السوداوية مرض نفسي عضال يصاب به بعض الناس ويتجلى في صور شتى من خلال تعاملهم مع الآخرين وهي صور في مجملها تؤكد على أن السوداوي يتلذذ كثيرا بتعذيب ضحيته سواء كان ذلك التعذيب جسديا أم معنويا بترهيبه وزرع الرعب والخوف في قلبه، فإذا تم له ذلك علت شفتيه الداكنتين من آثار التدخين أو عدم النظافة ابتسامة صفراء ويكون عندها في أفضل حالاته النفسية مرتاحا لأنه عذب إنسانا وقع تحت يديه حتى لو لم يصدر من ذلك الإنسان أي إساءة ضده ولكن لأنه سوداوي فلا بد له من ضحية يتلذذ بتخويفها وتعذيبها حتى يفرغ ما في قلبه من حقد أسود وينفس ما في صدره من مشاعر لئيمة. وتصبح السوداوية بلاء عاما عندما يصاب بها موظف عام حتى لو كان بحجم صغير مثل مدير مكتب أو سكرتير لمدير إدارة، حيث يجد السلوى والسرور في التلهي بإخافة من يعملون معه في المكتب وتعذيب من يراجعونه لمقابلة المسؤول الذي مكنه من تولى وظيفة مدير مكتب أو سكرتير، فلا يمكنهم من الدخول على ذلك المسؤول ويغلق الطريق في وجوههم بزعم أن سعادته مشغول أو أنه غير موجود مع أنه موجود في مكتبه فيكون ذلك الموظف السوداوي من المعطلين للعمل المسمِمين لأجوائه الضارين بمصالح المراجعين سواء كانوا من موظفي الإدارة أم من خارجها، ولكنه لا يأبه بذلك أبدا فحسبه أنه أفرغ ما في قلبه من شحن سوداء كالحة مثل محياه، وقد يظل على هذه الحالة حتى تصيبه دعوة صادقة مقبولة من أحد ضحاياه أو «يقلعه» الله هو ومن وظفه في موقعه فيرتاح المراجعون من شره المستطير ومن أخلاقه السيئة ومن سوداويته المقيتة. وهذا الأثر السلبي للسوداوية يزداد سوء وفداحة كلما كان الذي يعاني من المرض ذا موقع وظيفي إداري أعلى وليس مجرد مدير مكتب أو سكرتير لأن ذلك الموظف سوف يمارس في هذه الحالة عقده السوداوية من موقعه الوظيفي ومن خلال صلاحياته التي سوف يسيء استخدامها عن طريق تعقيد معاملات المراجعين وقد يظل على هذه الحالة حتى يتقاعد أو يأتيه اليقين. أما أصعب حالات السوداوية فهي أن يكون أحد الأبوين مصابا بها فتجد أبا يعذب زوجه وأطفاله ليل نهار خلف جدران من الصمت القاتل فإذا فعل ذلك خرج منشرح الصدر متجها إلى بشكة الأنس فيمتدح رفاقه ما يرونه فيه من مرح وخفة ظل غير مدركين أنهم إنما يتعاملون مع ذئب خسيس ولكن خسته لا تظهر إلا أمام الضعفاء من زوج وأبناء!.