يخلط بعض المسلمين بين الشريعة والفقه، ظنا منهم أنهما شيء واحد، وأن رد بعض الفقه رد للشريعة ورفض للحكم بما أنزل الله، ويرى المفكر المصري أحمد كمال أبو المجد أن الشريعة غير الفقه، كما أن الدين غير التدين، فالشريعة هي مجموع أحكام الله تعالى الثابتة عنه وعن نبيه عليه الصلاة والسلام، التي تنظم أفعال الناس ومصدرها كتاب الله سبحانه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، أما الفقه فهو عمل الرجال في الشريعة، استخلاصا لأحكامها، وتفسيرا لنصوصها، وقياسا على تلك النصوص فيما لم يرد فيه النص، وطلبا للمصلحة فيما يعرض من أمور السياسة، وإذا كانت الشريعة حاكمة كما يقال بحق، فإن الفقه محكوم بكل ما يحكم عمل الرجال وسلوكهم في الجماعة، لافتا إلى أن الطاعة الواجبة على المسلم إنما هي طاعة الشريعة وليست طاعة الفقه ورجاله. ووصف أبو المجد الذين يضعون الفقه والشريعة في إطار واحد يصفونه كله بأنه «التشريع الإسلامي»، الذي لابد من تطبيقه بحذافيره وحروفه وتفاصيله الجزئية كلها، يرتكبون خطأ فادحا في حق الإسلام وفي حق الناس فهم يدخلون على الإسلام ما ليس منه ويلزمون الناس بما لا يلزم، ويفرضون عليهم من الحرج ما لم يأذن به الله، خروجا على قوله تعالى (هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج)، وقوله (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر). ويؤكد أبو المجد أن مجال الاجتهاد في التشريع مجال واسع وكبير، لأن ما لم تتناوله النصوص كثير بالقياس إلى ما تناولته وليس ذلك كما يتوهم البعض قدحا في الشريعة ولا هو نيل من قوله تعالى: (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء)، بل هو آية الحكمة ودليل الكمال في شرع الله تعالى الذي (خلق الإنسان ويعلم ما توسوس به نفسه) والذي يعلم وله المثل الأعلى أن العالم يتطور، وأن أشكال الحياة ومشاكل الناس تتبدى في قوالب جديدة، لأنه سبحانه كما أودع ناموس الحركة في الكون والمجتمع أودع نعمة العقل في الرؤوس ليلاقي شرعة الحركة بمثلها وليستجيب للتطور في الحياة بتطوير في الاحكام، وهذا هو وحده الكفيل بحماية الشريعة وتحقيق مقاصدها. ويذهب أبو المجد إلى أنه حين يمارس الاجتهاد وتعرض على المشرع والفقيه ورجل السياسة حلول متعددة تقبلها الشريعة الاسلامية وتتسع لها مبادئها ونصوصها القطعية فإن الاختيار لابد أن يحكمه فهم الواقع الاجتماعي وتحليل حركته، ولذلك وجب أن يستقر في ذهن دعاة الإسلام والمنادين بتطبيق الشريعة أن الجهد الفقهي الخالص لابد أن يتممه عمل اجتماعي واسع، حتى تأتي ثمرته رحمة حقيقية للناس ومخرجا لهم من الضيق، ورفعا للحرج، وتحقيقا لمصالحهم على اختلافها.