قال الدكتور أحمد بن راشد بن سعيد، أستاذ الإعلام السياسي المشارك بقسم الإعلام، إن قنوات فضائية ووسائل إعلام عربية وإسلامية هي أشد وطأة من الإعلام الأجنبي الذي نتهمه بتشويه صورة العرب والمسلمين، وهناك إعلاميون عرب يقومون بعمل غير موضوعي, وغير مهني, وغير وطني. وأضاف أن هناك استراتيجيات إعلامية ل"التمويه" أو ل"تلطيف القبيح"؛ حيث يسمون الأشياء بغير أسمائها؛ لجعل الحقيقة السيئة مقبولة لغوياً على الأقل عند الناس؛ فتطلق الصحافة على "الخمر" اسم "المشروبات الروحية"، وعلى "الشذوذ الجنسي" اسم "المثلية الجنسية". واتهم "بن سعيد" أصحاب اتجاه معين باختطاف الإعلام، وممارسة الإقصاء لغيرهم. جاء ذلك في محاضرة الدكتور أحمد بن سعيد التي ألقاها ضمن سلسلة محاضرات البرنامج الثقافي "تواصل" بكلية الآداب، الذي يشرف عليه الدكتور عبدالعزيز الزهراني، وكانت بعنوان "عن ماذا يتحدثون؟.. تشكيل القبول والاستجابة من خلال التأطير". وناقشت المحاضرة قضية اللغة وصياغة المشهدين الإعلامي والسياسي, إضافة إلى الاستراتيجيات الرمزية للخطابات الإعلامية والسياسية، والتأطير في التناول الإخباري ولغة السياسة. وقال الدكتور ابن سعيد إنّ كثيراً من الزعماء والقادة يتحدثون عن الكثير من أحوالهم والأوضاع التي تمر بها بلدانهم، ويقدمون معلومات للناس, ربما تتعرض للتضليل والتشويه والتلوين, وهناك حرص من النخب السياسية في وسائل الإعلام على السيطرة على المعلومات؛ فدائما هناك "كنترول" على المعلومات، ومحاولة لتوجيهها في سياق واحد وضخها في توجيه واحد, والإعلاميون والسياسيون لا ينجحون دائماً في ضخ المعلومات بتوجه واحد؛ فقد يفشلون؛ فعندما تحدث فضيحة سياسية أو فضيحة "ما" لرئيس تحرير مثلاً أو فضيحة أخلاقية لا يستطيع السياسي التحكم في انتشار المعلومة والحد من أخبار الفضيحة, وربما يلجأ السياسي إلى تكتيك آخر, كأن يقوم بعمل "ما" في تخفيف عمل التسرب.
وأضاف الدكتور أحمد بن سعيد قائلاً: لقد درج السياسيون على الكذب في حملاتهم الانتخابية، وهذا شائع، ولا داعي لتوثيقه؛ لكثرة ما يمكن أن يطرح في هذا المجال.
وتحدث "بن سعيد" عن طبيعة الرموز السياسية, واستراتيجيات "التمويه" أو "تلطيف القبيح", وقال: تلطيف القبيح هو تسمية الأشياء بغير أسمائها, بأن أجعل الحقيقة السيئة مقبولة لغوياً على الأقل عند الناس، وهذا شائع وكثير جداً؛ ففي الصحافة يسمون "الخمر" ب"المشروبات الروحية" و"الشذوذ الجنسي" ب"المثلية الجنسية"، وقس على ذلك الكثير من التمويه. وقال الدكتور أحمد بن سعيد: "إن التأطير يعني أن أنظر إلى قضية ما من جانب ما، وأركز على هذا الجانب، وليس بالضرورة أن تُعطى الصورة كاملةً؛ حيث يُعطى جزءٌ من الصورة؛ ومن ثم التأطير يعني إمكانية رؤية القضية من زوايا محددة, أي أن التأطير هو السماح بمعنى واستبعاد معنى آخر".
وقال: بالأمس كنا في مؤتمر "الإعلام والهيئة"، الذي نظمه كرسي الملك عبد الله بن عبد العزيز للحسبة، وتحدث الدكتور عبد المحسن القفاري - وهو المتحدث الإعلامي باسم رئاسة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - وقال: إنَّ إحدى الصحف جاء مصورها ليصور الحضور أثناء وجودهم في المؤتمر، ولكنه قام بتصوير القاعة التي فيها المؤتمر أثناء تناول المشاركين وجبة الغداء، ولم يكن هناك حضور في مكان المؤتمر الذي أقامته الهيئة؛ فقد صور القاعد خالية, وكان يوجد فيها واحد أو اثنان نائمَيْن؛ فهو أعطى صورة غير دقيقة مضللة, هذه الصورة التُقطت من جانب محدد, وهي التي تُعرَض للجمهور, ولا تعكس الواقع، بل تعكس رؤية المصور للواقع بشكل غير صادق.
ثم تناول موضوع "تحليل الخطاب الإعلامي"، وقال: إن تحليلنا لخطابنا الإعلامي يزودنا بالقوة للمقاومة، ويحفزنا على رؤية اللغة بعيداً عن التجريد؛ فكلماتنا ليست محايدة, ونحن مطالبون بألا نتلفظ أو نكتب أو نستمع لكلمات دون الوعي بمعانيها الكاملة, كلماتنا مسيَّسة بطبيعتها, حتى ولو لم ندرك ذلك!! وكلمات أصحاب النفوذ وخطابات أصحاب السلطة والمال تصبح مسلَّمات, أو يُحتفل بها, أما كلمات المفتقرين إلى السلطة فهي كلمات الضعفاء والمهمشين, تتوارى في الظل؛ لأنها منبتة الصلة بالواقع, أو غير ملائمة, أو ببساطة "لا معنى لها". وانتقل الدكتور ابن سعيد للحديث عن "التأطير في عناوين الأخبار"، سواء كانت على الشبكة العنكبوتية, أو على شريط الأخبار أو حتى في الصحف, وقال: يجب أن نشك وأن نسيء الظن بها؛ فلا تُحْسن الظن بالصحافة, ودرّب نفسك على النقد, وعوّد نفسك على الشك, واقرأ ما بين السطور. وتساءل أحد الموجودين قائلاً: هل يمكن أن نقول إن الإعلام في الوضع الحالي ضحية لعدد من التأطيرات العالمية الناتجة من عدد من التشققات، وأنه لا يوجد حياد أو موضوعية؟ فأجابه ابن سعيد: لدينا قنوات فضائية ووسائل إعلام أشد ضرراً من الإعلام الذي كنا نقول إنه مُعادٍ لقضايانا؛ فقد كنا نشكو من الصور النمطية السيئة, والتصوير النمطي السلبي للعرب والمسلمين, وأنهم دائماً يتحدثون عن الزلازل والبراكين, ولا يتكلمون عن الثقافة والأدب والاختراع وغيرها، ولكن هناك قنوات عربية تكرّس هذه المشاهد السلبية، وتكرّس الصورة النمطية السيئة، وكون هذه القنوات تصدر من بيئة عربية فهي أشد وطئاً. نحن لسنا ضحايا, نحن نمارس تعذيب الذات, وهناك إعلاميون عرب يقومون بعمل غير موضوعي وغير مهني وغير وطني.