قال إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ صالح بن محمد آل طالب «إن حدود الله لا تستباح بزلة عالم ولا فتوى متعالم، ومن تتبع الرخص فتق بإجماع العلماء، ومن أخذ برخصة كل عالم اجتمع فيه الشر كله، والبر ما سكنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك». وأضاف في خطبة الجمعة أمس: «إن اللافت للنظر في المشهد العلمي اليوم، ورغم وجود بقية من أهل العلم تترسم خطى الأسلاف وتعي ثقل التركة، أن حمى علم الشريعة غدا مستباحا في كثير من الأحيان حتى دهمه الدهماء واغتاله الغوغاء وتسارع للخوض فيه أنصاف المتعلمين وأرباعهم، واجترأ عليه من لم تمس يده مختصرا فقهيا أو شرحا حديثيا، ومن لم يسمع في حياته عن الأحكام التكليفية والوضعية ودلالات الألفاظ على الأحكام ومقاصد الشريعة وموارد الأحكام ومصادرها». وقال أيضا: «أصبح كثير من المسائل العلمية فريسة لصحفي أو عنوانا جاذبا لحوار فضائي أو فكرة لرسام هزلي، وأصبح عرض كثير من أهل العلم وطلبته كلأ مباحا ومرتعا خصبا للهمز واللمز، واستمرأت هذا الأمر صحف ووسائل إعلام حتى أصبح لا ينكر، وصار يتصدى للعلماء وفتاواهم من لا حظ له في العلم، بل ولا حتى في الديانة، ومع قناعتنا بأنه لا كهنوتية في الإسلام ولا معصوم إلا سيد الأنام، فإننا نعتقد في الوقت نفسه أن هذه سابقة خطيرة لا نعلم أن لها مثيلا في عصور الإسلام السالفات». حذر الشيخ صالح بن محمد آل طالب إمام وخطيب المسجد الحرام في خطبة الجمعة أمس من الخوض في دين الله وشريعته بلا خوف من الله عبر وسائل إعلام وشبكات اتصال تروج الشاذ من الأقوال وتفتي بالرخص حتى أحدثت عند الناس الاضطراب وأودت بهم إلى مسالك الانحراف، مؤكدا أن من يفسد على الناس دينهم أولى بالعقوبة والمنع ممن يفسد دنياهم. وقال إمام وخطيب المسجد الحرام:«وفي خضم هذا التخوف وكثرة من يبدي في الشريعة حكما وفي الدين رأيا فإنا نقول كما قال الأولون:»إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم». وإذا وقفت غدا أمام الله فلن تعذر باتباعك من لا تبرأ الذمة باتباعه ولا يوثق بعلمه ولا دينه ولا فقهه وورعه. لم تأخذ عنه إلا ما وافق هواك واطرحت قول العالم الرباني الذي يخاف الله ويخشاه ويعلم كيف يتقيه ويعبده وكيف يصل إلى مرضاته وجنته، إن الدين لله, منه نزل وإلى جلاله يعرج والله الذي له الخلق والأمر يقضي ما يشاء ويحكم ما يريد, والحق في المسائل المختلف فيها واحد والحكم عند الله ثابت مهما اختلفت أقوال المفتين ولن تبرأ الذمة بمجرد أن تجعل بينك وبين النار مفتيا ولكن الواجب على المكلف أن يتحرى وأن يعرف من يسأل ليخرج من التبعة ويصيب حكم الله عز وجل ويحقق مراده سبحانه, والبلية كل البلية في القصد إلى الأخذ بأخف الأقوال في مسائل الخلاف وسؤال من ليس أهلا للفتيا والله يقول: «فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون»، فبسؤال غيرهم لا تبرأ الذمة ولا يخرج المكلف من التبعة . وأضاف إمام المسجد الحرام: «إن حدود الله لا تستباح بزلة عالم ولا فتوى متعالم ومن تتبع الرخص فتق بإجماع العلماء ومن أخذ برخصة كل عالم اجتمع فيه الشر كله، والبر ما سكنت إليه النفس واطمأن إليه القلب والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك». وقال آل طالب: «يا أيها المسلمون في كل بلاد الإسلام إن الوقوف إلى علماء الشريعة في هذا الوقت بالذات لو لم يكن الإسلام يستدعيه لكانت السياسة توجبه وتقتضيه ومصلحة الدنيا قبل الآخرة تومئ إليه وتستدعيه. نعم أخطاء العلماء واردة وزلاتهم متصورة وشذوذاتهم مردودة وأخطاء العامة في فهم كلامهم أكثر ورودا. وقصور فهم غير المختصين