يظل المشهد الفني والغنائي ظالما حين لا يذكر موسيقارا كبيرا في الأغنية السعودية الأصيلة بحجم عمر كدرس، غير أن قدر كثير من المبدعين أنهم يمرون كلمح البصر لكنهم يتركون بصمة لا تنسى؛ (فالعابرون سريعا جميلون) ومنهم الكدرس الذي مضى هادئا وادعا مثقلا بعمق ألحانه ومسكونا برؤية فنه الحقيقي بعيدا عن ضجيج الآخرين وعوالمهم. عمر محمد نوح أو «كدرس» ابن المدينةالمنورة الذي أبصر الحياة عام 1933 متهجيا لغة الفن حتى اكتشف نبوغه وتفرده عن جيله آنذاك العديد من رموز الفن في تلك المرحلة، أقام علاقة خاصة مع آلة العود حتى انسابت ألحانه العذبة لتنجب (ليلة خميس) - الأغنية الأشهر للفنان محمد عبده - التي تبدأ بكوبليه مميز ذي نغمة احتفالية يزرع من خلالها الفرح والحب ويؤسس لمساحة من الدهشة حينما يبدأ توزيع الموسيقى التي رسمها بلحنه العميق، يدرك أن ألحانه تخرج من بين أصابعه لتبقى خالدة للأبد، مضت ليلة خميس وعلت إلى الفضاء المقمر وقد كتبت ولحنت في منتصف الشهر، يخيل إلي أنها طرزت بنور من قمر مكتمل يتوارى خلف سحابة عابرة.. ترى أي دهشة صنعها الموسيقار الخجول.. وأي فضاء تحركت فيه هذه الأغنية، وأضحى موج البحر فيها مغنى وقصيدا. قدم العديد من البصمات الغنائية الخاصة به من تلك التي لا يجيدها إلا ال (كدرس) بتفرده الخاص، فأغنية مثل «وهم» التي كتب كلماتها الشاعر الراحل فائق عبدالجليل قام بصياغتها لحنا لتصبح أغنية خالدة في ذاكرة الفن فنحن أمام ملحن مسكون بالحزن والرومانسية العتيقة. رحل الكدرس بهدوء عام 2000 في غفلة من الفن، كان جحودا كبيرا من المشهد الفني الذي يجحف كثيرا بحق العباقرة من الملحنين والمؤلفين، ولا يمنحهم نصف ما يمنحه للمغنين، وهو قدر صانعي الإبداع وملوك الذائقة الرفيعة. رحل كدرس وهو لم يرتو بعد من نبع الفن الذي سكن داخله ولم يمنحه ما يستحق من مكانة وقيمة توازي حجم الألق الذي يسكنه والقدرات التي يمتلكها.