقة العربية مازال محدودا. ففقد كانت المنطقة ساحة نفوذ تقليدي لبريطانيا. غير ان الولايات المتحدة كانت قد بدأت تعيد النظر في اولوياتها الاستراتيجية وتعطي اهتماما أكبر لوجودها ونفوذها مستقبلا في العالم العربي. وكانت الولايات المتحدة قد بدأت بصفة خاصة تدرك الاهمية المتزايدة للنفط العربي. وفي نفس الوقت، كانت قضية فلسطين هي أكبر قضية مشتعلة في المنطقة العربية مع تدفق الهجرة اليهودية إلى فلسطين وقرب انتهاء الانتداب البريطاني، والجدل الواسع حول مستقبل فلسطين. في ظل هذا المناخ العالمي والاقليمي، كانت الولايات المتحدة قد بدأت تتطلع إلى السعودية باعتبارها حليفا مستقبليا. قبل هذا بنحو عامين، وتحديدا في يوليو عام 1943، كان روزفلت قد ارسل مبعوثا إلى الملك عبدالعزيز ليسأله اذا كان من الممكن ان يلتقي مع الزعيم الصهيوني حاييم وايزمان ليناقش معه قضية فلسطين والهجرة اليهودية، الا ان رفض الملك كان قاطعا حاسما. وقال للمبعوث بغضب: هل تريدني ان اقبل رشوة صهيوني مثل وايزمان؟ في سبتمبر من نفس العام، كان نجلا الملك الاميران فيصل وخالد، الملكان بعد ذلك، قد قاما بزيارة للولايات المتحدة استقبلا فيها استقبالا طيبا. وعندما عادا اخبرا الملك عن ان احدى هوايات روزفلت جمع الطوابع البريدية، فقام بارسال مجموعة من الطوابع السعودية النادرة اليه. ومنذ ذلك الوقت بدأت من بعيد علاقة شخصية بين الملك والرئيس. وحين طرحت فكرة لقاء روزفلت بالملك بعد قمة يالطا، جرت ترتيبات سرية للقاء. تم الترتيب إلى ان يغادر روزفلت يالطا على متن المدمرة كوينسي إلى قناة السويس لترسو في البحيرات المرة. وفي نفس الوقت تم الترتيب سرا لأن يغادر الملك جدة على متن السفينة الحربية الامريكية ميرفي إلى قناة السويس. وفي 14 فبراير عام 1945، وصلت ميرفي إلى البحيرات المرة، وصعد الملك إلى متن المدمرة كوينسي، وبدأت القمة. } } }
قال الملك
حين عقدت القمة، لم تحظ في ذلك الوقت باهتمام لا في امريكا ولا في العالم العربي. سبب ذلك ان العالم كله كان منشغلا بتطورات الحرب العالمية. وغير هذا، فقد كان ما جرى في القمة سريا وبقي كذلك لسنين بعد ذلك. لدرجة ان وزارة الخارجية الامريكية حين اشارت إلى اللقاء في نشرتها في 25 فبراير من ذلك العام لم تكتب عن القمة سوى جملة واحدة هي «ان المناقشات كانت متوافقة مع رغبة الرئيس في ان القادة في العالم يجب ان يجتمعوا معا كلما امكن ذلك كي يتحاوروا كأصدقاء ويتبادلوا الآراء حول المشاكل المشتركة التي تهمهم«. غير انه حين نشرت تفاصيل ما جرى في القمة بعد ذلك بسنين، اتضح انها كانت قمة تاريخية بحق. فماذا جرى في القمة اذن بالضبط؟ كل الذين وثقوا لما جرى في القمة، وخصوصا كتاب ادي، يقدمون تسجيلا واحدا تقريبا لما جرى وبنفس النصوص تقريبا. المحادثات الاساسية بين الملك عبدالعزيز ورزفلت استمرت لخمس ساعات متصلة، وجرت على النحو التالي: الملك لم يشأ في البداية ان يبادر بطرح أي موضوع او الحديث في أي قضية. انتظر كي يرى ما الذي يريد روزفلت طرحه ومناقشته بالضبط. الذين كتبوا عن اللقاء لاحظوا ان الملك لم يتطرق اطلاقا في المحادثات إلى طلب أي مساعدة اقتصادية من امريكا على الرغم من الصعوبات الاقتصادية التي كانت تواجهها السعودية في ذلك الوقت. على اية حال، روزفلت اثار الموضوع الذي يريد مناقشته مباشرة. اشار إلى ان الانتداب البريطاني في فلسطين سوف ينتهي بعد عام وان مستقبل فلسطين برمته موضع نقاش الان، وتحدث عن معاناة اليهود. ثم سأل الملك: ما هي نصيحة جلالتكم فيما يتعلق بمشكلة اللاجئين اليهود الذين طردوا من بيوتهم في اوروبا؟ أجاب الملك: في رأيي ان اليهود يجب ان يعودوا كي يعيشوا في البلاد التي طردوا منها. اليهود الذين تدمرت منازلهم ولم يعد بمقدورهم ان يعودوا إلى البلاد التي كانوا يقيمون فيها يجب تمكينهم من العيش في دول المحور التي الحقت بهم هذا الظلم. علق روزفلت قائلا: لكن اليهود لا يريدون العودة إلى المانيا، ويعتقدون انهم لن يكونوا آمنين هناك. وبالاضافة الى هذا، فان لديهم «رغبة عاطفية« للذهاب إلى فلسطين. رد الملك بحسم: بالتأكيد سوف ينتصر الحلفاء في الحرب وسوف ينزلون هزيمة ساحقة بالنازيين، وإلى الدرجة التي لن يشكلوا بعدها أي تهديد. وان لم يحدث هذا، فما معنى كل هذه الحرب أصلا اذن؟ وقال الملك: دعوا العدو الظالم هو الذي يدفع الثمن. المجرمون هم الذين يجب ان يدفعوا الثمن وليس الضحايا الابرياء. واضاف: ما هو دخل العرب في الظلم الذي تعرض له اليهود في اوروبا؟ وما هو ذنب العرب كي يدفعوا هم ثمن ما فعله الاوروبيون باليهود؟ الالمان المسيحيون هم الذين ***** بيوتهم. دعوهم يدفعوا الثمن.
وقال الملك: العرب واليهود لا يمكن ان يتعاونوا لا في فلسطين ولا في أي بلد آخر. وتحدث الملك مطولا عن التهديد الذي تمثله الهجرة اليهودية على الوجود العربي، وعن الازمة الطاحنة التي تترتب على هذه الهجرة، وعلى شراء اليهود لاراضي العرب. ثم قال الملك لروزفلت مقولته الشهيرة: ان العرب يفضلون الموت على ان يتخلوا عن أراضيهم لليهود. الذين وثقوا لما جرى في القمة يقولون ان روزفلت لم يستوعب في البداية كل هذا التشدد، او ما اعتبره تشددا، من جانب الملك ورفضه القاطع الحاسم الذي لا يقبل النقاش في رفض الهجرة اليهودية إلى فلسطين. وظل روزفلت أكثر من مرة يعيد طرح القضية المرة تلو المرة على امل ان يحصل من الملك على موقف مغاير. الا انه في كل مرة كان الملك يرد عليه بنفس المنطق وبنفس الرفض الحاسم. حينئذ اثار روزفلت فكرة اخرى وطلب رأي الملك فيها. قال انه سمع هذه الفكرة من تشرشل، وتقضي بأن يتم توطين اليهود في ليبيا على اعتبار انها دولة اكبر من فلسطين وفي نفس الوقت فان عدد سكانها قليلون. ومرة اخرى كان رفض الملك فوريا وقاطعا. قال ان طرح هذه الفكرة هو ظلم فادح للمسلمين في ليبيا وفي شمال افريقيا. بعد ذلك، قال الملك لروفلت ما يلي: ان آمال العرب مبنية على كلمة شرف من الحلفاء، ومبنية خصوصا على ما هو معروف عن امريكا من حب للعدل، وعلى توقعاتنا بأن