أكثر شيوعا إلا أنه على كل الأحوال تبقى للعالم حرمته وللعلم حرمته فالعلماء هم نجوم الأرض يهتدى بهم في ظلمات الجهل, إن ظهروا اهتدى الناس وإن غابوا تحيروا, خير من وطئ الثرى وأحسن المكلفين عاقبة إن قاموا بأمر الله ومن أسوئهم إن فرطوا وخالفوا. وأردف قائلا: «إن العالم يجتهد فيخطئ ويصيب ويوفق وقد لا يحالفه التوفيق . ولكن صواب العلماء أكثر من خطئهم, وتوفيقهم أضعاف زللهم وهم في ذلك بين الأجر والأجرين والمنصف من اغتفر قليل خطأ المرء في كثير صوابه أما غير العالم فهو آثم وإن اجتهد مخطئ ولو أصاب لأنه ليس من أهل الفتوى فماله والتكلم فيما لا يدريه والدخول فيما لا يعنيه وحق مثل هذا أن يلزم السكوت». وشدد إمام وخطيب المسجد الحرام على أهل العلم بأهمية الاستقامة على الحق ونبذ الباطل وقال: «يا أهل العلم استقيموا فقد سبقتم سبقا بعيدا فإن أخذتم يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون . أين الورع. «إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم». واستعرض آل طالب جانبا من قضايا الأمة الكبرى وقال» :لا يمكن لأحد أن يغفل عن مشهد الحصار في فلسطين والاحتلال المستمر والتحدي السافر للمبادئ والقوانين ويأبى القتلة إلا أن يستمروا في القتل, ويوما بعد يوم يؤكدون على أرض الواقع ما وصفهم به القرآن بأنهم أشد الناس عداوة للذين آمنوا ، فها هي سفائن الحرية المتجهة إلى غزة تقابل الأسر وحاملي أمل الحياة ، غزة تسلب حياتهم ترى الأدوية في المراكب متناثرة وألعاب الأطفال مبعثرة كأنما حرام على أهل غزة أن يتداووا وجريمة أن يلعب أطفال غزة كما يلعب الصغار، وقد رأى العالم كله ما جرى . وأكد أن على العرب والمسلمين أن يعوا أن الحصار المفروض على غزة ليس حصارا على أهل غزة فحسب وإنما هو حصار على كرامة الأمة وإرادتها ؛ هو تحد لكل حر في العالم, هو اختبار لدعاة الحقوق وحماتها, هو فضح لكل الهيئات والمؤسسات الدولية المعنية بالإنسان وكرامته, هو صفعة لكل دولة حامية لذلك الكيان أو راعية لتلك الشراذم. إن فك الحصار عن أهل غزة فرض كفائي على الأمة وأمانة في عنق كل حر شريف في هذا العالم يجب ألا تدخر الأمة وسعا في ذلك وأن تستنفر كل قواها السياسية والاقتصادية لرفع الظلم وفك الحصار وإنهاء الاحتلال. إن الرضا بهذه الحال مؤذن بعقوبة معجلة من الله وإنه لمؤشر على ضعف الإيمان, فقد قال صلى الله عليه وسلم: «والله لا يؤمن من بات شبعان وجاره إلى جنبه جائع وهو يعلم». إن قهر الشعوب واضطهاد الأمم وتوالي المظالم من أقصر الأحوال عمرا وأسرعها رجوعا على الظالم وقد خلت من قبل المثلات ولنا في التاريخ عبرا وآيات. إن استمرار هذه الحال مذكية للعداء بين الشعوب مميتة لكل دعوة للسلم مفسدة لكل نشاط يبشر بحسن النوايا بين الأمم. لا يمكن الهناء بمنتجات الحضارة أو التنعم برفاهيتها وطبول الحرب تدق ودماء الأبرياء تسفك وأرضهم تسلب وتنتهك, وشعوب الأرض تشعر بالتمييز والعنصرية والقادرون من دول يعينون الظالم على ظلمه ويدينون الذبيح وهو يتشحط في دمه. ومع هذا فلا بد من وقفة نسجل فيها الشكر والتقدير لكل أحرار العالم وشرفاء الشعوب من كل عرق ممن انعتق من أسر الإعلام الصهيوني والتضليل العالمي ليعلن رفضه للظلم وشجبه للاعتداء ومطالبته بفك الحصار عن أهلنا في غزة. إن ذلك مما يبشر بالخير ولعلها بداية لصحوة الشعوب المغيبة عن الظلم الذي طال ليله وطال ويله واشتدت ظلمته . وعلى الإخوة في فلسطين أن يستزيدوا وسيلة نصرهم وكسب ثقة العالم في اجتماع كلمتهم واتحاد صفهم بعد الصدق مع الله ربهم، وحدوا الصف وأجمعوا الأمر واتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم.