شدد الشيخ الدكتور إبراهيم الدويش الأمين العام لمركز رؤية للدراسات الاجتماعية والداعية الإسلامي المعروف على أن التدرج والواقعية في الإصلاح والتربية وحل المشاكل، وعدم استعجال النتيجة، مدخل رئيس وهامّ في التعامل مع مجريات الأحداث والمتغيرات، وبالغفلة عنه خسرنا وفقدنا الكثير، وما زلنا، فحري بكل صاحب منبر وقلم وفكر، وكل أخ مبارك، أن يعمل فكره، ويضاعف جهده، في تبصير الناس وتوعيتهم، وأن يقدم حلولاً مناسبة ومدروسة، ووسائل وآليات ناجحة وناجعة لتربية الذات، وحل المشاكل، وتفعيل المواهب، وتفجير القدرات، وتوظيف الطاقات، واضعًا نصب عينيه هذا المدخل المهم؛ مستشرفًاً خطوطه العريضة من هذه الجملة النبوية الرائعة: (فَأَطَاعَتْهُ طَائِفَةٌ فَأَدْلَجُوا عَلَى مَهْلِهِمْ فَنَجَوْا)، وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم : (مَثَلِي وَمَثَلُ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى قَوْمًا فَقَالَ: رَأَيْتُ الْجَيْشَ بِعَيْنَيَّ، وَإِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْعُرْيَانُ، فَالنَّجَاءَ النَّجَاءَ؛ فَأَطَاعَتْهُ طَائِفَةٌ فَأَدْلَجُوا عَلَى مَهْلِهِمْ فَنَجَوْا، وَكَذَّبَتْهُ طَائِفَةٌ فَصَبَّحَهُمْ الْجَيْشُ فَاجْتَاحَهُمْ) رواه البخاري ومسلم. وأضاف الدويش: إن جملة (فَأَدْلَجُوا عَلَى مَهْلِهِمْ...)- رغم نذارة النذير العريان.. تحتاج منا لوقفات وتأملات، وإعمال فكر، وعمل دؤوب؛ لأن ما وصلنا إليه من حال ليس وليد يوم وليلة، ولا سنة وسنتين وثلاث، بل هو نتيجة لغفلات، وضعف الجدية والاهتمام بالمسؤوليات، وغلبة الأهواء والمصالح الشخصية، وفساد إداري متجذر، وأوضاع سيئة وأخطاء متراكمات عبر السنين الطويلة وبتدرج، وإذا كان النزول تدرَّج واستغرق هذه السنين الطويلة فكيف بالعروج والبناء الذي هو أصعب وأشق ولا شك؟! ثم كيف ببناء تتربصه معاول التخريب والتدمير، والكيد والتصنيف واتهام النيات؟ وقالَ الدويش في محاضرة دعويه: فلنحذر من العجلة والاستعجال في الإصلاح؛ فهما من الشيطان، قال صلى الله عليه وسلم مادحًا أَشَجَّ عَبْدِ الْقَيْسِ: (إِنَّ فِيكَ لَخَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ: الْحِلْمُ، وَالْأَنَاةُ) رواه مسلم. ولنأخذ بالسنن الكونية والواقعية بتعقل وصبر ومصابرة. ولكن علينا أن نتنبه إلى أن الصبر والتعقل وعدم العجلة.. لا تعني أبدًا القعود والكسل وعدم المبادرة، بل هناك فرق جوهري بين العجلة والمبادرة، يقول الإمام ابن القيم في كتابه (الروح): "والفرق بين المبادرة والعجلة: أن المبادرة: انتهاز الفرص في وقتها، ولا يتركها حتى إذا فاتت طلبها، فهو لا يطلب الأمور في إدبارها ولا قبل وقتها، بل إذا حضر وقتها بادر إليها، ووثب عليها وثوب الأسد على فريسته، فهو بمنزلة من يبادر إلى أخذ الثمرة وقت كمال نضجها وإدراكها. والعجلة: طلب أخذ الشيء قبل وقته؛ فهو لشدة حرصه عليه بمنزلة من يأخذ الثمرة قبل أوان إدراكها. فالمبادرة وسط بين خُلقين مذمومين أحدهما: التفريط والإضاعة، والثاني: الاستعجال قبل الوقت. ولهذا كانت العجلة من الشيطان؛ فإنها خفة وطيش وحدة في العبد تمنعه من التثبت والوقار والحلم، وتوجب له وضع الأشياء في غير مواضعها، وتجلب عليه أنواعًا من الشرور وتمنعه من الخير، وهي قرين الندامة؛ فقلَّ من استعجل إلا ندم، كما أن الكسل قرين الفوت والإضاعة". وهذا كلامٌ نفيس جداً يحتاج إليه الجميعُ اليوم.