الولايات المتحدة سوف تدعمنا وتدعم قضيتنا. ردا على ذلك، قدم روزفلت للملك عبدالعزيز التعهد التاريخي الشهير. تعهد للملك بأنه لن يفعل أي شيء ولن يقدم على أي خطوة لمساعدة اليهود ضد العرب، ولن يقدم على أي خطوة عدائية ضد العرب. وتعهد بأن حكومته لن تدخل أي تغيير على سياستها في قضية فلسطين من دون التشاور المسبق مع العرب. هذا التعهد وثقه روزفلت بعد ذلك كتابة في الخطاب الشهير الذي بعث به إلى الملك عبدالعزيز في 15 ابريل من نفس العام. بعد ذلك، اقترح روزفلت على الملك فكرة ارسال وفد عربي إلى بريطانيا والولايات المتحدة كي يشرح الموقف العربي في مواجهة الطموحات الصهيونية لأن الشعبين البريطاني والامريكي لديهما في رأيه معلومات مضللة عن القضية. إلا ان الملك اكد له ان الاهم من هذا الوفد هو هذا التعهد الذي قطعه روزفلت لتوه للشعب العربي. } } } ما لم يفهمه روزفلت بعد ذلك، انتقل الحديث بين الزعيمين إلى قضايا أخرى. الملك بادر بطرح قضية سوريا ولبنان، ودار حوار طويل بهذا الخصوص. ملخصه ان الملك طلب من روزفلت تعهدا امريكيا بضمان استقلال سوريا ولبنان بعد الحرب في حال اذا رفضت فرنسا او ماطلت. وتعهد روزفلت للملك فعلا بأن الولايات المتحدة سوف تبذل كل جهودها لمساعدة سوريا ولبنان على نيل الاستقلال.
ثم دار حوار غريب جدا. الامريكيون اعتبروا ما قاله الملك غريبا جدا. لم يفهم روزفلت ابدا ماذا كان يقصد الملك بالضبط. وحتى يومنا هذا، فان المؤرخين الامريكيين الذين تحدثوا عن اللقاء عاجزون عن فهمه. الذي حدث ان روزفلت تحدث مع الملك في موضوع كان هو شخصيا مهتما به جدا. تحدث عن الاهمية القصوى في رأيه للاهتمام بمشاريع الزراعة والري في السعودية. قال ان تطوير موارد المياه وتنفيذ مثل هذه المشاريع الزراعية على نطاق واسع باستخدام التقنيات الحديثة سوف تعود بنفع عظيم على الشعب السعودي. وقال روزفلت انه مهتم جدا بهذا الموضوع شخصيا لانه هو نفسه كان فلاحا. والحقيقة ان روزفلت حين اثار هذا الموضوع كانت لديه تقارير من امريكيين عملوا في السعودية في هذا المجال تؤكد الجدوى العملية لمثل هذه المشروعات. الملك انصت مليا لروزفلت وهو يتحدث في هذا الموضوع. وشكره على اهتمامه الشخصي بهذه القضية. لكنه قال: للأسف انا كبرت في السن، ولم يعد بمقدوري ان اكون فلاحا. وكم كنت اتمنى لو كنت اصغر سنا حتى اجرب ما طرحته. ثم قال الملك هذا الذي اعتبره الامريكيون كلاما غريبا. قال لروزفلت: انني شخصيا لا يمكن ان اتحمس لأي مشاريع تطوير للزراعة في بلادي، ولا لأي مشاريع تنمية في مجال آخر اذا كان هذا الازدهار والنهضة من الممكن ان يرثه اليهود بعد ذلك. حين قال الملك هذا، وجم روزفلت تماما. لم يفهم ماذا يقصد الملك بهذا الكلام بالضبط. ولهذا لم يعلق اطلاقا ولو بكلمة. كما قلت، المؤرخون الامريكيون حتى اليوم عاجزون عن فهم لماذا قال الملك هذا الكلام في هذا السياق. بعضهم قال ان هذا كلام غريب خصوصا انه لا يوجد يهود في السعودية اصلا. لكن الذي لم يفهمه روزفلت