بقدر ما يشعر المثقف المنحاز للإبداع بالقلق من الخلافات الثقافية في منطقة جازان إلا أن المراقب عن بعد ليس كمن يحضر إلى مدينة الفل والتنوع البيئي والأدبي والفلكلوري، فالمنطقة الساكنة في جنوب الوطن الآمن برغم تجاوزات الحوثي وتطاول المخلوع لا تهدأ حوارات منتدياتها وجلسات مثقفيها المنغمسة في الهم الخاص والشأن العام، ومع كل ما تضخه الصحف ووسائل التواصل عن خلاف مثقفي جازان مع ناديهم الأدبي وفرع جمعية الثقافة إلا أن كل الأطياف المختلفة نظريا تتوحد عمليا في كل مناسبة ثقافية تقيمه المؤسسات المعنية بالحراك الأدبي وفي مقدمتها جامعة جازان. وما يعزز قوة ونوعية المخرجات أن المنطقة زاخرة بالشعراء والكتاب والنقاد والمسرحيين وعشاق الموروث ما يحيل هذه الكوكبة إلى شعلة تسهم في الضوء والدفء الذي يشهد الوطن السعودي كله. هذه الخلافات المقروءة والمسموعة يغلب عليها الذاتي إلا أن موضوعية المبدعين هنا تبعث على الطمأنينة كون وجهات النظر المتباينة قائمة على ندية مفعمة بالود والرجاء، ومؤذنة بنسج خيوط مستقبل أرحب وأجمل. ومع كل ما تعيشه جازان من تنمية في شتى مناحي الحياة اليومية تبقى الحركة الثقافية مؤشرا على قوة ومهارة المحفزين على العمل النوعي والمدهش فالنادي الأدبي برغم انقضاء فترة المجلس السابق وتكليف مجلس مؤقت لم يتخذ من الانقسامات ذريعة للتوقف عن نشاطه وإذا كان الرئيس الحسن المكرمي آثر الابتعاد قليلا واكتفى بالرئاسة على الورق وسلم زمام المهام للشاعر حسن الصلهبي إلا أنه حاضر بالرؤية والمساهمة في المتن حتى وإن ظن البعض أنه في الهامش. والناقد إسماعيل مدخلي بقدر ما يصدر من آراء نقدية ظاهره القسوة تجاه ناديه بقدر ما يعمل على تفعيل دور النادي بدعوات مميزة لكبار النقاد والكتاب من مختلف أرجاء الوطن لإقامة الأمسيات والندوات على منبر المؤسسة الأم، إذ شهد العام الماضي مشاركة قامات ثقافية بحجم عبدالله الغذامي وسعيد السريحي وعلي الشدوي في فعاليات النادي، وكانت القاعة تغص بالحضور وفي مقدمتهم الإشكالي في طرحه الأنيق في حضوره أحمد السيد. ومع كل اختلاف أو خلاف تستثمر جازان النقد إيجابيا وتجعل من تعدد الآراء جسرا لحركة دؤوبة تكاد تغطي كافة أرجاء جغرافيتها ما يشحذ الهمم ويدير بوصلة سفينة الوعي تجاه التنمية والرقي القيمي والحضاري، ويرى مدير فرع جمعية الثقافة والفنون في جازان عبدالرحمن موكلي أن اختلاف أدباء جازان دليل استقلالية كل مثقف وانحيازه لمبدأ حضور المنطقة بصورة أجمل، مشيرا إلى أن الخلاف النظري لم يعق الفعل الثقافي كون جامعة جازان تنشط بشكل دوري في إقامة أنشطة نوعية لافتة بفضل القائمين عليها وفي مقدمته الدكتور حسن حجاب وكيل الجامعة والدكتور محمد حبيبي عميد شؤون الطلاب، مستعيدا ما تحققه الجامعة على مستوى المسرح في مهرجانات عربية وما تتبناه من أمسيات وأصبوحات شعرية ونقدية وفكرية. مؤملا أن لا يظن البعض ظن السوء بسبب خلافات شكلية قائمة على ذاتية أكثر من كونها موضوعية، لافتا إلى أن جازان بكل أطيافها تجيد التعبير عن نفسها بجمالية فاتنة برغم تعدد مواقف وآراء البعض ما يخلق حراكا مدهشا وينظم عقدا من الفل المعرفي يزين جيد المنطقة والوطن الغالي ، مشيرا إلى أنه يمكننا القول إن نشاط المؤسسات الثقافية والجامعة والصالونات الأدبية في جازان يتجاوز في شكله ومضمونه ما يقام في مناطق سعودية عدة.