ولم يفهمه الامريكيون، كان واضحا.. كان ما يقصده الملك واضحا. فات عليهم ان موضوع القمة اصلا كان قضية فلسطين والهجرة اليهودية والاستيلاء على الاراضي العربية والاطماع الصهيونية. والملك اراد ببساطة بالاضافة إلى التأكيد على موقفه الذي شرحه لروزفلت من انه لا مساومة على الاراضي والحقوق العربية، أراد ان يلفت نظره إلى ان اطماع هؤلاء الصهاينة لا تقف عند حد فلسطين فقط، وانه كما ان اطماعهم مرفوضة في فلسطين، فانها مرفوضة نهائيا في أي بلد عربي بأي شكل ومهما كان الثمن. } } }
ما بعد القمة
هذه اذن كانت، وباختصار بالطبع، اهم وقائع قمة البحيرات المرة بين الملك عبدالعزيز والرئيس الامريكي روزفلت. ماذا جرى بعد القمة؟
الذي جرى بداية ان علاقة صداقة شخصية توطدت بين الملك والرئيس. وقد كان روزفلت متأثرا جدا بقدرات الملك وخصاله، ولدرجة انه بعد عودته الى امريكا، تحدث في الكونجرس الامريكي، وقال: بالنسبة إلى المشكلة العربية، لقد تعلمت من ابن سعود في خمس دقائق اكثر مما تعلمته من عشرات الخطابات والرسائل والخطب. وبعد هذا، ذكّر الملك الرئيس روزفلت بالتعهد الذي قطعه في القمة، وبناء على ذلك كما ذكرنا قام روزفلت بتوثيق هذا التعهد كتابيا في الرسالة التي بعث بها الى الملك. وشاءت الاقدار ان يتوفى روزفلت بعد ذلك بأسبوع. وتولى الحكم في امريكا بعده هاري ترومان الذي نسف هذا التعهد، وانقلبت السياسة الامريكية تجاه قضية فلسطين مائة وثمانين درجة. في الأسبوع الاول من اكتوبر 1945، عقد ترومان اجتماعا حضره المبعوثون الامريكيون في مصر ولبنان وسوريا والسعودية. في الاجتماع ذكروه بتعهد روزفلت للملك عبدالعزيز. وبعد نقاش قصير، قال ترومان: « آسف ايها السادة. لكن علي ان اتجاوب مع مئات الآلاف الذين يتوقون إلى نجاح الصهيونية. ليس لدي مئات الآلاف من العرب من الناخبين«. ثم جرى ما نعرفه جميعا بعد ذلك، حين ايدت امريكا تقسيم فلسطين، ثم اعترفت بدولة اسرائيل، حتى انتهى بها المطاف إلى مواقفها المعروفة اليوم. } } } حين يتأمل المرء هذه الصفحة من التاريخ، لا يملك بداية الا ان يزداد اعجابه بالملك عبدالعزيز.. هذا الزعيم العربي التاريخي ومواقفه وقدراته. كان زعيما بالفطرة، ومفاوضا شرسا بالسليقة مدافعا عن القضايا العربية. ولا يملك المرء الا ان يتعجب من المقادير التي جرى بها التاريخ والسياسة. تأمل مثلا هذا الفارق الشاسع بين المواقف التي عبر عنها روزفلت وما انتهت اليه امريكا اليوم. وتأمل حتى الفارق بين مواقف الملك عبدالعزيز وبين المواقف الرسمية العربية اليوم. أقدار التاريخ والسياسة لديها احوال غريبة. بعض المؤرخين حين يتأملون هذا الذي جرى في قمة البحيرات المرة وموقف الرئيس روزفلت، يقولون انه لو لم يشأ القدر ان يرحل روزفلت في ذلك الوقت، لربما ما كانت ستقوم أبدا دولة اسمها إسرائيل. من يدري؟.. لكن هكذا جرت الاقدار.
___________________
* كاتب بصحيفة (أخبار الخليج) البحرينية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.